العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ

خطاب نتنياهو... إعلان حرب سياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خطاب بنيامين نتنياهو بمناسبة ذكرى النكبة (إعلان تأسيس الدولة) يعتبر فعليا إعلان حرب سياسية على كل القرارات الدولية والمبادرة العربية ودعوات السلام وردا واضحا ضد تحركات إدارة الرئيس باراك أوباما وتلك الضغوط الناعمة التي مارستها دول الاتحاد الأوروبي. فالخطاب اعتمد لغة ارتدادية دفعت سياسة «إسرائيل» إلى العناصر البدائية الأولية التي تشكل منها مشروع الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر.

العودة إلى المربع واحد تعني في منطق نتنياهو أن الأرض ملك اليهود فقط وهي أعطيت لهم بتفويض إلهي (أرض الميعاد) وأن الغريب فيها هو الفلسطيني الذي احتلها منذ عشرات القرون وعليه مغادرتها لأن صاحبها الأصلي هو «الشعب المختار» الذي يعيش في شتات الأرض.

العناصر البدائية التي انطلق منها نتنياهو في خطابه تشكل في إطارها المتخلف خطة عمل تؤشر إلى استعداد لمواجهة كل التوجهات السلمية سواء جاءت من الغرب أو جاءت من العرب. والعودة إلى المربع واحد تؤسس هيكلية سياسية متخلفة تقوم على مبدأ رفض المساومة على «حق إلهي» لا يتآكل بفعل الزمن ولا يخضع للتفاوض لأنه يتعارض مع مشيئة فوقية لا يمكن تطويعها مع حاجات بشرية.

بناء على هذا «التفويض الإلهي» قام نتنياهو في خطابه بإعادة تأسيس رؤية صهيونية صافية من الشوائب الإنسانية ومقتضيات المصلحة. فالخطاب رأى في كل القرارات والمبادرات والدعوات مجموعة اعتداءات على حقوق «الشعب المختار». فالأرض برأيه لليهود فقط و»إسرائيل» دولة اليهود وكل من يعيش فوقها هو من الغرباء ولا يحق له الادعاء في ملكية الأرض أو المشاركة السياسية. وفي حال قررت حكومة تل أبيب إعطاء شيء ما للشعب الفلسطيني فهو يأتي من باب «كرم الأخلاق» ولا علاقة له بالحقوق في اعتبار أن الشرعية القانونية تتعارض مع التفويض الإلهي.

على قاعدة اللامنطق أعلن نتنياهو حربه السياسية على مجموعة نقاط مطروحة. وتوصل بناء على قناعاته الايديولوجية البدائية إلى تسجيل مواقف عشوائية تطيح بكل ما تم تصنيعه من برامج وخطط ومشروعات خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

العودة مثلا مرفوضة لأنها تعني مشاركة شعب بملكية أرض ليست له والحل أن يبقى الشعب الفلسطيني حيث هو موجود وعلى الدول العربية أن تتكفل بتوطينه أو إسكانه أو توزيعه أو تعويضه.

الدولة مرفوضة وإذا كان لابد منها فهي ستكون منزوعة السلاح وموقوفة للاحتلال ومرهونة للاستيطان وتوسيع المستوطنات وبالتالي فإن دولة فلسطين يجب أن تكون «لا دولة» منقوصة السيادة ولا تتمتع بكل ما تتطلبه «مقومات الحياة».

القدس عاصمة «إسرائيل» الواحدة والموحدة وهي مدينة مغلقة وغير قابلة للانفتاح أو التفاوض ولا يجوز المساومة على ملكيتها في اعتبار أنها مدينة الهيكل وهي عرضة للتطويع حتى تتكيف مع الشروط الدينية للوعد الإلهي.

التوطين في الأرض العربية والفلسطينية لا نقاش بشأن تطويره حتى تكون المستوطنات قادرة على احتواء النمو السكاني والتزايد في إعداد المهاجرين اليهود إلى مستعمرات الضفة الغربية والقدس المحتلة.

السلام مؤجل حتى يتم التأكد من مدى قابلية الدول العربية على التطبيع الاقتصادي (استثمارات، توظيفات، تسويق، تصريف، مبادلات) وبعدها تبدأ عملية السلام تأسيسا على الخبرات والاختبارات التي تكون تجمعت خلال فترة التطبيع.

