العدد 3811 - الإثنين 11 فبراير 2013م الموافق 30 ربيع الاول 1434هـ

قيد امرأة... قيد شعب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أجمل الفعاليات التي تخصّب الساحة الثقافية البحرينية، المهرجان المسرحي السنوي الذي ينظمه مسرح أوال كل عام.

في موسمه السابع الذي اختتم مساء الأحد الماضي في الصالة الثقافية، تمكّنت من حضور عرضين مسرحيين (وفاتني آسفاً عرضان)، الأول لمسرح الريف، والثاني لمسرح البيادر، وكلاهما عمل مسرحي نوعي جميل يريد أن يقول شيئاً في زمن الصمت وسيادة اللامنطق والتلاعب بالكلمات وسقوط القانون.

في مسرحية «قيد امرأة»، نشاهد مأساة فتاةٍ يتشبث بها أبوها ويمنعها من الزواج، لتبقى ذكرى من أمها الراحلة قبل عشر سنوات، تؤنسه في وحشته. هذه الصبية بعدما بلغت الثلاثين بدأت في التفكير بالخروج من القفص، لتعيش كأية فتاة أخرى ذات مشاعر وأحاسيس، وطموحات بأن تلتقي بفارس أحلامها. وكان الأب يرتاب بها فيشدّد الخناق عليها، ويتهمها بالسعي وراء الرجل، أي رجل.

الأب الذي يعيش على أوهام الماضي، تؤرقه فكرة انفصال ابنته عنه، وعندما تتمسك بإرادتها في الخروج من الطوق، وتواجهه بقوة، تنهار مقاومته، ويشعر بضعفه، فيتوسلها البقاء معه، على ان يقدم لها أغلى ما تركته زوجته من متاع وساعة فخمة ومصوغات ذهبية، بالإضافة إلى نصف ما يملك. ترفض الابنة العرض، فيبذل لها كل ما لديه من مال، ولكنها ترفض مرة أخرى، فالحرية والخلاص من الأغلال... أغلى من المال. الحرية ليست موضوعاً للمقايضة.

المسرحية تبدأ بطلب الفتاة من أبيها أن يلاعبها بالطائرة الورقية، وبعد تمنع - لأن الكبار لا يلعبون - يستجيب لها فيقوم بحركات الطيران بعد ان يمسك بالطائرة الورقية. وتختتم المسرحية بمنظر صعود الفتاة بالطائرة ذاتها إلى الأعلى، بعد أن أغلق الأب على نفسه غرفته ليقبع في سجنه الذي لم يغادره... سجن السلطة والأنانية والنفوذ، بعد أن تخطاه الزمن، ليبدأ زمن الفتاة.

العرض اعتمد على ممثل أربعيني وممثلة شابة، تقمصا الدور جيداً، وأدّياه بلغةٍ عربيةٍ فصحى وإن شابتها بعض الهفوات القليلة التي لا تُنقص من روعة الأداء.

هذا ما تطرحه المسرحية بشكل مباشر ظاهر على السطح، لكن للعمل الفني الغني أبعاداً أخرى يبوح بها (كما سنرى في عرض مسرح البيادر أيضاً)، تتعدى السطح وتغوص إلى الأعماق.

الأب يمثل التشبث بتلابيب الماضي، والتمسك بالسلطة والنفوذ. كان يتحطم من الداخل وهو يرى الفتاة التي ربّاها وهي تشبّ عن الطوق. كان صعباً عليه أن تنفصل عنه ابنته لترتبط بآخر يمثّل لها فرصةً للخلاص من القيد والتحرّر والانعتاق من جدران المنزل القديم، وأجوائه الكئيبة وحياته الرتيبة. لقد صبرت عشر سنوات، وما عادت قادرةً على الصبر سنة أو حتى شهوراً أخرى.

انها ليست قصة فتاة أسيرة التقاليد، وإنما قصة هذا الجيل العربي الجديد، الذي يريد أن يخرج من أوضاع التبعية والخضوع. جيلٌ يبحث عن الحرية المسلوبة على أيدي أنظمة العبودية والاستبداد. لذلك كانت شعاراته موحدة في عواصم الربيع العربي واريافه: الخبز والحرية والكرامة. خبزٌ طالما مرّغته الأنظمة بالذل؛ وحريةٌ قيّدتها بالسجون وبتجارب ديمقراطية كاذبة كانت تضحك بها على شعوبها؛ كرامة طالما سحقتها الأنظمة الملحقة بالغرب والشرق.

ليست مجرد صرخة فتاة... إنما صرخة جيل الربيع العربي الذي عزم على تحطيم أغلاله، ولم يجد ما يخسره غير القيود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3811 - الإثنين 11 فبراير 2013م الموافق 30 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 2:55 ص

      نعم

      نعم انها صرخة جيل شباب الربيع العربي الذي عزم على تحطيم أغلاله، ولم يجد ما يخسره غير القيود.ان الفجر لآتٍ بكل تأكيد.

    • زائر 8 | 12:34 ص

      هذا الاب

      هذا الاب كا شاه ايران الاب رضا شاه الذي ابعد عن منصبه بالقوة ،ونفية فى منطقة جبلية منعزله عن الناس ،كان وفى كل يوم يخرج من البيت ويردد كلمات التعظيم التى كان يسمعها ايام حكمه،كان كثيرا مايردد (شاها شاه) مرض العظمة لازمه الى مماته

    • زائر 6 | 12:18 ص

      لن يخسر غير الاغلال

      فعلا ليس هناك ما يخسره جيل الجديد. وهي معركة سيحقق فيها الانتصار باذن الله فليس هناك ما يخسره غير الاغلال.

    • زائر 5 | 12:17 ص

      جيل الربيع العربي

      نعم هو جيل الشباب العربي الجديد. انه جيل الغضب. عشر سنوات لم تصبر اكثر فكيف بالشعوب التي صبرت عشرات السنين؟

    • زائر 4 | 12:04 ص

      الدجاج الدجاج الدجاج

      مشكله كبير محد يتكلم عنها ضرب الحطب على الدجاج اهواش سحب ضرب اهانات والسبب الدجاج الدجاج قليل جداا اليوم اهواش في كرزكان والسبب دجاج

    • زائر 7 زائر 4 | 12:30 ص

      غريبة

      وش دخل هالكلام في مقال؟ كلش تعليق ما له ارتباط بالموضوع

    • زائر 9 زائر 4 | 12:59 ص

      الدجاج

      ليش يااخى ضرب الحطب على الدجاج واحد ما اكل دجاج يكون نهاية العالم مثلا اكل خضروات كون نباتيا و الخضورات مفيدة لصحة و احسن من الدجاج و اللحم

    • زائر 2 | 11:44 م

      إنه الأمل

      إذا الشعب يوما أراد الحياة**فلا بد أن يستجيب القدر
      ولا بد لليل أن ينجلي**ولا بد للقيد أن ينكسر

    • زائر 1 | 10:23 م

      تلك رسالة

      تلك رسالة وما أكثر ما أرسل من رسائل لكن السؤال
      هل يفهم مضمون الرسالة مستلمها
      المسرح أرسل ويرسل الصحافة والصحفيون يرسلون الكتاب يرسلون كل مواطن
      كبر أو صغر سننا امراءة أورجل يرسل تتعدد الرسائل من حيث الحجم واللغة
      والوسيلة لكن مع الاسف المستلم لا يقرأ واذا قرأ لا يفهم واذا فهم لا
      يبالي ويستمر المرسلون في الارسال

اقرأ ايضاً