العدد 3808 - الجمعة 08 فبراير 2013م الموافق 27 ربيع الاول 1434هـ

ديوان «ابن المقرب العيوني» أهم مصدر تاريخي عن المنطقة... وتاريخنا لم يُدرس كما ينبغي (2-2)

المؤرخ السعودي عبدالخالق الجنبي لـ «الوسط»:

أكد المؤرخ السعودي عبدالخالق بن عبدالجليل الجنبي الأهمية التاريخية العالية لديوان «علي بن المقرَّب العُيوني» معتبراً أنه «أهم مصدر تاريخي عن المنطقة وصل إلينا على الإطلاق، وكل من كتب عن تاريخ المنطقة، ولاسيما تاريخ إقليم البحرين القديم هو عيال فيما ينقله على شعر هذه الشاعر وشروحه التي دوّن الشاعر نفسه كثيراً منها». وقال شارح ديوان ابن المقرب عضو جمعية التاريخ والآثار السعودية وجمعية التاريخ والآثار لدول مجلس التعاون الخليجي «إن الأهمية التاريخية لشعر ابن المقرَّب هي أكبر بكثير من الخصائص الفنية لشعره، فيكفينا دلالة على ذلك أنّ دولة كالدولة العيونية حكمت المنطقة لما يقارب القرنين من الزمان ما كنا لنعرف عنها شيئاً وعن حكامها ورجالاتها والأحداث التي وقعت لها لولا هذا الديوان؛ هذا فضلاً عن الكثير من الأخبار التاريخية السابقة لهذه الدولة منذ عصر ما قبل الإسلام، ولاسيما أخبار قبيلة عبد القيس ونزولها أرض البحرين والحروب التي حدثت بينها وبين السكان الأوائل للمنطقة هذا بالإضافة إلى أخبار القبائل الأخرى مثل قبائل عُقيل وحروبها مع العيونيين في المنطقة، وكذا المعلومات الجغرافية الكثيرة التي احتوى عليها الديوان».

واعتبر الجنبي في حديث مع «الوسط» أن «تاريخ المنطقة للأسف الشديد لم يكتب كما ينبغي أن يكتب، أو كما تفرضه أصول المنهج العلمي؛ بل الأدهى من ذلك أنه حُرّف وحوّر وزوّر أحياناً إرضاء لما سميتها بالمؤسسات العلمية». وأشار إلى «معوقات كثيرة» تعترض الباحث في تاريخ المنطقة «منها قلة المصادر والمراجع، وقلة مراكز البحث والمعرفة، والتي إن وجدت، فإنّ القائمين عليها يكونون في غاية البخل بالمعرفة، أو يكونون من ذوي الميول والأهواء، ما يجعلهم يخفون الكثير من المعلومات أو يحورونها أو يحرفونها، وقد يزوّرونها هذا فضلاً عن أن الكثير من هذه المراكز والمؤسسات تكون ذات أجندات خاصة مرتبطة بمنشئيها». وهنا تتمة الحوار الذي نُشر الجزء الأول منه في العدد السابق من «فضاءات»:

أصدرت كتابا حمل عنوان (جنايات مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين على ديوان ابن المقرَّب)... ما هي هذه الجنايات؟