كل هذا التخلف السياسي ورد في خطاب واحد ألقاه نتنياهو في مناسبة ذكرى النكبة. فالخطاب رفض تفكيك المستوطنات أو تجميد توسيعها ونموها، رفض النقاش بشأن تهويد القدس وطرد العائلات العربية ومصادرة بيوتها وممتلكاتها، رفض دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، رفض حق العودة للشعب الفلسطيني لأن الأمر يعني مخالفة دستورية للحق الإلهي وإعطاء أرض لبشر لا حق لهم بها، والسلام مرفوض قبل التطبيع لأن تل أبيب لا تثق بالنوايا والنصوص والنيات وإنما بالأفعال الميدانية.


بدائيات ماضوية

كل هذه البدائيات «الماضوية» التي وردت في خطاب نتنياهو المتخلف سياسيا تتوجت بشرط خطير يتصل بالمستقبل وهو الإصرار على أن «إسرائيل دولة اليهود». وهذا المبدأ يشكل حلقة مفصلية في خطة تل أبيب لتعطيل كل احتمالات التفاوض والمساومة. فالشرط ليس بريئا وهو يحمل في تضاريسه السياسية مخاطر وجودية على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في العام 1948. والكلام عن اليهودية الصافية ليس مجردا من قناعات ايديولوجية متطرفة تعتبر الوجود الفلسطيني نقطة ضعف في الدولة ولابد من إنهاء مخاطرها حتى يتم المحافظة على الهوية ومنع تغييرها ديموغرافيا في المستقبل.

فكرة يهودية «إسرائيل» التي أطلقت بوضوح خلال زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى تل أبيب في العام 2008 بمناسبة تأسيس الدولة أخذت تستبطن سياسة تشير إلى الاقتلاع والتهجير والتشريد والطرد إلى «دولة فلسطين» في الأردن وما يتبقى من أراض في الضفة الغربية. والفكرة ليست مجرد دعوة للاعتراف بهوية الدولة بقدر ما هي تؤسس سياسيا لخطوة تقوض الوجود الفلسطيني في حال انهارت محاولات التفاوض والتسوية.

خطاب نتنياهو إعلان حرب سياسية لأنه لا يكتفي برفض كل ما هو معروض على حكومته من مشاريع وحلول وخطط عمل وإنما يهدد بتوسيع المستوطنات وطرد الشعب الفلسطيني من «دولة اليهود» إلى المنافى العربية.

الخطورة ليست فقط في العناصر البدائية التي تأسست عليها لغة الخطاب وإنما في ردود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منطق الخطاب. فالردود كانت كارثية في ضعفها واعوجاجها وتراجعها الأمر الذي يشير إلى مخاوف أميركية - أوروبية غير مفهومة في سياسة التعامل مع «إسرائيل». الرئيس الأميركي باراك أوباما وصف بدائيات الخطاب وعناصره المتخلفة في توحشها السياسي بأنه يشكل «خطوة مهمة إلى الأمام». ودول الاتحاد الأوروبي تعاملت معه بحذر ووصفته بأنه «ليس كافيا» ولكن يمكن التعامل معه.

فضاءات تراجع أوباما وتردد الاتحاد الأوروبي تشير إلى نوع من المخاوف بدأت تظهر في زوايا الإدارة الأميركية معطوفة على عدم قدرة أوروبا على مواجهة العنف الإسرائيلي وتطرف «دولة» تعتبر نفسها فوق شعوب «الشرق الأوسط» ويجب التعامل معها على هذا الأساس.

أخطر من خطاب نتنياهو هو انكشاف مبادرة السلام العربية دوليا بعد صدور تلك الردود الأميركية - الأوروبية التي تكشف عن عجز بنيوي - ذهني في أسلوب التعاطي مع العنجهية الإسرائيلية والتشاوف الصهيوني. وهذا الضعف يرجح أن يؤسس آليات تشجع ليس على رفض ما هو مطروح ومعروض وإنما المكابرة في تطوير أسلحة الحرب السياسية ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية.

خطاب نتنياهو بدائي ومشروع إعلان حرب سياسية على مبادرة السلام العربية وكل ما ترافق معها من إشارات إيجابية صدرت تباعا وبحياء عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالخطاب هجوم سياسي مضاد تلقى مباشرة أجوبة عربية ومصرية وفلسطينية واضحة وقاطعة وحاسمة تشير إلى خطورته وخطره على تقويض طموحات السلام في المنطقة. فهل يكتفي نتنياهو بهذا القدر من الهجوم السياسي أم يتشجع بسبب الضعف الأميركي - الأوروبي ويقرر لاحقا تطوير هجومه إلى عدوان على الفلسطينيين في أراضي 1948 بذريعة المحافظة على هوية يهودية دولة «إسرائيل»؟ كلام نتنياهو بدائي في مشروعه السياسي. والبدائي لا يتورع عن ارتكاب حماقات كبرى هي أقرب إلى الغريزة منها إلى العقل والمنطق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً