العدد 3805 - الثلثاء 05 فبراير 2013م الموافق 24 ربيع الاول 1434هـ

الاتحاد الأوروبي لديه ما يضغط به على قبرص

طابور من العاطلين عن العمل في العاصمة (نيقوسيا)
طابور من العاطلين عن العمل في العاصمة (نيقوسيا)

للمرة الأولى منذ انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي قبل نحو عشر سنوات أصبح لدى شركائها ورقة ضغط مالية لحملها على التوصل إلى تسوية لانقسام الجزيرة المستمر منذ نحو 40 عاماً. ومع ذلك ليس هناك أي مؤشر على أن بروكسل تتأهب لاستخaدام هذه الميزة لتحقيق أمل الوحدة الذي ضاع من بين أيدي المفاوضين عندما انضمت الجزيرة الواقعة بالبحر المتوسط للاتحاد الأوروبي في العام 2004. وقد تكون أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا راضية عن رؤية الصراع في قبرص يحتدم بدلاً من أن يحل بالتوصل إلى اتفاق محتمل من شأنه أن يقرّب تركيا بدرجة أكبر من عضوية الاتحاد. والجمهورية القبرصية التي يديرها القبارصة اليونانيون (800 ألف) مفلسة. وبعد تعرضها الكبير لأزمة ديون اليونان ولمغامرات سيئة من جانب بنوكها تقول الحكومة إن أموالها قد تنفد بحلول أبريل/ نيسان ما لم تتلق إنقاذاً من الاتحاد الأوروبي. وتحتاج نيقوسيا بشدة إلى نحو 17 مليار يورو من شركائها في منطقة اليورو؛ أي ما يعادل الناتج الاقتصادي في عام بكامله. وهو ما يمثل 19722 يورو (26800 دولار) للفرد في القطاع اليوناني من الجزيرة. ومن شأن ذلك أن يعطي بروكسل وسيلة تضغط بها على القبارصة اليونانيين للتعاون مع القبارصة الأتراك في شمال الجزيرة في اتحاد فضفاض للمنطقتين من النوع الذي اقترحه في العام 2004 الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، كوفي عنان. وفي ذلك الوقت صوّت القبارصة الأتراك لصالح خطة عنان وشجّعتهم تركيا التي تنشر قوات يبلغ قوامها نحو 30 ألف جندي في شمال قبرص أغلبهم من المفترض أن يعودوا إلى ديارهم بحلول العام 2018. وغزت تركيا شمال قبرص في العام 1974 رداً على انقلاب عسكري قصير الأمد في نيقوسيا مدعوم من اليونان نفذه قبارصة يونانيون متشددون يسعون إلى الاتحاد مع أثينا. وقسمت الجزيرة منذ ذلك الحين. وكان القبارصة اليونانيون مطمئنين إلى أنهم سيقبلون في عضوية الاتحاد الأوروبي حتى لو رفضوا خطة الوحدة فصوّتوا لصالح رفض خطة عنان في استفتاء عليها قبل أسبوع من انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي. وشعر مسئولون بالاتحاد الأوروبي وخاصة مفوض الاتحاد الأوروبي لشئون التوسعة في ذلك الوقت، غونتر فيرهوغن، بأنهم خذلوا. وقال فيرهوغن في حديث لرويترز: «التفاهم كان واضحاً جداً عندما أعطينا تركيا وضع مرشح للعضوية في 1999 وكان أكثر وضوحاً عندما استكملنا المفاوضات مع قبرص في 2002: القبارصة اليونانيون لم يكونوا ليسمحوا بفشل خطة السلام وإذا فشلت بسبب القبارصة الأتراك ستتمكن قبرص من الانضمام». واضاف فيرهوغن «كنا قريبين جداً. المشكلة أننا في نهاية الأمر لم يكن لدينا أي ورقة ضغط على القبارصة اليونانيين لأنهم كانوا يعرفون أنهم سينضمون على أي حال». وكان الخاسر الأكبر هو القبارصة الأتراك الذين ظلوا معزولين اقتصادياً ومستبعدين من الاتحاد الأوروبي. واستمر القبارصة اليونانيون في استخدام عضويتهم في عرقلة مفوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الذي يضم 27 دولة. وفي ذلك الوقت صرفت بروكسل بعض الأموال التي كانت تعهدت بها للقبارصة الأتراك من أجل التنمية الاقتصادية وتعهدت بالسماح لهم بتصدير منتجاتهم مباشرة للاتحاد الأوروبي. لكن القبارصة اليونانيين عطلوا التجارة المباشرة في حين رفضت تركيا السماح بمرور القبارصة اليونانيين عبر موانيها ومطاراتها.

