ما كنت راغبا بالحديث مجدّدا عن مشروع التقاعد المثير للجدل، لو لم ينكأ النائب عزيز أبل، الجرح مرة أخرى.
لو التزم النوّاب الصمت بعدما مرّروا مشروع تقاعدهم بالطريقة التي يعرفها الجميع... لكان أفضل لهم. أما محاولات الدفاع والترقيع فإنما تزيد حنق الشارع عليهم، فهم لا يقدّمون غير تبريرات واهية، تضعف موقفهم أكثر وأكثر.
صحيح أن التقاعد ليس بدعة، فهو ينظم حقوق النائب كغيره من المواطنين العاملين بالمؤسسات الأخرى، لكن الخلاف في النسبة أولا، وفي تغيّر الموقف ثانيا، وفي تمريره بهذه الصورة التي تنم عن التواطؤ بين نواب «المعارضة» و»الموالاة»، بحيث لم يتخلف منهم واحدٌ لشبهةٍ شرعيةٍ ولا أخلاقيةٍ ولا فكريةٍ ولا سياسيةٍ حتى! وهو المشروع الوحيد الذي أجمع عليه هؤلاء النواب المتنابذون، من مختلف الكتل المتضاربة، إسلاميين و»مستقلين» و»مستقبليين» وليبرال!
الحجة التي يكرّرها أبل عن «تميز» وضع النائب عن الموظف نظرا لطبيعة وساعات وضغوط العمل، لو عُرضت على ثلاثة أرباع أصحاب المهن لماتوا من الضحك، خصوصا أصحاب المهن الشاقة الذين يكدحون في السوق، وينتزعون قوت عيالهم بشقّ الأنفس يوما بيوم... وهؤلاء هم أكثر من يمتلكون ردودا مفحمة على حجج «التميّز» المتهافتة.
حسب علمنا أن النواب جميعا لم يكن ضمن برامجهم الانتخابية الحصول على «تقاعد مجزٍ»، بما فيهم نواب الموالاة... ولو تضمّنه برنامجُ أيٍّ منهم لما حصل على عشرة أصوات! ودعوة أبل لحصول النائب على راتب أعلى من وكيل وزارة لم يكن يوما مطلبا شعبيا ولا متفقا عليه في دوائر الجمعيات السياسية قط، هذا إذا تكلّمنا بلغة المعارضة. أما إذا تكلّمنا بلغة المصلحة الوطنية العامة والحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد وما يقوم به المال من تخريبٍ للذمم، فالخرق يتسع على الراتق.
أبل يتحدّث عن راتبٍ ومواصفاتٍ ومزايا، وبالتالي فإن «الضجة التي يثيرها الإخوة ليس لها أي معنى»، وهي عبارةٌ محزنةٌ قرأنا مثلها على لسان النائب علي سلمان، تنم عن عدم اكتراثٍ بالرأي العام.
أبل يفترض أن الناس تقول «إن قيمة النائب هي قيمة وكيل وزارة مساعد»، لكن الصحيح أنهم يعتبرون قيمته أعلى وأكبر حتى من منصب الوزير، لأنه يمثل الشعب مباشرة، ويدافع عن مصالحه، ويحافظ على الثروة العامة من الفساد والتسيّب والتلاعب، لا أن يقبل المشاركة في لعبة الحيازة والاستحواذ.
ما أسهل أن تفتح القفّة وتوزع التهم المجانية على ناقديك الكثر، فهم إما متحاملون أو حاسدون، أو تنقصهم الدقة والموضوعية، ولكن ما أصعب أن تقدّم حجة مقنعة تقوّي موقفك. ونظرية «التحامل على النواب بشكل غير مبرر مطلقا» أو «تأجيج المشاعر ضدهم» لا تقنع أحدا، لأن ناقديك ليسوا شخصا أو جهة منافسة، بل هي نظرةٌ عامةٌ لدى الجمهور العريض في مختلف مناطق البحرين، بما فيهم نواب الموالاة.
وأخيرا... إذا كنتم تدركون أن النقد سيضر النائب اليوم وغدا، فلماذا لم تحسبوها قبل تمرير التقاعد المثير للجدل بهذه السرعة والهدوء والإجماع؟ وإذا كنتم تعرفون أنه سيضر بقدرة البرلمان على لعب دوره التشريعي والرقابي نحو الحكومة أو مصالح المواطنين، فلماذا قبلتم لأنفسكم بالمشاركة في قبول مشروعٍ يضر البرلمان... حتى تكسرت الخيزران على الخيزران؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