رَصَدتُ قبل يومين، تاريخاً من أزمة العلاقات الإيرانية المصرية. تحقيبنا كان يبدأ من نهاية السبعينيات، وحتى قبيل سقوط نظام مبارك. علاقة كانت أسيرة (بشكل غريب) لأزمة «قبور وشوارع». وهي في الحقيقة، ليست سوى شمَّاعات يتعلق بها الرافضون لتسوية تلك العلاقة. اليوم، نتحدث عن الشكل الجديد لتلك العلاقة بعد مجيء «حكم الإخوان» والظروف التي تصاحبها، سواء إن كانت تذليلات أو عقبات تواجهها.
بين الخامس والثامن من فبراير/ شباط الجاري، زارَ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مصر، للمشاركة في أعمال الدورة الثانية عشرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. أهمية الزيارة ليست فقط كونها أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني لمصر منذ أربعة وثلاثين عاماً، بل لأنها تأتي في لحظة تاريخية حساسة جداً، تمرُّ بها مصر (في ظل حكم الإخوان) والمنطقة عموماً.
والحقيقة، أن الإيرانيين أرادوا لهذه الزيارة أن تكون متعددة الأهداف. وكل من راقَبَ مسمَّيات أعضاء الوفد الإيراني سيعِي أن الإيرانيين لم يأتوا إلى القاهرة لحضور قمة هي أقرب إلى الفولكلورية والبالونات الإعلامية. فإلى جانب الرئيس أحمدي نجاد ووزير الخارجية أكبر صالحي، كان هناك وزير الاستخبارات، وزير الاقتصاد والمالية، وزير النفط ووزير العمل، وثلاثة من مساعدي رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى مستشاره الأعلى. لذا، فإننا رأينا الوفد الإيراني كيف استثمر تواجده في القاهرة لإعادة العلاقات مع السنغال، وعقد تسويات مع موريتانيا والبوسنة وغيرها من الدول.
الإيرانيون يُدركون أن حكومة «الإخوان» وَرثت من الحكم السابق، مشكلة «المعادلة والمواءمة» التي أشرنا إليها في المقال السابق، والمتعلقة أساساً بعلاقات مصر السياسية والاقتصادية. وهي العلاقات التي ترفد الاقتصاد المصري، بالكثير من العوائد، فضلاً عن التموضع في ميزان استراتيجي قائم على التحالف في المنطقة بمختلف صورها.
وإذا ما أردنا أن نحصر شكل «اللحظة التاريخية الحساسة»، التي تمر بها مصر ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، فإننا نستطيع أن نقف على الأمور التالية:
الأول: التحول الذي حصل في الموقف العربي والدولي فيما خص القضية السورية. والثاني: تباين مصالح عدد من دول المنطقة، فيما خصَّ ملفات إقليمية شائكة، بعدما كانت محلَّ إجماع أو على الأقل توافق لسنين طويلة.
والثالث: دفع إيراني واضح لنظام الإخوان المسلمين ومشروعهم السياسي في مصر، والسعي نحو تمكينهم في السلطة والحكم.
الآن، نأتي إلى تفكيك هذه المعطيات الثلاث، لنسقطها على شكل ومستقبل العلاقات الإيرانية المصرية. في الأمر الأول، فإن الجميع يلاحظ أنه وبعدما كان الحديث عن إسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد، أصبح الحديث اليوم عن الحوار مع ذلك النظام. وهو ما يعني أن التعاطي الإقليمي والدولي مع الملف السوري بات يعتمد على معطيات جديدة.
والحقيقة، أن إشباع هذه النقطة مهم كي نفهم مجمل التطورات فيه، وانعكاس ذلك على العلاقات المصرية الإيرانية. لذا فإننا نقول، إن التغيُّر الذي أشرنا إليه قد تبلور بسبب عدم تحقق النظرية العكسية في الملف السوري.
بمعنى عدم اتساق الزمن الممنوح لانهيار النظام السوري مع مجمل زمن الأزمة السورية الأمر الذي أدى إلى اختلال ميزان الكسب مع المصاريف التشغيلية «السياسية والأمنية والاقتصادية» للأزمة.
ونحن هنا لا نعني بالمصاريف التشغيلية، المبالغ المدفوعة على جانب المعارضة للنظام السوري، وإنما هي أكلاف بقاء الأزمة كأزمة، الأمر الذي حوَّلها إلى برميل مثقوب القاع، تسرَّبت منه أعداد غير معلومة من الأزمات الفرعية والمؤجلة، القابلة «جداً» للتمدُّد والتضخم باتجاه الخارج، كونها تحمل أبعاداً سياسية وأمنية في جوفها، فترمي بتلك المتاعب على دول قريبة كالعراق والأردن، أو بعيدة موجودة في منطقة الخليج العربي.
