أتيحت لي الفرصة لمراقبة الانتخابات اللبنانية عن قرب ضمن الفريق العربي لمراقبة الانتخابات والذي بلغ أعضاؤه 30 عضوا، ينتمون إلى سبعة عشر بلدا عربيا. وقد نظمت عملية المراقبة الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات والتي شاركت بما يقارب 1700 مندوب عنها لمراقبة الانتخابات.
وقد تمت مراقبة منظمات المجتمع المدني اللبنانية للانتخابات النيابية بموجب المادة 20 من قانون انتخابات أعضاء مجلس النواب لعام 2008 وبموافقة وزير الداخلية زياد بارود المتحمس لمشاركة المنظمات اللبنانية والعربية لمراقبة الانتخابات، كونه أحد مؤسسي الجمعية اللبنانية في العام 1996. لهذا فلم تقتصر مراقبة الانتخابات اللبنانية على المنظمات اللبنانية، وإنما شمل أيضا الفريق العربي ومنظمات عربية دولية مثل معهد كارتر والاتحاد الأوروبي ومؤسسة كارنيجي والمعهد الوطني الديمقراطي وجامعة الدول العربية وغيرها، إلى جانب المئات من الصحافيين.
وقبل مراقبة الفريق العربي للانتخابات جرى تعريف أعضاء الفريق بالقوانين اللبنانية المنظمة للانتخابات، وآليات الترشيح والاقتراع والمراقبة، ودور أعضاء الفريق في المراقبة.
وقد شمل إعداد الفريق لفهم أفضل للنظام السياسي اللبناني والانتخابي بشكل خاص، والقوى المتنافسة وزيارات إلى مترشحين أساسيين عن مختلف الكتل السياسية وشمل هؤلاء:
1 - إبراهيم كنعان من التيار الوطني الحر بقيادة عون، عن قائمة الإصلاح والتغيير ضمن تحالف 8 آذار.
2 - بطرس حرب، الوزير والنائب السابق، عن قائمة ضمن تحالف 14 آذار.
3 - هاكدب بقرادونيان عن حزب الطاشناق الأرمني ضمن تحالف 14 آذار.
4 - محمد فنيش الوزير الحالي عن حزب الله، قائمة الوفاء للمقاومة ضمن تحالف 8 آذار.
5 - وليد جنبلاط الأمين العام للحزب التقدمي الاشتراكي ضمن تحالف 14 آذار.
6 - سعد الحريري، الأمين العام لتيار المستقبل وزعيم تحالف 14 آذار.
وفي الوقت الذي عمد فيه مرشحو كل طرف إلى تأكيد نزاهته والتزامه بالقانون، واتهام الطرف الآخر بانتهاك القانون وروح المنافسة الشريفة، إلا أن جميع الأطراف اتفقت على ما يلي:
1 - إن نظام الانتخابات الحالي القائم على المحاصصة الطائفية وعلى اقتراع الناخب في محل تسجيل نفوسه، أي مكان مولده أو حتى مولد أجداده وليس مولده، لا يتماشى مع ديمقراطية الانتخابات والحق المتساوي لكل مترشح وكل ناخب ويسهم في تكريس الطائفية ولا يعزز المواطنة، لكنه القانون الممكن ضمن ظروف لبنان وهو أحد نتاجات اتفاق الدوحة الذي أعاد العملية السياسية بدلا من الاقتتال.
2 - استخدام المال السياسي على رغم أن كل طرف يبرئ نفسه ويتهم الطرف الآخر.
3 - تمويل وجلب عشرات الآلاف من الناخبين من المهجرين من الأنصار.
4 - استخدام اللوائح المقفلة من قبل كل لائحة، وهو ما لا يترك خيارات أمام الناخب على رغم أنه نظريا يستطيع ذلك بكتابة لائحة من عنده.
5 - أخذ بالاعتبار أن أهم المحطات التلفزيونية تتبع أحزابا أو اتجاهات سياسية وإلى حد ما الصحف، فالانحياز الإعلامي واضح وفاضح.
6 - إن الحملات الانتخابية انحدرت بشكل مخيف إلى حد الاتهامات المتبادلة بالعمالة والرشوة واللاوطنية وغيرها، ومخاطبة الغرائز الطائفية والعائلية والمناطقية.
7 - تدخل القوى الخارجية تصريحا أو تلميحا، لدعم هذا الطرف أو ذاك.
