المشهد في أرض الكنانة، خلال الأسابيع التي انقضت يبدو كئيباً وقاتماً، والأوضاع الأمنية مرشحة لمزيد من الانهيارات. وبغض النظر عن تحميل هذا الطرف أو ذاك من الأطراف السياسية المتصارعة، مسئولية ما يجري، فإن الذي لا جدال فيه، أن مصر تمر الآن بوضع صعب، يهدّد أمنها ومستقبلها، وينذر بانهيار أقدم دولة صنعها الإنسان في التاريخ.
فما حدث في المحافظات المصرية الرئيسية، من انفلات أمني، وغياب لخريطة طريق للخروج من المأزق الراهن الذي يثقل على مصر، وفشل السلطة في تلبية المطالب الأساسية التي من أجلها انطلقت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، جميعها تؤكد أن مصر تتجه نحو المجهول.
إن مساحة الأمل آخذة بالاضمحلال، وقد عبّرت تصريحات وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، في لقاء حضره كبار قادة القوات المسلحة مع طلاب الكلية الحربية، عن ذلك بوضوح. فقد أكد ضرورة مواجهة المخاطر التي تمثل «تهديداً حقيقياً لأمن مصر وتماسك الدولة»، لتقرع أجراس الخطر.
والإشارة في هذا الاتجاه واضحة وصريحة، من قبل وزير الدفاع؛ ان «عدم معالجة هذا المشهد من كل الأطراف سيؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر في ثبات واستقرار الوطن»، وان «استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها على إدارة البلاد يؤدي إلى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة».
لم تؤد ثورة 25 يناير، إلى تحقيق ميزان العدل، والنهوض بمصر، لتلعب دورها التاريخي المنوط بها. وما تحقق على الأرض لم يكن سوى مزيد من الخيبات.
وقد دفعت حالة الانهيار بالقانوني المعروف يحيى الجمل، إلى اتهام الحكم بالسير على نهج بغيض، مصحوب بقدر كبير من الغباء العقلي، والإساءة إلى الإسلام السمح، ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة بهدف واضح هو الحيلولة دون تداول السلطة.
دفعت هذه الأوضاع إلى قيام جبهة إنقاذ وطني، طالبت بإلغاء الإعلانات الدستورية التي صدرت في الفترة الأخيرة وإيقاف العمل بالدستور الذي أعدته الجمعية التأسيسية، والعمل مؤقتاً ولمدة لا تزيد على عامين بدستور 1971 إلى أن تنتخب لجنة تأسيسية من الشعب بهدف وضع دستور جديد يليق بمصر، ويؤكد هوية الدولة المدنية الديمقراطية، وينص على التعددية السياسية الحقيقية ويضع آليات تداول السلطة، ويؤكد سيادة القانون واستقلال القضاء، ومراعاة القواعد القانونية، وفي مقدمتها القواعد الدستورية، باعتبارها قواعد عامة لا تخص جهة دون أخرى. وتواصل هذه الجبهة نضالاتها، من خلال الاعتصام في الميادين، وتحشيد الشعب المصري، من أجل تحقيق أهدافها.
لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن الأزمة في مصر تتجه إلى حل يخرج البلاد من عنق الزجاجة. فجماعة الإخوان التي وصلت إلى السلطة، مع بدايات المرحلة الانتقالية، لما جرى التعارف عليه بالجمهورية الثانية، تناست أن طبيعة هذه المرحلة تقتضي التوافق، وعدم الاحتكام إلى مفهوم الغلبة، الذي يعني إقصاء الآخرين والاستئثار بالسلطة. والفرق بين المرحلة الانتقالية وما بعدها كبير جداً.
في المرحلة الانتقالية، يستمد القادة حضورهم من مشروعية التغيير. بمعنى أن القادة الجدد يستلهمون قوتهم من خلال أدوارهم في عملية التغيير، وليس عن طريق صناديق الاقتراع. وإذا ما أخذنا هذه الحقيقة في الاعتبار، فإن الذين حرّكوا الميادين في القاهرة وأغلبية المدن المصرية ليسوا الإخوان المسلمين وحدهم، بل كثير من الهيئات والأحزاب التي تمثل العمود الفقري للمعارضة الآن، ومن ضمنهم جبهة الإنقاذ. بل إن أقطاب المعارضة، يشيرون إلى أدوار متواضعة للإخوان في الميادين، ويؤكدون أنهم لم يلتحقوا بعملية التغيير إلا في 28 يناير 2011، أي بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحركة الاحتجاجية، وبعد أن اتضح لهم أن الانتفاضة عبرت البرزخ، وأصبح بحكم المؤكد قدرتها على إحداث التغيير.
