نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من المحسوبين على السلطة، نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير، ونصون كرامة الإنسان، ديدننا العدل والمساواة.

قرأت جمعيات المعارضة بجميع فصائلها، رفض قيادات ائتلاف الجمعيات السياسية، طلبهم للجلوس معاً، قبل الجلسات الرسمية لحوار مجهول، قراءة متأنية، فرَفْض الائتلاف كان رسالة واضحة لارتماء قادته - وليس قواعده - في حضن السلطة، يرضعون حليب مزاياهم، ولانفصام قادة «الائتلاف» عن تابعيهم وعن الشعب، مقابل تجرع المعارضة، مرّ الإجراءات الأمنية، مشاركةً منها لمعاناة شعب البحرين، في جميع النواحي السياسية والحقوقية والمعيشية، والملتف حولها في غالبه الطاغي، تظاهراً، وفي إشهار سلاح اللسان والقلم، وفي صمت مكنون ليوم الحساب، عبر الانتخابات الحرة المتساوي فيها صوت المواطن الانتخابي، هذا الصوت الذي يروّج قادة الائتلاف أنه لهم، في حين أنهم يوقنون أنه سيبدو جليّاً للإجهاز عليهم، لذلك هم لا يريدون للناس المشاركة في إدارة مجتمعهم، بحق الشعب في مصدرية وانتخاب سلطاته، فهم ضامنون تعييناتهم، فما لهم وما للشعب في حقوقه وسلطاته.

لقد واتت قادة جمعيات (الغونغو)، فرصة للخروج من عباءة الحكومة والالتحام بالشعب، إبان برلمان 2006، في ملف أملاك الدولة (الأمة)، لكنهم يعتبرون استحواذ المتنفذين من الحكومة على هذه الأملاك، هو مورد استرزاقهم، فهل يصارعونهم في نهبٍ، لهم منه غنيمة؟ فكانت نتائج أحداث فبراير/ شباط 2011، هي آخر السطور التي قرأتها جميع فصائل المعارضة، قراءةً متأنيةً، ما جعلها تلتحم بالشعب وتتبنى مطالبه الحقة، أكثر وأكثر، وتنفصل بوجدانها وعقلها عن قادة تلك الجمعيات ومَن وراءهم، لرؤيتها الواضحة أن القواعد الشعبية، قد تنخدع حيناً، ببريق طلي الحديد بالذهب، كما هي شعارات قادة تلك الجمعيات، لكن هذه القواعد، اكتشفت سريعاً أن ذهب قادة جمعيات «الغونغو»، ليس إلا حديداً صَدِئاً، لذلك كان لهؤلاء القادة نداء وحيد لجمع الناس، نجحوا بالخداع جزئيّاً فيه، ولم ولن يجرأوا على إعادته مرةً أخرى، ليقينهم بأن تكراره يحتاج تلمس الناس تحقيق مطالبهم، وإلا فإنه يضعف عدده وقوته، فانكفأوا في جمعياتهم، متظللين بمظلة الكبار، بانتظار تعليمات جديدة، جاءتهم بالدعوة إلى الحوار، ليبوئهم مقاعد ستة أو عشرة بالتعيين، فالانتخاب الشعبي أكيداً سيودي بجميع كراسيهم، إذ كيف للناس أن تنتخب من يحارب حقها في الانتخاب؟

فكان رفضهم، دعوة جمعيات المعارضة لهم بالجلوس معاً، بمثابة الحربة التي تلقاها قادتهم في القلب جراء رفضها ذلك، وبمثابة إسقاط للموازين التي سَكّت السلطات والمحسوبين عليها أوزانها، فأنقصتها لوزن المعارضة وزادتها لوزن قادة تلك الجمعيات، وقد أسقط الميزان المائل وأوزانه، ترحيب المعارضة بالحوار، من باب إما إحقاق الحق الشعبي، وإما تبيان حقيقة صورته للناس، فلاذ قادة تلك الجمعيات إلى الإطلاق على أنفسهم اسم المعارضة السنية للمعارضة الشيعية، وتلحفوا بعباءة المطالب المعيشية، التي لم يرَ الناس في الطائفة منها شيئاً.

المعارضة لا تتأتى من معارضة السلطات للشعب، ولا من موالاة هذه السلطات ضد المطالب الشعبية، فالسلطات هي من تهيمن وتدير ثروات الوطن، بل هي معارضة كامل الشعب أو غالبيته للسلطات غير العادلة، والفارضة نفسها على الجميع، باستخدام عتادها وأجهزتها، مُسخّرةً ثروة الوطن التي هي حق للشعب، للدفاع عن الذات.

