الساحة الإيرانية تحركت أمس لليوم الرابع على التوالي بصورة لم يتوقعها أحد من قبل، ولعلّ المشاعر الجامحة التي تمر بها الساحة تفسح المجال لتطورات أخرى غير متوقعة أيضا. فالإعلام الرسمي أعلن عن سقوط سبعة قتلى مساء أمس الأول، كما أعلن عن استعداد «مجلس صيانة الدستور» للتحقيق في «بعض» الادعات التي تحدثت عن تجاوزات.
القيادة الإيرانية تواجه خيارات صعبة جدا، وأي قرار تتخذه ستكون له سلبياته، والخيار الذي أعلنته أمس لن يكون كافيا لغلق الملف، فالتحقيق في «بعض» التجاوزات من قبل هيئات عليا أعلنت تأييدها للرئيس محمود أحمدي نجاد قبل وبعد إعلان النتائج لن يحظى بالقبول لدى المترشحين الآخرين الذين قدموا الشكوى، وهذا ما أكده المترشح الرئاسي مير حسين موسوي الذي طالب بـ «إعادة الانتخابات»، وهو أمر ترفضه القيادة الإيرانية بالطبع. وعليه فإن هذا الخيار سيؤدي إلى مراوحة المشكلة في مكانها.
الخيارات الأخرى مُرّة، فإذا قررت القيادة الإيرانية «الضرب بيد من حديد» لقمع المظاهرات، فإنها ستستطيع القيام بذلك، ولكن سيسقط الكثير من القتلى وستمتلئ السجون برفاق الأمس، وسيتم إرغام الشخصيات التي لا ترضى بهذا الخيار على السكوت... وستسير الأمور بشكل مختلف، وعلى المستوى المتوسط والبعيد ستكون هناك مشكلة في «الشرعية»؛ لأن نظام الجمهورية الإسلامية تأسس على مظاهرات الشارع الصاخبة التي أطاحت بالشاه، والمظاهرات الحالية يقودها أناس ساهموا في قيادة الشارع قبل ثلاثين سنة، ووضْع هؤلاء في السجن سيخمد التحرك الحالي، ولكنه لن يحل المشكلة من الناحية السياسية، بل سيعقدها.
الموضوع أيضا بدأ ينتقل من الاختلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية إلى الاختلاف حول مفاهيم الحكم... فأحد المواقع المقربة من أحمدي نجاد اعتبر فوزه «ثورة ثالثة»، باعتبار أن الانتصار على الشاه في 1979 كان الثورة الأولى، واحتجاز موظفي السفارة الأميركية بعد ذلك كان الثورة الثانية، وانتخاب أحمدي نجاد هو الثورة الثالثة. آخرون من المحافظين يوحون من خلال أحاديثهم بأن عهد الجمهورية الإسلامية كان «مرحلة انتقالية» نحو «الحكومة الإسلامية العادلة» التي تتحقق هذه الأيام، وأن مصطلح «الجمهورية» كان عرضيا وأنه جاء للاحتجاج على «الملكية» فقط، وأن رأي الجمهور «غير ملزم»؛ لأن الناس بـ «طبيعتهم الناقصة» لا يستطيعون إبداء الرأي الصحيح في قضايا تتعلق بالحاكمية الإلهية.
المحتجون على هذا النهج يستشهدون بالأيام الأولى للثورة التي قادها الإمام الخميني، وكيف أنه أسس نظاما اعتمد على رأي الشعب في كل خطوة خطاها، وأنهم - أي المحتجون - التزموا بكل ما جاء في نص الدستور وتحمّلوا المضايقات الناتجة عن التفسيرات التي ركزت السلطات في جانب على حساب جوانب أخرى، وأنهم غير مستعدين لإلغاء مفهوم «الجمهورية»... ولهذا فإن إحدى أفكار مير حسين موسوي هي الاعتصام بالقرب من قبر الإمام الخميني.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2476 - الأربعاء 17 يونيو 2009م الموافق 23 جمادى الآخرة 1430هـ