الديمقراطية أو كما تعني «حكم الشعب» هذه الفاتنة التي خلبت الأفئدة منذ انبثاقها من الفكري اليوناني قبل الميلاد وانتقلت من أصلاب اليونانيين واحتلت المركز الأساسي في قلب الأمة العربية والإسلامية وأصبحت المعيار الجوهري والأساسي للحكم من تشريع وعدالة ومساواة وغيرها من الايديولوجيات الحديثة في كل أدبيات الشعوب التواقة للحرية والتي ترزح تحت نير حكم الاستبداد ترفع شعارها «الديمقراطية»، ظنناً منها أن مثل هذه الآلية من الحكم تسعدها وتحقق مطالبها وطموحاتها.
لهذا شاهدنا ونشاهد أن هذه الشعوب المضطهدة قد قدمت شهداء من فلذات أكبادها من الشباب الذين قمعت ونكلت بهم أيدي الديكتاتورية.
بعد دراسة مستفيضة ومعمقة انبرى ذوو الفكر الإسلامي الثيوقراطي ليضعوا بديلاً إسلامياً لهذه النظرية منبثقة من النص القرآني والحديث الشريف المعروفة «بنظرية الحكم في الإسلام»، على اعتبار أن نظرية الديمقراطية لا تنسجم مع نظرية الحكم في الإسلام، مثل «الفقه الدستوري» عند الإمام النائين في القرن التاسع عشر، ثم جاء دور المفكرين في القرن العشرين مثل السيدمحمد باقر الصدر والسيدالخميني ومحمد مهدي شمس الدين وأشبعوا نظرية الحكم مستلهمين أفكارهم من الشورى في الإسلام وأصحاب الحل والعقد وآيات الحكم الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لكن الشعوب ترى في النظام الديمقراطي أفضل طريقة لنيل الحقوق والمساواة بينها والحرية والعدالة وتلغي الطبقة الارستقراطية.
وكما يقول الوزير البريطاني السابق ونستون تشرشل: «الديمقراطية أقل الأنظمة سوءاً، فالغرب يؤمن بمبادئ مثالية ويعرف أنه مازال بعيداً عن بلوغها، لكنه يواصل التطوير بالمثاليات».
ولا يفوتني في هذه العجالة أن أشير إلى كلام دقيق ومهم قاله رئيس الاتحاد البرلماني الدولي بيير فيرديناندوكاسيني في كتاب «البرلمان والديمقراطية في القرن الحادي والعشرين» للباحث دفيد بيثام يقول: تكمن المفارقة في وقتنا الحاضر في أننا نصفق لعلو شأن الديمقراطية في الوقت الذي نرثي فيه الواقع القائم في بلدان كثيرة والمتمثل في أن البرلمان وهو المؤسسة المركزية للديمقراطية يواجه أزمة تتصل بالشرعية، إذ تسيطر السلطة التنفيذية على أجندته»، (ص 5 المصدر المذكور).
وعليه علينا أن نعي أنه لابد للنظام الديمقراطي أسس وقيم ومعايير تتطلب تطبيقها حتى نصل إلى الحكم الديمقراطي المنشود، وقد كتب حول هذا المصطلح العقلاني الكثير الكثير، ومن بين البحوث التي قرأتها في هذا المضمار بحث جيد للبروفسور رئيس بعثت تقصي الحقائق في البحرين إبراهيم بسيوني تحت عنوان «نحو إعلان عالمي على أساس المبادئ الديمقراطية من المبادئ إلى التحقيق» - نشر البحث في كتاب «الديمقراطية مبادئها وانجازاتها» الذي طبع في الاتحاد البرلمانين بجنيف في العام 1998... هذا البحث القيم يقع في 19 صفحة يحمل في مقاطعه المعلومات الدقيقة وهو أيضاً خالٍ من الهرطقيات والحشو.
استهل البروفسور جهده بقوله تعالى: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» (الشورى: 38). كما ذكر قولاً مهماً عن ارسطاليس: «لا أحد يظن أنه يملك نصيباً من الديمقراطية والحرية في أي حكومة».
من خلال البحث يؤكد البروفسور بسيوني تحت عنوان «الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان» أن من أهم معاني الديمقراطية تحقيق الحرية وممارسة الفرد والجماعة حقوقهم الأساسية وإلا لم تكن هناك ديمقراطية. كما ذكر من بين الحقوق الأساسية: (الحياة، الحرية، والتصرف على نحو القانون، المساواة، عدم التمييز، حرية التعبير، الحرية والقضاء)، وكل واحدة من هذه الحقوق الأساسية تؤدى بدورها إلى الحقوق الأخرى.
أما تحت عنوان «حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون» (ص 9) فقد كتب يقول: «نتعهد ببناء وتعزيز الديمقراطية بصفتها النظام الوحيد للحكم في دولنا». وقال أيضاً إن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حق مكتسب لجميع البشر ويكفله القانون، وتقع مسئولية حمايته وتطويره أولاً على عاتق الحكومات المعنية به، لذا يجب احترام وحماية هذه الأسس ضد التعدي عليها من قبل دولة قوية أو التفريط بها وأن ممارستها كاملة هي الوسيلة الصحيحة للوصول إلى الحرية والعدالة والسلام.