و»يستهبل» من يجعل من جمعية «الوفاق» ممثلةً للشيعة، وفي قمة الغباء والتهريج، من يظن أن «الوفاق» مبتعدة ومنعزلة عن مواطني البحرين، فعلى رغم أنها أكبر الجمعيات الوطنية السياسية، فإنها متحالفة شعبياً مع جمعيات وطنية سياسية قومية وليبرالية أخرى، لتشكل وإياها محور المعارضة للسلطات، في رفع المطالب الشعبية الجامعة لشعب البحرين.

فقبل المطالب المعيشية من زيادة رواتب ومعونات اجتماعية، المعارضة تطالب وتعمل على القضاء على الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، وتطالب بالمواطنة المتساوية لجميع المواطنين في الحقوق والواجبات، من دون أي تمييز، ما بين سني وشيعي، وتطالب بدستور يتوافق عليه جميع مكونات الشعب مع سلطات الحكم، عبر تفعيل مبدأ «الشعب مصدر السلطات»، ينتخبها ويحاسبها ويعزلها إن طغت وتكبرت على أصلها (أي المواطنين)، وتحاسب السلطات وتتصدى لها في سياساتها وإجراءاتها المغرضة من تجنيس، وتتصدى لعنف السلطات المتجاوز للدستور والقوانين وحقوق الإنسان، في مجابهة فئات الشعب، حين التظاهر والتعبير الجماعي عن المطالب الشعبية الجامعة.

هذه الإجراءات تنال اليوم فئةً من المجتمع، وغداً تنال الأخرى، فالسلطات لا تفرِّق ما بين معارضة سنية أو شيعية، بل تَعْنَف ضد كل من يعارضها، والسلطات لا تجزي جميع الشعب خيراً، بل تجزل العطاء للقادة الموالين دون تابعيهم من العامة، والشعب حين ينزل للشوارع مطالباً بحقوقه، لا يعطل مصالح بعضه بعضاً، بل يهيئ لنيل مطالب جميع أفراد الشعب.

وليعلم من يتجاهل، أن الاحتفالات الوطنية الجامعة، لها أيام بتاريخ حدوثها، وترتبط بتحقق عظام الأمور، فالعيد الوطني، يرتبط بعيد الاستقلال، الذي نقل الوطن أرضاً وشعباً وسلطة، من حالة الاحتلال الاستعماري، إلى الدولة الحرة المستقلة، يغنم شعبها بثرواتها، بإدارة سلطاتها العادلة، فاتفاقية الاستقلال التي أبرمت مع بريطانيا، ووُثِّقَت لدى الأمم المتحدة، كانت يوم (14 أغسطس/ آب 1970)، فهذا التاريخ هو يوم عيدنا الوطني الذي شمل استحقاقه الوطن بكامله، وتاريخ (16 ديسمبر/ كانون الأول) هو يوم عيد آخر، يحق للشعب والسلطات الاحتفال به أيضاً، فلا يمحو عيدٌ عيداً سبقه، والأعياد لا تُبتَسر بل تتعدد. ثم تاريخ (14 فبراير/ شباط 2001)، لم يكن تاريخاً لصدور ميثاق العمل الوطني فحسب، بل كان تاريخاً لدخول الوطن، المرحلة الديمقراطية الجديدة من بعد غيابها ربع قرن، إثر انقلاب السلطات في (25 أغسطس 1975)، على الدستور وإبداله بقانون أمن الدولة سيئ الصيت، فهو بذلك يوم عيد الديمقراطية الوطني، أو هو يوم دعم الديمقراطية في البحرين، سيان.

وقد علّمنا الأجداد والآباء، أن الوطن يجمع مواطنيه، بسنتهم وشيعتهم وآخرين، سواسيةً في الحقوق والواجبات. وقد علمتهم وعلمتنا الأحداث السياسية والحراكات الشعبية، أن السلطات لا تأبه لسني ولا شيعي، مثلما تأبه للحفاظ على موقعها، فلا يتوهم السني اليوم، أنه يوم يُعارِض النظام غداً، سيكون بمنأى عما عانته المعارضة اليوم، ومن يوالي السلطات في سياساتها اليوم، لن ينجو من سطوتها غداً، فاستفيقوا وأحسنوا القراءة.