- هذه حادثة مؤسفة حدثت لنا مع هذه المؤسسة أوضحت تفصيلها في هذا الكتاب، وملخصها أننا فوجئنا ذات يوم، ونحن عاكفون أنا وصاحبي البيك والعرفات على عملنا في تحقيق الديوان باتصال هاتفي من الأستاذ عبدالرحمن الملا، وهو مؤلف وكاتب أحسائي معروف حيث أخبرنا بأنّ مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري تعتزم إقامة دورتها الاعتيادية تحت اسم الشاعر علي بن المقرَّب الأحسائي، وأنه يهاتفنا ليعرف إلى أين وصلنا في تحقيقنا لديوان الشاعر حتّى يبلغهم بذلك باعتباره مندوبهم في المنطقة بحسب قوله، وقد طلب منا أيضاً إعطاءه بياناً بالنسخ الخطية التي استطعنا الحصول عليها وتلك التي لم نستطع الحصول عليها مع قطعه وعداً لنا بأن مؤسسة البابطين سوف تقوم بمساعدتنا في الحصول عليها وإعطائها لنا، وعندما أبلغناه بأننا على وشك الانتهاء من تحقيق الديوان على ما توفّر لنا من نسخ قال لنا إنّه سوف يبلغ المؤسسة ذلك إذا أسرعنا وأرسلنا له البيان الذي طلبه عن نسخ الديوان التي وصلت والتي لم تصل عبر الفاكس، ونظراً لحسن ظننا في الباحث الأستاذ الملا، فقد وثقنا في كلامه، وقمنا بالفعل بإرسال ما طلب منا عبر الفاكس غير أنّه ما ان تسلم ذلك لم نرَ منه أي اتصال أو خطاب يُذكر، ثم استأنفنا عملنا حتّى أنهيناه ولله الحمد، واتفقنا مع إحدى دور النشر المحلية على طبعه ونشره وتوزيعه في الوقت الذي بدأ العد التنازلي لإقامة دورة ابن المقرّب في مملكة البحرين، وفي هذه الدورة قامت المؤسسة بتوزيع بعض مطبوعاتها الجديدة على الضيوف، فكان من ضمنها كتاب في جزءين حمل عنوان (ديوان ابن المقرب وشرحه) بتحقيق كاتب أردني هو الدكتور أحمد الخطيب، فأصابني الذهول لما فعلته هذه المؤسسة من عمل لا أخلاقي في حقّنا، فلو أنّها لم تكن تعرف عن عملنا في تحقيق الديوان لما قلنا شيئاً، ولكن أنْ تتصل بنا عن طريق مندوبها وتأخذ منا معلومات عن مخطوطات الديوان والنسخة الرضوية في مقدمتها ثم تقوم بالحصول على هذه النسخة وإعطائها لرجل غريب عن المنطقة لا يعرف عن أحوالها شيئاً ليحققه بشكل مهلهل موقعا نفسه في أخطاء فادحة بحق الديوان وبحق تاريخ هذه المنطقة أوضحتها في كتابي هذا الذي ألفته لتبيان ما حصل بيننا وبين هذه المؤسسة، وتوضيح الأخطاء الفنية والتاريخية والجغرافية التي وقع فيها محققها.

بعيداً عن الجوانب الأدبية والفنية... ما هي الأهمية التاريخية لديوان ابن المقرب؟

- نعم فعلى الرغم من السلاسة الأخاذة والصور الفنية الجميلة التي يحتوي عليها شعر ابن المقرّب فإن أهمية هذا الديوان لا تقتصر على ذلك، وشخصياً أرى أن الأهمية التاريخية لشعر ابن المقرَّب وشرحه هي أكبر بكثير من الخصائص الفنية لشعره، فيكفينا دلالة على ذلك أنّ دولة كالدولة العيونية حكمت المنطقة لما يقارب القرنين من الزمان ما كنا لنعرف عنها شيئاً وعن حكامها ورجالاتها والأحداث التي وقعت لها لولا ديوان ابن المقرَّب؛ هذا فضلاً عن الكثير من الأخبار التاريخية السابقة لهذه الدولة منذ عصر ما قبل الإسلام، ولاسيما أخبار قبيلة عبد القيس ونزولها أرض البحرين والحروب التي حدثت بينها وبين السكان الأوائل للمنطقة هذا بالإضافة إلى أخبار القبائل الأخرى مثل قبائل عُقيل وحروبها مع العيونيين في المنطقة، وكذا المعلومات الجغرافية الكثيرة التي احتوى عليها الديوان وشرحه، ولا يقل أهمية عن كل ذلك الملحقان المهمان اللذان يوجدان في بعض نسخ الديوان، وهما الملحق الخاص بأخبار القرامطة وحكام الدولة العيونية الذي لم تحتفظ به سوى النسخة الرضوية الأصل ونسختا المكتبة الوطنية بطهران ونسخة مكتبة سانت بطرسبيرج بروسيا، والملحق الخاص بكتاب الصلح بين حاكم جزيرة قيس وحاكم أوال والقطيف الفضل بن محمد بن أبي الحسين الذي تقدم الكلام عنه، والذي لم تحتفظ به كاملاً سوى النسختين الأخيرتين.