وأكد البروفسور في هذا البحث أن كل هذا يتحقق من دون تمييز وأن لكل فرد الحق في التعبير عن رأيه بغض النظر عن انتمائه ودينه وعقيدته. وشدد على حرية التعبير عن الرأي وألا يتعرض أي شخص للاعتقال التعسفي والحجز ولا يخضع للتعذيب وسوء المعاملة والعقوبات القاسية والمهينة. وأضاف أن «كل شخص له الحق في ممارسة حقوقه وأن يشارك في انتخابات حرة ونزيهة. وأن يحاكم في محكمة عادلة وعلنية إذا ارتكب جريمة، وأن يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها».
وقد ذكر بسيوني نقطة مهمة في البحث وهي «تجدر الإشارة إلى أنه في كل الأنظمة الاستبدادية التي تسببت بشكل واسع في إيذاء شعوبها وسعت إلى تدمير المجتمع المدني الأول أو استنزفته ثم أقامت على أنقاضها الايديولوجيا المتعصبة أو التميز بين شعوبها، قد وضعت أشخاصاً في سلطتها لتنفيذ المغالطات التي أسفرت في معظم الحالات إلى إبادة شعوبها ويعتبر هؤلاء الأشخاص من أسوأ عناصر شعوبها الذين كانت تعتمد عليهم في تنفيذ أعمالها البشعة ضد الشعوب. وعليه فإن الربط بين غياب المجتمع المدني وعدم وجود ضوابط اجتماعية خلقت ذاك الفراغ ونتج عنه تنفيذ سياسات وممارسات لإيذاء الشعوب وفتحت مجالاً للفساد المستشري، ثم وقعت هذه الأنظمة الاستبدادية في مناخ الإفلات من العقاب كما توقعته في مستقبلها. ولهذا لا تتحقق الديمقراطية من دون مجتمع مدني... والمجتمع المدني لا يولد إلا من رحم الشعب الذي يملك الإرادة والقوة في الدفاع عن قيمه ومؤسساته».
منذ القرون الوسطى استقر المجتمع الدولي على تبني الديمقراطية بعد تجاوز للقوانين اللاهوتية الميتافيزيقية واعتماد القوانين الوضعية العقلانية ظناً منها ولو بالقدر اليسير أن تحقق العدالة والمساواة والحرية بين بني البشر، إلا أن استقرار المجتمع الدولي الديمقراطية كحل سياسي قد يكون سليماً في هذا العصر العصيب التي تكتنفه ايديولوجيات مختلفة وقوميات وإثنيات ومذاهب معقدة يصعب تأويلها.
هنا سؤال يطرح نفسه، لماذا لجأ العرب والمسلمون إلى الاعتماد إلى أنظمة غريبة مثل «الديمقراطية» التي صدرت لنا من اليونان قبل أكثر من 2500 سنة، كما أنها اعتمدت ما جاء في نظرية «العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي» لجان جوك روسو منظر الثورة الفرنسية للعام 1789م، إذ يقول روسو في عقده: «لو أخذنا كلمة الديمقراطية على الدقة لرأينا الديمقراطية الحقيقية لم توجد ولن توجد أبداً». (ص 76).
«العقد الاجتماعي» لا شك أن في القرآن الكريم والحديث الشريف ما يكفي لأن يعتمده المسلمون والعرب لإدارة شئونهم الحياتية، لكن السبب في اختلاف الرؤى والتأويل ونقولها بصراحة «العصبيات الجاهلة» جعلهم ينبذون الكتاب والسنة وراء ظهورهم ويلجأوا للغير. ولهذا ترسخ الظلم والاستبداد واستفحل إلى ما لا نهاية في مجتمعاتنا.
وأكد البروفسور بسيوني أن الحرية (الحريات المذكورة أعلاه) هي أساس الحكم الشعبوي، لذا الديمقراطية وحدها غير كافية لأن تكون هناك ديمقراطية من دون حرية... الحرية العنصر الذي يكمل العقل ويجعل الإنسان يفكر بفاعلية كبيرة، وذلك لأن الإنسان هو عقل وحرية ولو فقد أحدهما لأصبح الإنسان منقوصاً ومشوهاً ومجنوناً.
وهنا نستطيع أن نقول إن كل إنسان حر، لأن الحرية هي ماهية الإنسان وجوهره، وقد حث الإمام علي (ع) الإنسان على ألا يكون عبداً لغيره بقوله: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»، فالحرية عند الإمام علي (ع) هي كل عمل وجداني خالص ملازم للحياة الداخلية التي ترسم بذاتها الخطوط وبلا قسر عليها، لأنها نابعة من الذات لا تلقائية خارجية، فكل عمل لا يواكبه الوجدان العميق فيه إساءة للحرية ثم إلى العمل بذاته، لذلك الإمام (ع) أوجز شروط الحرية بقوله: «من ترك الشهوات كان حراً»، لأن نزوة الشهوة هي عبودية، فكمال الإنسان في حريته وإرادته، لذلك جعل روسو السلطة التشريعية في يد الشعب دون غيره، وأن كل قانون لا يقره الشعب فهو لاغ، ومن بعد ذاك وذاك تتحقق إرادة الشعوب في إقامة نظام ديمقراطي شعبوي وإلغاء الاستبداد.
