إيران ومصر. عقدةٌ أساسية وتاريخية في العلاقات العربية الإيرانية. بالتأكيد لن نتحدث عن عهدَيْ الدولتيْن القاجارية والعثمانية اللتين في أوانهما كانت العلاقات الإيرانية المصرية في أحسن أحوالها، لكننا سنبدأ في قراءتها مع توقيع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات اتفاق سلام مع إسرائيل في السابع عشر من سبتمبر/أيلول 1978.
ففي أتون الهجمَة العربية والإسلامية الرسمية والشعبية على هذه الخطوة التي قام بها السادات، دخلت المعارضة الإسلامية الإيرانية لنظام الشاه، والممثلة حينها بالإمام الخميني على خط التنديد بهذا الاتفاق، وهي لم تصل بعد إلى السلطة، التي وَلَجَتها رسمياً في فبراير/شباط من العام 1979، ما يعني أنها اتخذت مثل هذا الموقف بما يسبق انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بستة أشهر فقط.
حَنَقَ السادات على هذا الموقف من قِبَل الإمام الخميني والمعارضة الإسلامية الإيرانية، فردَّ عليها بشكل آخر، عبر استضافته الشاه محمد رضا بهلوي الذي فرَّ من إيران بعد تآكل إمبراطورية الطاووس، واستلام المعارضة الحكم في طهران، معتبراً إياه ضيفاً عزيزاً عليه. وبعد أن وافت الشاه المنية، سَجَّاه السادات في أحد بقاع مصر التاريخية، وهو مسجد الرفاعي الأثري بالقاهرة.
ضجَّ الحكام الجدد في طهران، والذين كانوا حينها يَخْضمُون شعارات ثورتهم كل لحظة، معتبرين ذلك استفزازاً لثورتهم، مطالبين القاهرة بتسليمه، لكن السادات رفض ذلك. شاءت الظروف، أن يُقتَل السادات في أكتوبر من العام 1981 خلال عرضٍ عسكري من قِبَل إسلاميين ينتمون إلى حركة الجهاد في مصر.
بارَك الإيرانيون عملية الاغتيال تلك، واعتبروها عقاباً من السماء ضد «رئيس خائن» ومعادٍ لثورتهم، وقاموا على إثرِ ذلك بتسمية شارع في العاصمة طهران باسم قاتل السادات ممهوراً بصورته وهو متلفِّعٌ بغطاء أبيض وتكسوا وجهه لحية كثة. لقد أصبح: «شارع خالد الاسلامبولي.
من هذين الإسفينيْن، بدأ الخصام الحاد بين البلدين. ووجد المصريون والإيرانيون ما يتعلقون به للإيغال في الخصومة، فضلاً عن الاستنكاف من أن يُعيدوا العلاقات بينهما. قبرٌ في القاهرة، وشارعٌ في طهران، وموقفان سياسيان متناقضتان.
لكن، ورغم هذه الخصومة، إلاَّ إنه وخلال تلك الفترة وما أعقبها بعقد من السنين تقريباً، تزحزحت الموازين وتبدَّلت التحالفات القائمة في المنطقة، بعد حرب الخليج الثانية والثالثة، وبعد عودة العلاقات الإيرانية السعودية عقب لقاء السنغال في العام 1990، فالتقى وزير الخارجية الإيراني في العام 1992 مع وزير الخارجية المصري على هامش مؤتمر عدم الانحياز في جاكرتا، وسبق ذلك وصول رئيس براغماتي إلى إيران وهو هاشمي رفسنجاني في العام 1989.
لم يُفلِح ذلك التبدُّل في الموازين والتحالفات في أن تُعاد العلاقات بين البلدين، إلاَّ أن حجراً رُمِيَ في مائها الساكن. وبعد أن جاء الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة في إيران منتصف العام 1997 وتغيَّر صورة الجمهورية الإسلامية في الخارج، انعكس ذلك على العلاقات مع مصر أيضاً.
استطاعت مؤسسة الرئاسة «الإصلاحية» في إيران وقصر الرئاسة في القاهرة أن يخطوا خطوةً مهمَّةً في ديسمبر/كانون الأول من العام 2003، عندما التقى الرئيسان خاتمي – مبارك على هامش قمة مجتمع المعلومات في جنيف. لكن ذلك اللقاء لم يُعِد العلاقة إلى وضعها الطبيعي لأسباب مختلفة، رغم أنها نعَّمَت كثيراً من خطاب التشاحن ما بين الجانبين.
تمخَّضَ عن كل ذلك، اتفاق بين الطرفيْن على فتح مكتب لرعاية المصالح «الاقتصادية» لا أكثر. استمر هذا الهدوء متذبذباً، حيث كان أسيراً للتطورات في الإقليم، بسبب اصطفافات دول المنطقة في محورَي الاعتدال والممانعة، والذي كان يُفَوَّرُ أوَار ناره عند كل حدث، كما حصل بعد انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في العام 2005 وخلال حرب تموز على لبنان في العام 2006 والحرب على غزة في العام نهاية العام 2008 وبداية العام 2009.
بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 وقيام الثورة المصرية ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك والإطاحة به، وَجَدَ الإيرانيون أن الباب صار مؤاتياً لتحريك ملف العلاقات بينهم وبين المصريين، على اعتبار أن الحزب الوطني الحاكم الذي كان يرأسه مبارك كان هو العائق أمام عودة العلاقات بين البلدين وذلك لصِلاته الوطيدة مع دول مناكِفَة لإيران، وأيضاً بسبب تموضع مصر في محور الاعتدال بل وريادتها فيه.
كان المسعى الإيراني يطاول المأمول في العهد الجديد، لكن المشكلة بَدَت، في أن نظام حسني مبارك سَقَط لكن هيكل الدولة لم يسقط. فالدولة المصرية تمَّت صياغتها طيلة ثلاثين عاماً وفق مناهج سياسية واقتصادية وثقافية مُحدَّدة، وبالتالي لا يُمكن أن تتبدَّل هذه الهيكلية بالسرعة المراد لها أن تحصل.
حكَّام مصر الجدد اصطدموا بمشكلة الموائمة ما بين منهجهم السياسي والآيدلوجي «الإسلامي» الجديد وبين التزامات مصر التاريخية وتشابك مصالحها الخارجية منذ أيام مبارك. وكان هذا الأمر واضحاً جداً خلال زيارة «الأربع ساعات» التي قام بها الرئيس محمد مرسي لطهران لحضور قمة عدم الانحياز في أغسطس/آب 2012 .
إلاَّ أنهم وجدوا في الثورة السورية مدخلاً لإظهار تباين مع طهران، والبطء في عودة العلاقات مع إيران وذلك لتحقيق نوع من الموائمة وعدم تعكير صفو علاقاتهم مع دول أخرى. هذا الأمر كان مع بداية التغيير في مصر واستمر إلى حيْنٍ ليس ببعيد، لكنهم بدأوا ومنذ البداية في تطعيم مشوار عودة العلاقات مع إيران بمبادرات مكتومة وبعيدة عن الضوء، كالزيارات الثقافية والاقتصادية وتوقيع بروتوكول عودة الخط الجوي بين البلدين.
(للحديث صلة).
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3808 - الجمعة 08 فبراير 2013م الموافق 27 ربيع الاول 1434هـ
يا ولدي يامحمد .. ابتسامتك تعجبني .. قلنا لك يووز ولا تروح بعيد
لكن انت تعاندنا .. على كل حال مقالك اليوم الذي هو الجزء الاول لحد ألحين لا بأس به.. بس اعتقد ان توقيته متعمد ! نحن نعرف ان مباريات كرة القدم حسب ما نرى المشجعين له في التلفزيون يضعون أصباغ على وجوههم تشجيعاً للفريق الذي يحبونه .. وأعتقد انك في الحلقة القادمة ستخوض في الأوحال كي تجلب الطين الذي يترقبه مشجعي مبارات مرتقبة كي يضعونه ليشجعوا فريقهم .. هذا مجرد اعتقاد .. وسامحنا إن أخطأنا. وشكراً لك
علي نور
تحية للكاتب
العلاقة بين ايران ومصر لا يحددها قبر هنا وشارع هناك ابدا ان ما تحكمها وتخيطها اعتبارات اقليمية ودولية ممثلة في علاقة مصر بالامريكان وتقييدها بالتفاقيات السابقة مع الاسرائيليين ..الاعتبارات الاقليمية هذه محورها واحد هو الاصرار الايراني على جعل تحرير القدس اساس للتعاطي مع الانظمة والافراد، هكذا هي ايران ولو انها تنازلت عن دعوتها لتحرير القدس لكان المشهد تماما غير.الايرانيين يراهنون على اعتقادهم بانهم اقرب للمصريين من الامريكان ولهم صبر كبير سوف ينتج علاقة طيبة مع المصريينز
ولا في الخيال
ياليت تقول لنة متى ايران ستحرر القدس يا اخوي لا يغرك الكلام هم وجهان لعملة واحدة
عودة العلاقات شيئ جميل ولكن الهوة عميقة من حيث ان
ايران دولة يحكمها المحافظون ويأتمرون بولاية الفقيه اولا واخيرا ومحاولة الاخوان المسلمين لحكم مصر لن يكتب لها النجاح كما يبدو من تطور الاحداث علي الساحة.دور مصر القومي العربي في العهد الناصري الذي اتاح لها نفوذا من الخليج العربي الي المغر ب العربي والذي تاكل واندثر الان وحلت مكانه ايران التي ملأت الفراغ في العراق وسوريا ولبنان و دول الخليج سيؤدي حتما الي صراع جديد في حالة عودة مصر الي ممارسة دورها القومي السابق. السؤال هل تقبل ايران التخلي عن اماكن نفوذها الجديدة؟ الحل هو العمل معا لاجل فلسطين!
ايران بايدن يعرض عليكم علاقات مع امريكا
العلاقة مع امريكا أنفع وأجدى فلا تشغلوا أنفسكم مع الصغار اذا الكبار راغبين في علاقة معك
الإرادة فقط
حتى ولو كانت ايران قد سمت سبعين شارع باسماء يكرهها مبارك ودفن السادات كل ضباط السافاك عنده فإن العلاقة يمكنها أن تعود عندما توجد الرغبة والإرادة!!!!!