أدّى تهافت على تحويل حيازات الجنيه المصري إلى نقص في إمدادات العملة الصعبة ودفع بعض المتعاملين إلى الشارع بحثاً عمّن يريدون بيع الدولار الأميركي؛ ما أدّى لظهور سوق سوداء جديدة. وبدأ الجنيه المصري في التراجع بفعل انتفاضة سياسية أطاحت بحسني مبارك من السلطة في العام 2011 وفقدت العملة المصرية الآن ثمانية في المئة من قيمتها منذ 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وسعر الجنيه أقل في السوق السوداء وهي علامة على أنه على رغم أن البنك المركزي تمكن من وقف تراجع العملة في السوق الرسمية الأسبوع الماضي فإن المصريين يخشون الاحتفاظ بحيازاتهم بالجنيه. ويتجول بعض المتعاملين بحذر خارج مكاتب الصرافة المعتمدة والبنوك في القاهرة ويعرضون سعراً أفضل لمن يريدون بيع العملة الصعبة وهي طريقة غير قانونية. وقال أحد المتعاملين: «لا توجد دولارات. كل من يأتي يطلب دولارات لكن الإمدادات شحيحة». وأخذ البنك المركزي خطوات الأسبوع الماضي لإدارة سعر الصرف من بينها تقليص نطاق تداول الجنيه. وبلغ سعر الجنيه في أحدث عروض الشراء 6.71 جنيهات للدولار في سوق ما بين البنوك يوم الأحد 010 فبراير/شباط 2013). ويشكل ذلك انخفاضاً بنسبة 13.4 في المئة عن مستوى الجنيه عشية الانتفاضة التي أدت لسقوط مبارك ودفعت بمصر إلى عامين من الاضطرابات التي أبعدت السياح والمستثمرين. وفي أحد شوارع القاهرة عرض تاجر بيع الدولار مقابل 6.95 جنيهات يوم الخميس (7 فبراير الجاري) أي أعلى من السعر الرسمي بنسبة 3.5 في المئة. وطلب آخر 6.89 جنيهات للدولار. وانعكس تراجع الجنيه في انخفاض الاحتياطيات الأجنبية المصرية التي هبطت إلى 13.6 مليار دولار في نهاية يناير/كانون الثاني لتنزل عن مستوى 15 مليار دولار اللازم لتغطية واردات ثلاثة أشهر. وعشية الانتفاضة على مبارك كان مستوى الاحتياطيات 36 مليار دولار. ويقول بعض المستوردين إنهم يضطرون لتدبير احتياجاتهم من العملة الأجنبية مما يسمونها السوق الموازية أو المفتوحة؛ ما يؤدي إلى تعقيد مناخ الأعمال المتضرر بالفعل بسبب الاضطرابات السياسية. وقال مسئول تنفيذي كبير بشركة استيراد مصرية إن الشركات تستطيع الآن تدبير احتياجاتها من الدولار من السوق السوداء لكنه توقع أن تقل الإمدادات أكثر في الأسابيع المقبلة.
وأضاف «الشركات لا تجد مشكلة في تدبير احتياجاتها من الدولار من السوق المفتوحة. لكن هناك هامشاً يتراوح بين 16 و20 قرشاً بين سعر البنك والسوق المفتوحة». وتوقع المسئول الذي طلب عدم نشر هويته لأنه يناقش سوقاً غير مسموح بها قانوناً أن تشح الإمدادات بسبب عوامل مثل الاضطرابات السياسية. وقال: «ماذا سيحدث؟ من المرجح أننا سنلاحظ اختفاء بعض المنتجات من أرفف السوبر ماركت. التحديات التي نواجهها الآن لا تقارن بما قد نكون في طريقنا إليه».
وقال محافظ البنك المركزي هشام رامز، إنه ليس قلقاً من ظهور سوق سوداء للعملة. ونقل ملحق «بنوك اليوم» الأسبوعي التي تصدره صحيفة «العالم اليوم» المالية عن رامز قوله إنه واثق من أن السلطات لديها الأدوات للقضاء على هذه السوق تماماً. ولا يوجد ما يشير إلى أن الشرطة استهدفت أي تاجر عملة. ولم يرد مسئولون من البنك المركزي على مكالمات ورسائل الكترونية من رويترز تطلب التعليق على الموضوع. وقال مصرفي له زبائن من الشركات الكبيرة إن المصرفيين الذين يسعون إلى الوفاء باحتياجات زبائنهم من العملة الصعبة عبر القنوات الرسمية يضطرون للانتظار أسابيع أو شهوراً. وقال المصرفي الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مصرح له بالحديث لوسائل الإعلام: «اعتدت أن أطلبها وأحصل عليها في اليوم التالي أو الذي يليه على أقصى تقدير». ودفع تراجع الاحتياطيات الأجنبية البنك المركزي لاستحداث عطاءات منتظمة للدولار الأميركي في أواخر ديسمبر لتفادي أزمة عملة. ويحدد المتوسط المرجح المعروض في تلك العطاءات سعر الصرف الرسمي في البنوك ومكاتب الصرف الأجنبي. وسمح المركزي للبنوك بشراء أو بيع الدولار أو ما يعادله للبنوك الأخرى في نطاق نصف في المئة أعلى أو أقل من المتوسط المرجح. وقلص البنك المركزي هذا النطاق يوم الاثنين الماضي (4 فبراير الجاري) إلى قرش واحد أعلى أو أقل من المتوسط المرجح. ويقول متعاملون إن العملة تعافت بعض الشيء منذ سجلت أدنى مستوياتها في السوق السوداء عند نحو 7.5 جنيهات للدولار في أواخر يناير حينما تفجرت أعمال عنف في الشوارع أثناء الذكرى الثانية للثورة على مبارك. لكن البعض يتوقع أن يتعرض الجنيه إلى مزيد من الضغوط إذ أن الاضطرابات السياسية تؤجل فرص مصر في التوصل لاتفاق مهم مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض قيمته 4.8 مليارات دولار. وقال بنك أوف أميركا ميريل لينش في تقرير الأسبوع الماضي: «قد تواصل آلية إدارة الصرف الأجنبي الحالي النجاح لبعض الوقت إلا أن (الجنيه المصري) سيظل عرضة للتأثر في غضون ذلك». وأضاف «من المرجح أن يتزايد الطلب المحلي على الدولار الأميركي وأن تتسع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي». وقال سايمون كيتشن من المجموعة المالية هيرميس: «من الصعب توقع حدوث توازن طويل الأمد في سوق الصرف لحين تحسن الوضع السياسي وحتى نرى على الأقل اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي».
العدد 3811 - الإثنين 11 فبراير 2013م الموافق 30 ربيع الاول 1434هـ