عندما نقول إن ثمة فساداً على مستوى الإدارات التعليمية في الوطن العربي، فإننا نعني انتشار مظاهر تعوق العمل التربوي بالمجتمع المدرسي كالروتين الإداري وتسيير أمور المؤسسة التربوية على البركة، وبيروقراطية المكتب، والمحاباة والمجاملات والشللية والفئوية والتمييز والمحسوبية والطائفية والمذهبية وما إلى ذلك.
من الطبيعي جداً أن يتأثر النظام التعليمي بطبيعة النظام السياسي وتركيبته، فقد نلاحظ «تأثر الإدارة التعليمية في البلد الواحد بسلطة الدولة والحكومة من حيث ارتباط السياسة التعليمية بالسياسة العامة للدولة وتأثرها باتجاهاتها وتشريعاتها وأجهزة الدولة المختلفة، ونظراً لتزايد أهمية التعليم واعتباره أمراً حيوياً للأمن القومي لا يقل عن حيوية الاستراتيجية العسكرية، فقد أخذت الحكومات في الدول المختلفة تفرض سلطتها على إدارة التعليم أو تزيد من تدخلها في شئونه وتوجيهه حتى في الدول التي جرت التقاليد بها على عدم تدخل الحكومة المركزية في شئون التعليم».*
لذلك نلاحظ تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة في الفهم الحديث للإدارة التعليمية، وذلك لم يأتِ عشوائياً أو من فراغ، وإنما كان نتيجة تراكمات وعوامل ساعدت على نشأته وتطويره، منها: تزايد الاتجاه الديمقراطي في الحكم والسياسة وفي كل مجالات الحياة بما فيها مجال الإدارة المدرسية.
ولكي نجنب المؤسسات التعليمية فوضى الرؤى الشخصية والذاتانية فإن من الأهمية بمكان وضوح رؤية المدرسة ورسالتها؛ لأنهما تمثلان خريطة طريق بالنسبة لكل المنتسبين للمؤسسة التعليمية. وكدليل على ما نقول، أين دور المدارس عن مفهوم الشراكة المجتمعية؟ الشراكة المجتمعية تعني الأخذ بعين الاعتبار دور الشركاء الآخرين الأساسيين والمؤثرين في العملية التربوية، أعني بهؤلاء الشركاء أولياء أمور الطلبة وعموم المربين والمجالس الأهلية والمحلية وعموم مؤسسات المجتمع المدني.
علينا أن نكون مقتنعين بضرورة الانتقال من مرحلة التعليم إلى مرحلة التعلُّم، فعملية تطوير التعليم ليست فقط من مهمات ومسئوليات وزارة التربية والتعليم لوحدها أو وزيرها أو مهمة خاصة يقوم بها التربويون فحسب، وإنما أصبح عملاً قومياً بامتياز، تشارك فيه جميع الهيئات والمؤسسات والقنوات الشرعية والأفراد، بحيث يعكس آمال الرأي العام وطموحاته ورغباته ما يبيّن الأساس الديمقراطي للسياسة التعليمية وما تتضمنه من جهود لتطوير التعليم، هذا إلى جانب الأساس العلمي الذي تضمن اجتهاد المختصين والمسئولين.
الفساد في مؤسسات التعليم
هنالك تخبط واضح في السياسات التعليمية بالوطن العربي، وخصوصاً عندما تسند مهمات التعليم لغير أهله. ففي الدول المتقدمة تشكل حكومة التكنوقراط التي على أساسها يتم اختيار الوزراء من أصحاب الكفاءات والتخصص، والسؤال المطروح: هل يتم اختيار وزراء التربية والتعليم في الوطن العربي بصفتهم السياسية أو الحزبية أو العشائرية أو القومية أو المذهبية أو الطائفية... إلخ، أم بصفتهم التربوية؟
دعونا نتناول بعضاً من أوجه الفساد في مؤسساتنا التعليمية العربية من خلال الأبعاد التالية.
«طغيان التخصصات الأدبية على العلمية»: فقد حذَّر الأكاديميون المتحدثون في ندوة حول الوضع التعليمي في دولة الكويت من خطورة توجّه الكوادر الوطنية للتخصصات السهلة على حساب التخصصات العلمية، وتمت الإشارة إلى تقرير طوني بلير في بعض فصوله عن مدخلات التعليم العالي في دولة الكويت بأن غالبيتها من التخصصات الأدبية، والكويتيون الذين يستكملون دراستهم غالباً يتخصصون في مجالات إدارة الأعمال والآداب، وقلة منهم يكمل دراسته الجامعية في الهندسة أو العلوم الطبية.
والكلام نفسه ينسحب على التعليم في مملكة البحرين، إذ ثمة تشبُّع في عددٍ من التخصصات الجامعية كالتخصصات الأدبية والعلوم التطبيقية كالجغرافيا واللغة العربية والخدمة الاجتماعية، ما يعني غياب الرؤية عند قراءة المخرجات التعليمية ومدى مواءمتها مع متطلبات سوق العمل.
انحراف الأهداف نحو تحصيل الدرجات: إن الهدف من نظام الدرجات هو دفع الطلبة إلى التركيز اليومي على التعليم لتحقيق معايير التعلّم المطلوبة، لا أن يكون الشغل الشاغل للطالب مجرد الحصول على أعلى الدرجات والابتعاد عن القيم العليا للتعلُّم، فتلك مشكلة يجب الانتباه إليها. وربما كان منشأ هذه المشكلة هو اعتبار الامتحانات النهائية أو منتصف الفصل الدراسي هي المعيار، وكأن ما يدرسه الطالب طوال العام الدراسي لا يغنيه عن تلك الدرجات التي ربما تكون خاضعة لمعايير غير دقيقة من الناحية العلمية، وخصوصاً مع انتشار ظاهرة الغش في المدارس.
ولكي لا تنحرف أهداف التعلُّم نحو تحصيل الدرجات، لابد إذاً من استحداث نظام جديد للدرجات بحيث يأخذ بعين الاعتبار الأبحاث والعروض والمشاريع والمقالات والأعمال الجماعية والأنشطة الصفية واللاصفية وغير ذلك.
على أية حال، تبقى الامتحانات مجرد تقييم للتحقق من النتائج المرجوة من العملية التعليمية.
* من دراسة نشرت في الكتاب السنوي «كتّاب ضد الفساد» من إصدار جمعية الشفافية الكويتية
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3809 - السبت 09 فبراير 2013م الموافق 28 ربيع الاول 1434هـ
الفساد ينخر الدولة و التربية ليست استثناء
فيختارون للوزارة وزير عسكري بدل تربوي
يقصى ابن البلد و تستورد المشاريع الاجنبية الفاشلة و تحارب الوطنية