في مثل هذا اليوم قبل عامين بدأت حكاية أجيال جديدة لم تكن السياسة تشغلها، بقدر ما كانت تطمح للتخطيط لمستقبلها الدراسي والعملي والاجتماعي، وتحلم بأن تكون يوماً ما كما تريد في وطنٍ ظنت أنها تعي ملامحه وقلوب أبناء شعبه.
ومنذ هذا التاريخ، ومع اختلاط الدم بالتربة ورائحة الغازات الخانقة ودمعات الفاقدين وجراح معاصم المعتقلين، صارت السياسة أول هموم أبناء هذه الأجيال؛ حفظوا أسماء الساسة في بلادهم، كما عرفوا وجوه ممتهنيها والقابضين على القرارات فيها، لكنهم عرفوا بشكل أكبر أهميتهم في صنع أي قرار يخصّ مستقبلهم على أرض هذا الوطن.
الحديث في مجريات طوال هذين العامين، ضربٌ من التأريخ الذي لن يكون منصفاً في وقت مازالت القبضة الأمنية هي المسيطرة على المشهد فيه، قبضةٌ ولّدت وضعاً أمنياً مضطرباً بعيداً كل البعد عن البحث عن حلول سياسيةٍ حقيقيةٍ تحقن الدم وتقي القلوب حقداً وكرهاً لن يورّث إلا دماراً وخنادق من جفاء بين مكونات الشعب وبين الشعب والسلطة. وجميعنا يريد هذا الحل وينتظره، فيما بعضنا يسعى إليه بما أتيح له من ظروف وآليات مساعدة.
اليوم، وفي تاريخٍ واحدٍ في يومٍ واحد يحتفل أبناء أرضٍ واحدةٍ بمناسبتين مختلفتين وبطريقتين مختلفتين، كلٌ كما يراه وكيفما وجده، يوم الميثاق الوطني من جهة، حيث السلطة كانت تضمن امتثال الشعب لكل قراراتها، بعد أن وقع عليه غالبية من كانوا فوق السن القانوني للتوقيع آنذاك، لولا أن انقلبت على بعض بنوده فتوقف عنه الشعب، ويوم ذكرى انطلاق انتفاضة الرابع عشر من فبراير/ شباط من جهة أخرى، حيث ظنّ الشعب أنه قد يدخل حقبةً جديدةً من التاريخ الديمقراطي، في أسرع وقت ممكن مع موجة الربيع العربي الذي خلّف مخاضات أنجبت ديمقراطيات في بعض الدول بغض النظر عما حدث بعد ذلك من انقلابات عليها.
ولأن المناسبتين تمثلان ذكرى عزيزة على الجانبين، صار من المتوقع أن تكون هنالك محاولات من الجانبين ليجعلا من مناسبتهما يوماً عالمياً يعترف به المجتمع الدولي، وينتظر أحداثه في كل عام بترقب.
ولأنني لم أوقع على الميثاق، ككثير من أبناء هذه المرحلة، ولأن اهتمامي السياسي ولد مع هذا التاريخ قبل عامين وربما منذ يناير/ كانون الثاني مع بدء الربيع العربي في تونس ومصر وازداد منذ ذلك اليوم، فإنه بات يعني لي تاريخ النضج السياسي والحقوقي والانساني لدي. تاريخٌ غيّر مجرى حياتي وجعل مني امرأة أخرى لا تهاب المطالبة بحقها في أي محفل وأي مجال. تاريخٌ خلق مني امرأةً أقوى لا تخشى رؤية الدم في جرح غائر بعد أن كانت تشعر بالدوار من رؤية الجراح البسيطة. امرأة عرفت معنى كلمة المرأة بمفهومها الجديد، المرأة التي تشارك الرجل في كل شيء حتى في تعرضها للظلم والسجن والتنكيل إلى جانب مشاركتها في صنع القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأثق تماماً أن ما كتبته عن نفسي في هذه الفقرة هو حال الكثيرات من نساء وطني أيضاً، حيث غيّرهن هذا التاريخ إلى الأفضل، وخصوصاً أن كثيرات منا رأين الدماء على الأرض وفي المستشفى وعلى أجساد الجرحى طوال هذين العامين.
ويعود لنا هذا التاريخ اليوم محملاً بكل تلك الذكريات التي عشناها طوال عامين بجميلها ومرّها لتجعلنا أقوى على تحمل العقبات التي قد تعترض طريقنا للوصول إلى «الوطن الذي لا يرجف فيه الأمل»، لعل القادم يجود لنا بحل سياسي يوقف كل هذا الدمار.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3813 - الأربعاء 13 فبراير 2013م الموافق 02 ربيع الثاني 1434هـ
تسلم يدك على هذا المقال
تاريخ اليوم يسمى بتاريخ الحريه ..الثورة ... الكرامة....صنع القرار ..........
وكل 14 فبراير يسقط شهيد
كتب علينا تقديم القرابين في كل فبراير لإاول شهيد كان من الديه في فبراير واليوم أيضا شهيد من الديه وفي فبراير.
أم محمد81
بارك الله فيك يا أختي، بلا شك للمرأة دور كبير في العملية السياسية ومؤازرة الرجل وبالذات ماحصل لبلدي في العام 2011م
عزيز الدرازي
أخت سوسن .. أنت خير سفير للشابة البحرينية الصامدة المضحية التي عرفنا عنك التضحية والإيثار وحب ناسك ووطنك.. بارك الله فيكن يانساء البحرين الأصيلات فليس عندي شك أن نصرنا لن يكون إلا بكن ، بصمودكن وتضحيتكن وحضوركن معنا في الشارع..