هناك اشتباه سائد لدى البعض في أنه يوجد شاعران يدعيان بابن المقرَّب علي بن المقرَّب الأب، ومحمد بن علي بن المقرَّب الإبن، وأن لكل منهما ديوانا خاصا به، فما تقول في ذلك؟

- واقع الأمر هو أنه لا يوجد شاعران، وإنما يوجد اشتباه بوجود شاعرين كما قلت في السؤال، ومصدر هذا الاشتباه هو المستشرق الألماني الكبير كارل بروكلمان، وذلك حين نشر عمله الضخم الموسوم بـ (تاريخ الأدب العربي)، ذكر فيه ترجمتين أولاهما لمن سماه بأبي المنصور علي بن عبدالله بن المقرَّب بن منصور الإبراهيمي العُيوني، وثانيتهما لمن نعته بابنه الذي لقبه وكناه وسماه بجمال الدين أبي عبدالله محمد بن علي بن المقرب العُيوني الأحسائي، وذكر له الديوان الذي جمعه محمد بن خليفة العُيوني الأحسائي، وآخر بشرح عبدالعزيز بن أحمد العويصي، فهذا كله تخليط، وهذا الديوان المنسوب جمعه لمحمد بن خليفة العُيوني، والآخر المنسوب شرحه للعويصي هما ديوان واحد، وهو الطبعة الهندية، وهو لشاعرنا علي بن المقرَّب وليس علي بن عبدالله أو محمد بن علي، وسبب هذا التخليط الذي وقع فيه بروكلمان هو أنّ بعض نسخ الديوان التي اطلع عليها ورد فيها اسم الشاعر علي بن عبدالله، وفي بعضها الآخر ورد اسمه فيها محمد بن علي بن مقرَّب أو علي بن محمد، وهذا الباحث الألماني الكبير لم يطلع على معظم النسخ الخطية التي كان يشير إليها في كتابه، وإنما كان أكثر اعتماده على ما دوّن في فهارس المكتبات العالمية عن المخطوطات التي تحتوي عليها هذه المكتبات، ومن هنا جاءه الاشتباه.

يبدو أن ابن المقرب يحتل موقع الصدارة في اهتماماتك العلمية فلقد خصصته أيضاً بكتاب ثالث هو (الديوان المصوَّر لديوان علي بن المقرَّب)... ما الذي يضيفه هذا الكتاب زيادة على ما ورد في شرحك الموسع للديوان؟

- صدر هذا الكتاب في 111 صفحة من القطع الكبير (A4) بالألوان، وقد أدرجت فيه كل ما توفّر لدي من صور لمواضع ومبانٍ وبساتين وعيون وجبال وأنهار ذكرها ابن المقرّب في شعره أو الشارح في شرحه ضمن واحتي الأحساء والقطيف وجزيرة أوال وكامل الإقليم الذي كان يُعرف في السابق باسم إقليم البحرين القديم، وكذلك صور لقرية طيوي العمانية وموضع قبر وقلعة ابن المقرَّب فيها مع ذكر الأبيات التي ذكر الشاعر فيها هذه الأماكن أو أشير إليها في شرح شعره مذيلة ببعض التعليقات البسيطة على كل صورة؛ كما أدرج فيه بعض الخرائط الموضحة للأماكن المذكورة وغيرها، وكذلك صور لبعض الآثار الباقية من أيام الدولة العُيونية كالمباني والنقوش والنقود، ووضعت فيه أيضاً بعض مشجرات النسب للقبائل والبطون التي وردت في الديوان وشرحه كقبيلة عبد القيس وفروعها وبطونها، وقبيلة عُقيل وبطونها، فهو عمل توثيقي لديوان ابن المقرَّب، ومصدر معلومات جيد للأجيال الشابة الذين عرف عنهم تفضيل مثل هذا النوع من الكتب التي تعتمد الصورة والمعلومة الخفيفة.

لديك اهتمام بالغ بجغرافية وتاريخ المكان. وهذا ما يتضح في دراساتك: قبر الآجام، جرّه مدينة التجارة العالمية القديمة، جواثي تاريخ الصمود. ما الذي يغريك على ارتياد هذه الجوانب من البحث العلمي؟

- هذا صحيح لأنّ المكان يدل على المكين كما يقولون، فهذه الأمكنة هي التي عاش فيها الأجداد واختاروها لسكنهم، وأثروا فيها كما أثرت فيهم، وذكروها في أدبياتهم، وحنوا إليها كلما رحلوا عنها، ومن الطبيعي أن تناولها بالبحث يفتح لنا باباً واسعاً للولوج إلى معرفة تاريخ من سكنها أو عمرها.