لقد أجريت الانتخابات البرلمانية، برعاية المجلس العسكري الأعلى، في الأيام الأولى للمرحلة الانتقالية. وبالمثل، جرت انتخابات مجلس الشورى، ولاحقاً انتخاب رئيس الجمهورية. تخلى المجلس العسكري عن السلطة، قبل اكتمال متطلبات هذه المرحلة، فكانت النتيجة، أن تم القفز إلى مرحلة الدولة المدنية، قبل استكمال شروطها، وفي مقدمتها صدور دستور توافقي، يعبّر عن مختلف توجهات نسيج المجتمع المصري، وليس تعبيراً عن مفهوم الغلبة.
السؤال الصعب الذي يواجه جل المهتمين بالأوضاع في مصر: ما هي سبل الخروج من هذه الأزمة؟ المؤكد أن الإخوان بما لديهم فرحون، وأنهم لن يتنازلوا قيد أنملة عن الغنائم التي حصلوا عليها، حتى لو تسبب ذلك في إحراق مصر، والمؤكد أيضاً، أن الجيش كان باستمرار الحصن الحصين والملاذ الأخير، لإنقاذ مصر، منذ قاد محمد علي باشا ثورته على المماليك حتى يومنا هذا.
وقد فجّر هذا الجيش ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، التي أعادت إلى مصر ألقها وحضورها القومي والإفريقي والدولي، وجعلت منها قاعدة للنضال العربي ومساندة حركات التحرر في القارات الثلاث. وحين اندلعت ثورة 25 يناير 2011 عبر الجيش عن انحيازه الواضح إلى الثورة، ونزل إلى الشارع، وحمى مصر من الفوضى والضياع.
ما هو متوافرٌ من معلومات حتى هذه اللحظة، لا يشي بأن الجيش قد حسم أمره، وقرّر التدخل مرةً أخرى لإنقاذ مصر وحماية أمنها واستقرارها ووحدتها، فقد أصر على أن حماية الميادين هي من مهمات أجهزة الأمن، ولم يقدّم المساندة للرئيس الذي لم يحترم مبادرته التي أطلقها منذ شهرين، لعقد لقاء وطني يجمع كل رموز القوى السياسية مع الرئيس، كما أنه لم يعلن موقفاً صريحاً من تأييد المطالب الشعبية.
لكن آخرين، وجدوا في تصريح وزير الدفاع، الفريق السيسي عن مسئولية جميع الأطراف في انهيار الدولة، إيحاءً بأن القوات المسلحة سوف تتدخل لضبط الأمن، إذا ما تردّى الوضع وهُدّدت المؤسسات والمرافق العامة، بما يعني في نهاية المطاف، العودة إلى تسلم مهمات السلطة، لفترة انتقالية حتى تشكيل حكومة إنقاذ وطني.
وهكذا فإننا في الأغلب، أمام احتمالات ثلاثة، إما تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإما تدخل القوات المسلحة، وإما انهيار الدولة المصرية... فعسى أن يكون الحل برداً وسلاماً على شعب مصر.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 3814 - الخميس 14 فبراير 2013م الموافق 03 ربيع الثاني 1434هـ
لا تمسك قلمك اذا ما تعرف شيء
اراك تكتب موضوع تعبير جميل نحويا ولغويا تستقي كلماته من قنوات الاعلام التي ليس لها علاقه بالواقع او من وحي خيالك الكتابه ف السياسه وتحليل الاوضاع ف بعض الدول تحتاج لثقافة وعلم ومعلومات ومعايشة ارض الواقع لم ارها ف هذا المقال فلن تتدخل القوات المسلحه ولن تشكل حكومه انقاذ ومن يحلمون بانهيار مصر فقد اشرقت الشمس ف مصر من قديم الخلق ولن تغيب الا بغيب الدنيا ومن عليها