الأمر الآخر، هو الخوف من تغوُّل الجماعات الإسلامية المتطرفة، داخل جسد المعارضة السورية المسلحة، الأمر الذي جعل الغرب يُعيد النظر في دوره داخل الملف السوري. وهي قناعة لم تخلقها الأحداث داخل سورية فقط، بل إنها قد تعاظمت بعد الهجوم المسلح على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، ومقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وأربعة دبلوماسيين أميركيين كانوا معه.
أمر ثالث يتعلق بتخوّف دول عربية بعينها من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في سورية، وتشكل حزام إخواني يبدأ من تركيا نزولاً صوب سورية ووصولاً إلى مصر وليبيا وتونس. وهو حلف غير مأمون بالنسبة للعديد من الدول العربية في منطقة الهلال الخصيب والخليج العربي، وخصوصاً أنه سيكون دعامة صلبة للجماعات الإسلامية في هذه الدول، ومحوراً ذا طموحات سياسية قائمة على منبت ايديولوجي.
هذه المتغيِّرات في الموقف من الملف السوري جعلت من طهران رابحاً. وربما كانت هي أحد أهم أسباب ذلك التبدُّل؛ كونها دعَّمت النظام السوري، وجعلته قادراً على الوقوف لفترة أطول. هذه الاستطالة في الأزمة السورية، وطول امتدادها أدى إلى قَتْلِ اتجاهها، ومكانها وزمانها كما عبَّر عن ذلك الشيخ عبد الكريم بكَّار، الأمر الذي شظَّى من حركتها التغييرية وجعلها معقدة ومتداخلة، وقائمة على مجموعة غير متناسقة من السياسيين والعسكريين، فضلاً عن ترهُّل اعتدالها لصالح قوى التطرف فيها.
هذا الأمر، أنزل ما كان عالياً من مواقف، وجعل ما في قوسها في مراتب باهتة. وكل مَنْ راقَبَ مواقف الرئيس المصري محمد مرسي سيدرك ذلك جيداً.
فما بين خطابه الناري في طهران ضد النظام السوري، بات خطابه الأخير في قمة عدم الانحياز قريباً من لغة «الأمر الواقع». وهو مستوى يصب في صالح الموقف السياسي الإيراني، والذي روَّجَت له طهران طيلة الفترة الماضية.
إذًا، أصبحت المشتركات ما بين الإيرانيين والمصريين في هذا الملف غير بعيدة كالسابق، وهو ما دفع القاهرة لأن تحيي مبادرتها الرباعية، فتعقد اجتماعاً ثلاثياً على هامش القمة لمناقشة الأزمة السورية، ضمَّ إيران ومصر وتركيا، وجعل إيران لأن تبادر لاقتناص هذه اللحظة والبناء عليها بأسرع ما يمكن، لتحقيق معادلة جديدة على الأرض. (للحديث صلة).
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3810 - الأحد 10 فبراير 2013م الموافق 29 ربيع الاول 1434هـ
ما تلتمسه ايران الان وهم يرفضون ... سيترجونه مستقبلاً
الامور توزن بخواتيمها الان عصائب الازهر معترضة بعد ان ادخل عليها زيف البترودولار ، لكن مستقبلاً سيترجون أيران في الدخول معهم ولو شريك بعد ان تطبع بهم السفن الهائمة على بحر فتن البترودولار . قريبا ستركد مياه العاصفة ان قدر لها حينها سينكشف الصفاء من الطمي بعد انحسار دور البترودولار . الان نرى قمة جبل الجليد فقط .. وهم يعلمون ان مهندس البترودولار في البيت الابيض ، والان توافقت أهواءهم مع مصالح امريكا والنتن.
أفضل رد على مرشد القاهرة هو خطبة الشيخ عبد الله دشتي
إن اورع رد واروع كلام سمعته على ترهات مرشد القاهرة هو رد الشيخ عبد الله
دشتي فقد وضع النقاط على الحروف واوضح الموضوع تماما
يعني الحين صلوح؟
إيران ومصر أوكي الحين لو السعودية بتخربطهم
العلاقة الجديدة
المصالح يمكن تشكيلها وصياغتها من جديد عندما يرغب الطرفان في علاقة نوعية واستراتيجية
احسنت
احسنت اخي الكريم على هذا المقال المفيد