ما هي المعوقات التي تقف حجر عثرة في وجه الباحث في تاريخ المنطقة؟

- المعوقات كثيرة؛ منها قلة المصادر والمراجع، وكذلك قلة مراكز البحث والمعرفة، والتي إن وجدت، فإنّ القائمين عليها يكونون في غاية البخل بالمعرفة، أو يكونون من ذوي الميول والأهواء، ما يجعلهم يخفون الكثير من المعلومات أو يحورونها أو يحرفونها، وقد يزوّرونها أيضاً هذا فضلاً عن أن الكثير من هذه المراكز والمؤسسات هي – كما سبق وقلت – مؤسسات ذات أجندات خاصة مرتبطة بمنشئيها، وبالتالي فإنّها مؤسسات عوراء تقدم ما يخدم مصالح أجنداتها وتخفي ما قد يضر بها، وأيضاً فإن من المعوقات التي تقف حجر عثرة في وجه الباحث في تاريخ هذه المنطقة أيضاً هو انعدام الدعم لهذا الباحث سواءً أكان الدعم الفني أو الدعم المادي؛ بل حتى الدعم المعنوي مفقود لدينا، وخصوصاً إذا كان الباحث من طيف آخر غير الطيف الذي ينتمي إليه أصحاب هذه المؤسسات ومراكز البحث، فهذا النوع من الباحثين لن يكون موضع تقدير لديهم مهما كان إبداعه، ولن يلقى إنتاجه الدعم الفني أو المادي أسوة بغيره من باحثي الطيف الذي ينتمون إليه، ولن يُنشر له أي بحث في أي وعاء علمي يشرفون عليه مهما بلغ بحثه من القوة والإبداع والرصانة العلمية.

تحتل القطيف حيزاً بالغاً من اهتمامك الأدبي ورغم أنك ابن القطيف فإنك لم تصدر أية دراسة عنها حتى الآن؟

- بداية أود القول إنّ الباحث هو أسير البحث وليس البحث هو أسير الباحث، فالباحث في التاريخ ينبغي عليه ألا يكتب وفق رغباته وهواه؛ بل عليه أن يكون موضوعيا في كتاباته، ثم من قال إنني لم أصدر أي دراسة عن بلدتي الحبيبة القطيف، وأول بحث علمي كتبته كان عن الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي، ولي كتاب مطبوع عن قبر الآجام، وهي قرية قطيفية، وجل بحوثي التي ألقيتها في جلسات الملتقى العلمي لجمعية التاريخ والآثار الخليجية كانت عن تاريخ وجغرافية القطيف، وحتى ديوان ابن المقرّب رغم كونه أحسائي المولد فإنّ فيه مادة غزيرة جداً عن القطيف في شعر الشاعر وشرحه وكذلك في الملحقين الذين ذكرتهما قبل قليل عن حكام القرامطة والعيونيين وكتاب الصلح بين حاكم جزيرة قيس والفضل بن محمد حاكم القطيف وأوال، وهما يحتويان على معلومات نادرة عن القطيف سياسياً واقتصادياً وتاريخاً وجغرافياً، وأيضاً فإنّ كتابي الأخير الديوان المصور لشعر علي بن المقرب، فإن الكثير من صفحاته مخصص لصور من واحة القطيف، وحالياً أنا عاكف على عمل ضخم عن هذه الواحة الحبيبة.

قبل أن نختم هذه التجوال السريع معك أستاذ عبدالخالق لابد من سؤالك عن مشاغلك الفكرية الجديدة؟

- بالإضافة إلى الطبعة الثانية من شرح ديوان ابن المقرَّب، والديوان المصور لشعر علي بن المقرَّب، فقد طرحت أيضاً الطبعة الثانية من كتاب هجر وقصباتها الثلاث؛ كما طرحت عملاً جديداً، وهو كتاب وسمته بـ (جواثى تاريخ الصمود) يتحدث تاريخيا عن مدينة جواثى ومسجدها الشهير، وما شهده من أحداث دامية قبل الإسلام وبعده كحرب المرتدين وحروب الخوارج وصاحب الزنج والقرامطة، وبقاء المسجد رغم كل هذه الحروب شامخاً حتى وقتنا هذا، وهو عمل مدعم – كبقية كتبي – بالصور والخرائط للمسجد وما حوله.

العدد 3808 - الجمعة 08 فبراير 2013م الموافق 27 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً