يتابع المجتمع الدولي عن كثب مجريات الحوار البحريني الذي بدأ في 10 فبراير/ شباط 2013 بين مجموعات السلطة والمعارضة على اعتبار أن الحل السياسي أفضل من الحل الأمني الذي لم يحقق أية نتيجة عدا مزيد من الاحتقان في الشارع ومزيد من القهر السياسي في أوساط المجتمع البحريني.

ويرى مراقبون أن مشاركة المعارضة تعتبر بحد ذاتها بداية لمرحلة أخرى تختلف عن تلك التي شهدتها أجواء الحوار الأول في يوليو/ تموز 2011 على رغم استمرار مظاهرات جمعيات المعارضة الست ومواجهات الشوارع بين الشباب الغاضب وقوات الأمن.

ويكمن الفرق هنا في أن مرحلة العام 2011 كانت مرحلة تشنج وإرهاب بكل المستويات والأنواع وهو لا يعني أن الوضع كلياً قد تغير. ولكنه تغير في أن حوار 2013 يحمل سمة أجواء إيجابية – بحسب ما جاء على لسان أطراف المعارضة - لكنها في الوقت نفسه أكدت أنه لا يمكن الحكم بشكل تام إلا بعد عدة جلسات.

وهو ما يعني أنه لا يمكن إطلاق أية أحكام مبكرة على نجاح أو فشل الحوار البحريني ولكن التفاعل بين السلطة والمعارضة يعكس حالياً مشهداً بحرينياً جديداً. هذا المشهد يتطلب تضحيات وتنازلات من قبل جميع الأطراف وعلى رأسها السلطة لأنها طرف أساسي من المشكلة السياسية القائمة في البحرين.

كما أن الحوار لن يكون العصا السحرية للمشكلة السياسية في البحرين طالما مازالت العقلية العامة في الدولة لا تؤمن بالتعددية السياسية وباختلاف الرأي وبوجود شريحة رئيسية تمثل المجتمع وجميع تلك العوامل تعد ضرورة لإصلاح النظام السياسي في البحرين ومن دون ذلك لن يتغير الوضع بل سيزداد سوءاً وقد يعطي نتائج عكسية ومختلفة عمّا شهدناه قبل عامين أو حتى في سنوات المراحل السابقة من تاريخ البحرين مع الصراع السياسي بين السلطة والشارع.

ومن دون تلك العقلية لن يكون هناك تسامح وديمقراطية حقيقية في البحرين بل سيستمر احتقان الشارع الذي يؤمن بالتغيير الجذري وربما يولد تطرفاً إن استمرت الأوضاع كما هي عليه. ولهذا فإنه من الضروري الالتفات إلى الأطراف المتضررة من التهميش وخصوصاً الشباب الذي يقطن في أحياء ومناطق سكنية تعيش ليل نهار على استنشاق غازات المسيل للدموع أو على أصوات طلقات القنابل الصوتية أو الاقتحامات الأمنية المفاجئة وكنتيجة لذلك فقد تحولت كثير من تلك المناطق إلى لعبة الثعبان والسلالم من أجل دفع هذه الاحتجاجات من الشارع الرئيسي إلى الشوارع الخلفية والطرقات الضيقة في المناطق السكنية من أجل إخفاء واقع الاحتقان الشعبي.

بكل تأكيد فقد ترك ذلك أثراً سلبياً على جيل الشباب والأطفال الذي بدأ يرى أن العنف وكأنه مسألة طبيعية، فتحولت الكثير من منازل هذه الأحياء إلى معارك ليلية من دون توقف بينما المشكلة السياسية قائمة.

لقد أشار الكاتب الجزائري عمارة لخوص في مقال نشر في العام 2011 إلى أن الحالة السلمية في المجتمعات ضرورة على رغم الاختلاف والتعددية ضارباً بالمثال ما حدث في الجزائر بالعام 1991 عندما ألغيت نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر»، وحينها «توصل المتطرفون إلى استنتاج تراجيدي مفاده أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للحصول على السلطة... أذكر أنني رأيت في أحد الأحياء الشعبية شعاراً على جدار مكتوب بخط عريض يقول: رفضتم الصناديق فتكلمت البنادق!».

لقد تسبب هذا الطرح بحسب الكاتب في كارثة كبيرة إذ قتل خلال سبع سنوات ما لا يقل عن 150 ألف شخص، أغلبهم من المدنيين. وهو أمر لا نتمناه أن يحدث في البحرين فالاعتراف بالسياسيات الخاطئة من الآن ضرورة في المرحلة الراهنة والمصارحة والتنازل عاملان ضروريان ومن دونهما لا يمكن أن يتحقق التكافؤ والتوازن السياسي المنشود.