وعلى أقل تقدير أصبح بإمكان الاتحاد الأوروبي استخدام خطة إنقاذ مالي لقبرص في محاولة السماح بتجارة مباشرة للقبارصة الأتراك؛ ما قد يشجع الأتراك على رفع الحظر. والشخص المرجّح فوزه في انتخابات الرئاسة القبرصية المقررة يوم 17 فبراير/ شباط وهو المحافظ نيكوس اناستاسيادس صوّت لصالح خطة عنان. وتقوم الأمم المتحدة بمراجعة الوضع الراهن في المحادثات ومن المتوقع أن يعود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الجزيرة ألكسندر داونر، في مارس/ آذار المقبل. لكن بعض الدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي يقولون إنه سيكون من الخطر سياسياً ممارسة ضغوط دبلوماسية باستغلال المعاناة الاقتصادية لقبرص. وحذروا من أن أي ربط قد تكون له آثار عكسية ويخدم المتشددين القوميين على الجانبين. ويقول المتشككون إن من المناسب تماماً لبرلين وباريس الإبقاء على المشكلة القبرصية في حال تأزم طويلة الأمد لأن ذلك يمنع تركيا من التقدم باتجاه الانضمام للاتحاد الأوروبي. وقال وسيط سابق في الجزيرة طلب عدم الكشف عن هويته لأنه مازال على صلة بالجهود الدبلوماسية: «أوروبا نفسها منقسمة بشأن المسألة القبرصية. هناك العديد من الدول التي ليست لها أي مصلحة على الإطلاق في حل المشكلة لأن ذلك سيدفع انضمام تركيا قدماً». وكانت الولايات المتحدة لها دور نشط في محاولة التوصل إلى تسوية للنزاع القبرصي والذي اعتبرته بؤرة صراع محتملة في شرق البحر المتوسط. وتحتفظ بريطانيا المستعمر السابق بقواعد سيادية في الجزيرة تعد مواقع مراقبة حيوية بالنسبة للشرق الأوسط وكانت مفيدة عندما قادت الولايات المتحدة الغزو على العراق وفي أفغانستان. لكن اهتمام الولايات المتحدة بسياسة لي الأذرع تراخى فيما يبدو منذ أن اكتشفت قبرص كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في مياهها وبدأت العمل بالتعاون مع «إسرائيل»، أكبر حليف لواشنطن في المنطقة على الاستفادة من هذه الثروة البحرية. وهذا الثراء المنتظر من الموارد المكتشفة في قاع البحر قد يساعد نيقوسيا في نهاية الأمر على سداد أموال الإنقاذ. فمن سبل سداد قروض الإنقاذ الاقتراض مرة أخرى بضمان إيرادات الغاز المستقبلية المنتظر أن تبدأ في التدفق في العام 2019. وفي هذه المرحلة فإن أي حافز للتوصل إلى تسوية مع القبارصة الأتراك قد يتبخر وسط أحلام الغاز. فإذا أرادت الدول الأوروبية ممارسة بعض النفوذ فعليها أن تتحرك الآن أو تصمت للأبد. وفي حين قد يكون لدى بروكسل الآن وبشكل مؤقت ورقة ضغط على القبارصة اليونانيين فإن نفوذها على تركيا يتقلص. وانتخب القبارصة الأتراك المتشدد درويش ايروغلو رئيساً في العام 2010. وهو يفضل الاستقلال للجمهورية التركية في شمال قبرص المعلنة من جانب واحد. وقال الوسيط السابق: «تركيا لم تعد بأي حال بدرجة استعدادها نفسه لتقديم تنازلات كما كانت في العام 2004». ويرجع ذلك جزئياً إلى أن قلة من الأتراك يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي سيقبل عضوية بلادهم في أي وقت من الأوقات ويعارض الآن ثلثا الأتراك الانضمام للاتحاد الأوروبي كما يرجع أيضاً لأن أنقرة حققت نجاحات اقتصادية كبيرة في السنوات العشر الماضية فلم تعد بالحاجة نفسها للانضمام للاتحاد الأوروبي. ويقول نائب رئيس الوزراء التركي علي باباجان إن عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي ساعدت تركيا على تنفيذ إصلاحات ديمقراطية واقتصادية وعززت سيادة القانون؛ ما دعم الازدهار الاقتصادي على مدى عشر سنوات زاد خلالها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أمثاله.

وقال باباجان للصحافيين في دافوس بسويسرا: «عضوية الاتحاد الأوروبي مسألة استراتيجية بالنسبة لنا (...) نعمل على تحقيق هذا الهدف منذ 1959 (...) ويبدو أننا مازلنا نحتاج لوقت طويل حتى يتحقق ذلك». وتابع أنه في حين كانت عملية السعي للانضمام فعالة جداً في جذب الاستثمارات فإن العضوية الكاملة «لم تعد هدفاً رئيسياً بالنسبة لنا الآن لأن بعض ما يجرى في الاتحاد الأوروبي لا نرضى عنه بشكل كامل»، مشيراً إلى قواعد سوق العمل الجديدة التي يراها خانقة. وتقدمت قبرص إحدى أصغر دول منطقة اليورو بطلب للحصول على مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في يونيو/ حزيران الماضي بعد أن تضررت بنوكها بشدة بقرار للاتحاد الأوروبي بشطب ديون اليونان المستحقة للمستثمرين من القطاع الخاص. ويطالب مسئولون بالاتحاد الأوروبي أن تقلص قبرص قطاعها المصرفي وتخصخص الشركات الحكومية وتجري إصلاحات اقتصادية كشروط للمساعدة. وأثار المشرعون الألمان مخاوف تتعلق بما يزعم أنه عمليات غسل أموال وهو ما تنفيه بشدة الحكومة القبرصية. ولكن حتى الآن لم يربط أحد بين خطة الإنقاذ وبين التسوية السياسية في فرصة ربما تكون الأخيرة للتوصل إلى تسوية قبرصية قد لا تجد من يستغلها وسط غياب الاهتمام الأوروبي.

العدد 3805 - الثلثاء 05 فبراير 2013م الموافق 24 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً