كلما أقيم مهرجان ما في الساحة الثقافية المحلية، تأملنا في عودته عودة الفن الذي أقيم من أجله، وكلما سمعنا تصريحات المسئولين ورأينا «تهربهم» من بعض الإجابات، عرفنا أن الوضع ربما لن يتغير كثيراً في المرات القادمة من حيث الإمكانات المتاحة للطاقات المحلية بما فيها الأماكن التي سيقام عليها هذا المهرجان أو ذاك. وما كانت مناشدة رئيس مسرح أوال خليفة العريفي في ليلة افتتاح مهرجان أوال المسرحي السابع لوزيرة الثقافة مي الخليفة حول أمنيته والمسرحيين بأن يكون المسرح الوطني تحت إمرة المسارح الأهلية متى ما احتاجوا إليه؛ ليقيموا على قاعاته مهرجاناتهم وعروضهم، وما كان تهرب الوزيرة من الرد على هذه النقطة تحديداً وردها: إن المسرح سيكون متاحاً للمسرحيين في أيام المسرح البحرينية، من غير وعدٍ صريحٍ بأنه سيكون متوافراً ما احتاجه المسرحيون البحرينيون ليكون بديلاً عن الصالة الثقافية، إلا واحداً من هذه المشكلات ومن هذا التهرب «اللبق» للمسئولين من توفير الإمكانات البسيطة للعروض المسرحية المحلية لتبدو أجمل وأكثر اكتمالاً.
عاد مهرجان أوال المسرحي نهاية الأسبوع الماضي ليقول للجمهور إن المسرح مازال موجوداً وجمهوره مازال في ازدياد، وهو ما أثبتته مقاعد الصالة الثقافية المأهولة - على غير العادة – وعاد ليقول: إن المسرح مازال يهجس بمشاغل المتلقي ومشكلاته التي تواجهه في حياته الخاصة والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية أيضاً.
العروض المسرحية التي قدمت في المهرجان ابتداءً بعرض الافتتاح «تعالوا ننتظر» لمسرح أوال وصولاً لمسرحية «بايته» للمسرح الحديث بالإمارات، ثم مسرحية «قيد امرأة» لمسرح الريف، كانت عروضاً تحاكي واقعاً يعيشه الكثيرون على اختلاف طريقة العرض ونوع المشكلات والعقبات والمعاناة التي جسدها الممثلون بشكل جميل.
«تعالوا ننتظر» كانت تحاكي الانتظار المر الذي يعيشه الكثير من أبناء الكرة الأرضية على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، وتشكك في حقيقة وجود «المخلص» الذي ربما يكون لا وجود له إلا في أنفسنا التي تتمرد على الواقع لتخلق منه واقعاً أجمل كما نحلم. انتظار عاشه طاقم التمثيل جميعهم مع مسحة أمل في خلاصهم من كل ما يعانون منه عن طريق التبرك بشجرة أو قديس أو عن طريق اللجوء لمشعوذ، ليكسر العرض كل حقائق توارثها الأجيال في موضوع ظهور المخلص.
«بايته» اختلفت في عرضها وأسلوبها وموضوعها، فجاء العرض باللهجة المحكية، وبديكور بسيط يكاد يكون غير موجود ليعتمد بشكل أساسي على الحوار الذي شكل عمق القضية؛ إذ تحكي المسرحية حكاية أربعة موظفين لم يستطيعوا يوماً الالتقاء بالوزير المسئول إلا عندما التقوه صدفة وهم سكارى ذات ليلة، ليبدأ الحوار - الذي جاء جريئاً - حول عدم اهتمام المسئولين من الوزراء بهموم المواطنين المختلفة. حوارٌ لم يستمع فيه أحد إلى الآخر حتى انتهى العرض بحوارات متداخلة تصدر ضجيجاً مزعجاً يعبر عن واقع الحال في الدول العربية بين المسئول والمواطن.
«الحرية» كانت بطلة عرض مسرح الريف «قيد امرأة»، إذ تحكي المسرحية حكاية امرأة مقيدة بسطوة أبيها المسئول عنها لمدة ثلاثين عاماً. قيدٌ رضخت له برضاها إلى أن تمردت وأرادت التخلص منه بعد أن بدأت بالخروج من العزلة التي فرضها عليها خوفاً عليها كما ادعى، وفي حوار جميل جمع بين المباشر والمبطن استطاع الممثلان إيصال الرسالة بشكل مميز لولا السقطات اللغوية التي شابت العرض.
وفي انتظار بقية العروض، نأمل أن ينتبه المسئولون لهذه المواهب التي بزغت في الساحة المسرحية المحلية بشكل ملفت من الشباب وخصوصاً في الفترة الأخيرة، ولاسيما أن المسرح عانى هجراً مجحفاً في كل الدول العربية.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3810 - الأحد 10 فبراير 2013م الموافق 29 ربيع الاول 1434هـ