علوي محسن الخباز
(1)
أَنا أَدْرَي إِبْكِلابِي مِنْكْ وايِدْ
نِبِيْحْ اِلْكَلْبْ هَالايامْ زايِدْ
وُكِلْ مِنْ زادْ نَبْحِهْ زادْ خُوْفَهْ
وُطايِعْ سَيِّدِهْ فَيْما هُْو رايِدْ
(2)
أَنا المَحْرُوْمْ مِنْ حَقِّي وُمَقْهُوْرْ
وَأنا اللي حايِطٍ حُوْلِي مِئَةْ سُوْرْ
هاذَا حُكْمْ اِلقُوِي وُالحُكْمْ جايِرْ
إِلهِي إِجْعَلْ اِلْمَعْسُوْرْ مَيْسُوْرْ
(3)
أَنا حُرْ اِلْتَصَرُّفْ وُالإرادِهْ
مانِي عَبْدِنْ عَلَى راسي سِيادِهْ
إِله اِلْعَرْشْ رَبِّي جَلَّ شانِهْ
وُغيْرْ الله أَبَدْ مالِي بِهْ رادِهْ
(4)
أَنا شِعْرِي عَلَى العِدْوانْ مِنْشارْ
أَوْ اِلْمِيْدارْ بِالْهامُوْرْ لِي شارْ
أَبَدْ ما أْسْكِتْ عَلَى مِنْهُوْ ظَلَمْنِي
أَنا أَقْطَعْ أَصابِعْ كِلْ مِنْ شارْ
(5)
إِذا تِمْرَضْ أَنا أَمْرَضْ مَعاكُمْ
وُتِرْجَعْ صِحِّتِي لِي إِبْشِفاكُمْ
أَنا وُأنْتِهْ جَسَدْ واْحِدْ حَبِيْبِي
وُرُوْحِيْنْ إِبْجَسَدْ ساعَةْ لِقاكُمْ
(6)
بِدى حَرْبَهْ عَلَي وَأْخْفَى هُجُوْمَهْ
وُبُرْكانْ اِلْحِقِدْ بانَتْ رُسُوْمَهْ
يِشَوِّهْ سِمْعِتِي بِاْلْسِرْ وُيَخْفِي
مَحاسِنْ لِي وُيَبْدِي بِاْلْخُصُوْمَهْ
(7)
تِخَلِّيْنِي بَلا شَغْلَهْ وَنا حَي
تِرِيْدْ إِظْهارِي لا يَعْمَلْ وَلاشَي
عَلِيْكْ الله حَسْبي وِاتِّكالي
أَنا المَظلُومْ لا ظِلٍ وَلا فَيء
(8)
تِشَوِّهْ شِعْرِي يا اْلْمَخْبُوْلْ جَهْرِي
تِشِيْلْ كَلْمِهْ وُتِحِطْ إِحْرُوْفْ نَثْرِي
حَسَدْ هذا لُوْ حِقْدْ أَسْوَدْ فِي يُوْفُكْ
أَنَا أَدْرِي وُكِلْ اِلْناسْ تَدْرِي
(9)
جُنُوْنْ اِلْعَقْلْ بِعْرُوْجِكْ وُراثِهْ
وُذَيْلْ اِلْكَلْبْ ذِيْلِكْ حَتَى راسِهْ
وُبَسِّكْ لا تِحِطْ راسِكْ بِراسِي
أَنا راسِي جِبَلْ ما تْشُوْفْ راسِهْ
(10)
حِرَقْ قَلْبي وُهُوْ يَسْقِيْنِي ظُلْمَهْ
في عِزْ اِلظُهْرْ آشُوْفْ اِلدِنْيِهْ ظَلْمَهْ
وُلُوْلا الْحِلْمْ وِايْماني بِرَبِّي
لَخَلِّيْتَهْ يِرِدْ اِلرَضْعَهْ لِمَّهْ
(11)
دَهانْ السِيْرْ لازِمْ في زُمانِي
بَلَيّاهْ مُسْتَحِيْلْ أَحَّدْ يَرانِي
يِقُوْلْ لي صاحِبِي إِسْمَعْنِي وِافْهَمْ
بِحَرْفْ اِلواو حَقَّقْتْ اِلامانِي
(12)
هَواكُمْ كُوْسْ وِشْمالِي هَوانِهْ
قَضِيْنا اِلْعُمُرْ في ذِلْ وُهَوانِهْ
عَلِيْكُمْ بَرْدْ وُرْطُوْبَهْ عَلِيْنا
إِخْذُوْ صِيْفُكُمْ وُهاتُوْ شِتانِهْ
خليفة العيسى
العدد 3814 - الخميس 14 فبراير 2013م الموافق 03 ربيع الثاني 1434هـ