أقر بلدي الشمالية في جلسته صباح أمس، تسمية 4 شوارع رئيسة بالدائرة الخامسة بأسماء شخصيات بحرينية لها إسهاماتها على المستوى الوطني، وهم ليلى فخرو، الحاج حسن العالي، الوجيه عبدالعزيز كانو والسيد جعفر يوسف المحفوظ. كلمة تقدير لهذه المبادرة الطيبة التي تقدم بها بلدي الشمالية، حينما اختار أربع شخصيات وطنية وقرّر تكريمها لقاء إسهاماتها في تطوير هذا البلد الحبيب المتعب بهمومه المثخن بجراحه.
ليست بين يدي اليوم معلومات، عن السيد جعفر يوسف المحفوظ، لذلك فليعذرني أحباؤه وأهله عن عدم قدرتي على الإشارة لما قام به، رغم ثقتي بأن ورود اسمه بين هذه الكوكبة ممن أسهموا في نهضة البحرين، هو دليل قوي على مساهماته وعطائه.
أعود بعد ذلك للثلاثة الذين وردت أسماؤهم في قائمة التكريم، من مؤسسة شعبية منتخبة، أرادت أن تقول، وبشيء ملموس، لقد أتينا من بين صفوف الناس، وإليهم تعود أعمالنا. من ينظر إلى القائمة يقرأ فيها الكثير من صفات المواطن البحريني وهمومه التي حاول أن يتصدى لها كل منهم من منظاره الخاص، ومن الظروف التي أحاطت به وعايشها.
في المرحوم الحاج حسن العالي، نرى صورة الرجل العصامي الذي يبدأ من الصفر، وينجح، بإصرار مميز، في صعود السلم عتبة وراء الأخرى بكل ما تحمله كلمة إصرار من معنى، وما تعنيه الثقة في النفس من مدلولات انعكست جميعها فيما بعد في امبراطوية الحاج حسن العالي التي لم تستطع، الثروات التي بحوزتها، أن تحرف أنظاره، ولو للحظة واحده عن معاناته، التي يحولها من هم شخصي ذاتي، إلى مشروع جماعي اجتماعي، يرعى من خلاله بعثات جامعية، ويشرف على مبرات سكنية.
من الحاج حسن، ننتقل إلى عبدالعزيز كانو، الذي ما يزال بيننا، ولذا نجده يأخذ بيدنا دون أي تردد إلى مملكة كانو، التي تحدث عنها الكتاب الذي وضعه أحد أبنائها وهو خالد كانو. عائلة كانو نجحت في بناء مؤسسة تجارية عصرية، تبوأت مكانتها المميزة بين الشركات العائلية، واستطاعت أن تكون بين قوائم الشركات الكبرى التي تتحدث عنها مؤسسات عريقة مثل فوربز.
كلا الرجلين، كل في وسطه، نجحا، بشكل أو بآخر، وعبر قنوات مختلفة، أن يتركا بصماتهما على الكثير من أعمال الخير في البحرين، وعلى نهضتها التجارية والعمرانية.
ومن الحاج حسن، والسيد كانو، نصل إلى الاسم الثالث قي القائمة، وهي المرحومة ليلى، وهي سليلة أسرتين بحرينيتين عريقتين هما فخرو من جهة الأب، والمؤيد من جهة الأم. لكن ليلى دفعتها، طبيعتها المتمردة الممزوجة بالإاحياز للحق وأصحابه، إلى قناة أخرى من الأعمال الوطنية. اختارت ليلى لنفسها، ربما بعفوية أو عن قصد، أن تنتقل إلى جبهة المضطهدين بل والانخراط في صفوف القوى المدافعة عن حقوقهم.
رسمت ليلى لنفسها مثلثا تناضل من خلاله، كي تصل إلى أهدافها في تنمية المجتمع وتطويره. تقف في إحدى زوايا قاعدة ذلك المثلث المرأة، بوصف كونها، كما كانت تكرر ليلى، أحدى الفئات الاجتماعية الأكثر تعرضا للاضطهاد، ويحتل الزاوية الأخرى من حرمتهم ظروفهم نيل قسطهم من التعليم، وتنطلق من زاوية رأس ذلك المثلث شعلى الأمل التي يحملها، ويعبر عنها الشباب بكل ما يحملونه من ثقة وزخم.
يهمس هؤلاء الأربعة المكرمين في آذاننا برقة ولين ممزوجتين بإصرار وتصميم قائلين: نثمن عاليا هذا التكريم، ولكننا، جميعا ومن دون أي استثناء، كي تكتمل صورته، نأمل أن يترافق ما تم مع مجموعة من إجراءات أخرى من بين أهمها:
1. إكمال ما بدأنا نحن به، أو ما حاولنا إكماله من أعمال للآخرين من أبناء البحرين. فمشروعات التعليم التي بدأها الحاج حسن يمكن تطويرها، كي تتحول إلى مؤسسة تعليمية شامخة تحمل اسمه وتتضافر في تطويرها وتوسيع نطاق أنشطتها مؤسسات أخرى شقيقة، تنمو كي تكون، في نهاية المطاف موئلا لكل من يفترض أن تشمله خدماتها. أما خبرة بيت كانو في الأعمال التجارية يمكن أن تستثمر في بناء مؤسسة تجارية لا تتوخى الربح، تساهم في دعم مشروعات خيرية أو اجتماعية بحاجة لها البلاد وتفتقد إلى رأس المال النقدي أو العيني الذي يؤهلها للعمل بمقاييس ناجحة. خبرة عائلة كانو هنا ضرورية من أجل وضع ضمانات نجاح مؤسسات من هذا القبيل. ولا يختلف الأمر عندما يتعلق الأمر بالمرحومة ليلى، فمن خلال مؤسستها الخيرية «جمعية ليلة فخرو لتنمية المجتمع»، يمكن الانطلاق في مشروعات تنموية لها علاقة بالمرأة وتطويرها. ويمكن أن يكون مشروع محو أمية الحاسوب الذي تنفذه جمعية أوال بالتعاون مع جمعية البحرين للإنترنت نواة مشروع مستقبلي ضخم لمحو أمية المرأة في تقنية المعلومات، تتفرع عنه مشروعات تنموية ضخمة أخرى ذات علاقة بالمرأة وتقنية المعلومات ليس هنا مجال جردها جميعا. ولا يشكل السيد المحفوظ حالة مخالفة لهذه الحالات الثلاث، ولكن ينبغي التفتيش عن ذلك البعد التنموي الذي يلائم إسهاماته الخيرة والعمل تحت مظلتها.
2. ترسيخ معايير تقويم من يستحق التكريم، البعيدة عن كل أشكال النفاق والتزلف، والقائمة على مقاييس صارمة تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. ففي نهاية الأمر، تبقى البحرين، فوق الجميع وتستحق حب الجميع. وتتحول المعايير رويدا رويدا، كما لمسناها في تكريم هذه الشخصيات الأربع، من مستواها الفردي الضيق، إلى فضائها الوطني الرحب.
وإلى أن يتحقق ذلك، لا يمكننا، بالنيابة عن الشخصيات الأربع التي نالت «أحقية التكريم»، إلا أن نرفع أصواتنا شاكرة ومقدرة لهذه الخطوة من بلدي الشمالية، آملين أن ينتشر مثل هذه السلوك، كي تقتدي به مجالس محافظات أخرى، ويشمل شخصيات وطنية بحرينية أخرى، فليست الشخصيات الأربع سوى نزر يسير من قائمة طويلة من أبناء البحرين البررة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