إلى جانب هذه الآراء والتحليلات من قبل القيادات السياسية المتنافسة، كان لابد لنا من خلال ما عرضه الخبراء اللبنانيون التعرف على الخريطة الانتخابية لكل دائرة من الدوائر الانتخابية 28، وحصة كل طائفة في كل دائرة، والقوى واللوائح المتنافسة، وشعاراتها، ورموزها، ومعرفة تفصيلية لكل مجموعة مراقبين بالدائرة الانتخابية. كما جرى تدريب المراقبين على عمل تقرير ميداني حسب نموذج جاهز، وكذلك إرسال رسائل (SMS) المشفرة بمختلف الانتهاكات.
جرى توزيع المراقبين العرب على مجموعات صغيرة حيث كلفت كل مجموعة بالمراقبة المتنقلة لدائرة انتخابية (قضاء)، بمراقبة المراقبين اللبنانيين، من أعضاء الجمعية. كان نصيبي دائرة قضاء بعبدا، والذي يمتد في الضاحية الجنوبية، برج البراجنة، وفرن الشباك والشياح جنوبا حتى حمانا وفالوغا شمالا، ودائرة قضاء عالية الممتدة من دوحة عرمون جنوبا حتى بحمدون شمالا، ولا يعني ذلك أن فريقي غطى كلا من القضائين بالكامل، فهما يمتدان من بيروت عبر جبل لبنان الغربي حتى قضاء زحلة شرقا. وخلال تفقدنا المراكز الانتخابية في ضاحية بيروت، الشياح وفرن الشباك، ثم ضاحية بعبدا ذاتها مقر القصر الجمهوري وقيادة الجيش، ثم صعودا نحو الجبل، حيث توقفنا في عاليه وسوق الغرب، حتى انتهينا إلى إحدى قرى فالوغا. ويمثل قضاء عاليه وبعبدا نموذجا لتدرج طبيعة لبنان من الساحل حيث تمركز المدن الرئيسية، ثم التلال المحيطة على هذه المدن، ثم الجبل.
وتسكن القضائين تشكيلة لبنانية من حيث الانتماء لمختلف الأديان والمذاهب، مسيحيون ومسلمون شيعة وسنة ودروز، ويتفاوت المستوى الحضاري والمعيشي حيث السكان غالبتهم من الشيعة، وفرن الشباك غالبيتهم مسيحيون من الفقراء النازحين من خارج بيروت، بينما معظم سكان بعبدا مسيحيون من مستوى راق. أما الجبل فخليط من الدروز والمسيحيين وبعض المسلمين بمستويات متفاوتة. وبموجب الكوتا الطائفية فإن نصيب بعبدا من النواب (1درزي، 3 ماروني، 2 شيعي) وعالية (4 دروز، ا روم أرثودكس، 2 ماروني).
بموجب نظام الاقتراع اللبناني فإن الناخب في القضاء (بعبدا أو عالية مثلا) يقترع في مكان قيد نفوسه، أي على عنوان مولده وسكن عائلته الممتدة. ولذلك شهد لبنان في يوم الانتخابات أكبر عملية تنقل في تاريخه بما يقارب ثلث سكانه، حيث انتقلوا من مكان سكنهم الطبيعي إلى مكان ولادتهم ليدلوا بأصواتهم. وكانت الشياح المكتظة بالسكان شبه خالية لأن سكانها ولدوا أو أتوا من المناطق الشيعية التقليدية في الجنوب والبقاع.
أما عملية الاقتراع ذاتها فهي عملية معقدة. فالمقترع يحمل معه قيد النفس أو الهوية أو جواز السفر ويذهب إلى قلم (غرفة) الاقتراع الخاصة بطائفته، وفي حالة وجود عدد كبير من ناخبي مذهب معين، فإنه يتبع نظام الأبجدية، كما أن هناك قلم اقتراع للنساء وآخر للذكور لذات الطائفية في معظم الأحيان، وقليل منها مختلط. فمثلا تفقدنا مركز الاقتراع في المدرسة الرسمية للبنان في برج البراجنة حيث إن عدد الناخبين كبير جدا ويتوجب عليهم أن يتوزعوا على ستة أقلام اقتراع هي حصيلة ثلاثة للرجال تبعا لمذهب المرشح (درزي، ماروني، شيعي) وأمثالهم للنساء، وتضاعفت الأقلام إلى 12 قلما بسبب كثرة الناخبين، وكل ذلك في مدرسة واحدة ويترتب عليه زحام شديد وفوضى.
وعلى الضد من ذلك فعندما تفقدنا مركز الاقتراع لضاحية بعبدا في النادي الرياضي، وبسبب المستوى التعليمي والاقتصادي المرتفع للسكان وقلة عددهم فقد كان الاقتراع مريحا.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