لا تدّخر الجمعية العامة للأمم المتحدة جهداً في إطلاق المبادرات النوعيّة أو تبنّيها من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في العالم. من ذلك إقرارها أسبوع الوئام العالمي بين الأديان في قرار لها بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2010؛ ومنذ ثلاث سنوات، تحتفي الأمم المتحدة مع المجتمع الدولي طيلة الأسبوع الأول من شهر فبراير/ شباط من كل سنة بالوئام بين الأديان، ولكن لماذا هذا الأسبوع هنا والآن؟ أمّا هنا فاسم إشارة للقريب قُرْبَ هذا العالم المتقارب يوماً بعد يوم.
فالقرية الكونيّة التي فيها نعيش، يتأثر أهلها بأحداث بعضهم بعضا:
فصحيفةٌ تنشر رسوماً مسيئةً للنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، في شمال الكرة الأرضية صباحاً، تهتز لها أرجاء جنوب الكرة الأرضية ضحىً أو مساءً، ومن ثمّة فإنّ الآثار الارتدادية للإساءة للأديان لن تنتظر سنوات وسنوات، بل تسافر تلك الآثار بين عشية وضحاها عبر وسائل التواصل الحديثة، لتصبح واقعاً مؤلماً على مسرح الأحداث.
وأما الآن، وهو الأخطر، فلِتَعاظُمِ العنف الديني: وليست المسألة فقط كما وصفها بان كي مون في رسالته بالمناسبة يوم 1 فبراير 2013 حين عزا هذا العنف الديني «إلى أقليّة عالية الصوت داخل كل دين مستعدة لفرض مذاهب أصولية عبر التعصب والعنف والتطرف»، وإنما أيضاً لكون الحرية في التعبير صارت أشدّ قداسةً عالمياً من قداسة الرسل والأديان، وحقاً إنسانياً غير قابل للنقاش وأساساً للحرية الفكرية والثقافيّة، وهو ما استغلّه البعض بصور مختلفة لإثارة المؤمنين بالإساءة إلى مقدساتهم، ولعل الإساءة إلى مقدّسات الإسلام في العقدين الأخيرين كانت أشدّ المواضيع إثارة للرأي العام المتديّن، وقد دفع تنامي الإسلاموفوبيا الملحوظ المسلمين إلى الدفاع عن عقيدتهم باستخدام العنف في أحيان كثيرة.
والحقيقة أنه يصعب الحسم فيمن كان البادئ بالإساءة، ولكنّ الأكيد أن كثيراً من وسائل الإعلام أو تجار الأفلام وبحجة حرية الفكر والتعبير، وحين الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها، يلجأون إلى نشر صور أو إنتاج أفلام ينعشون بها خزينتهم، ويتجاوزون بها أزماتهم، ولا يهمهم في ذلك مشاعر أتباع الديانات السماوية، وكل ذلك بحجة قداسة حرية التفكير والتعبير. لذلك دعا الكثير إلى وضع ميثاق عالمي لحرية التعبير يضع حدوداً فاصلة بين قداسة التعبير وقداسة الأديان. ويعتبر المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) عبدالعزيز بن عثمان التويجري، أنّ «كثيراً من الأزمات والحروب التي وقعت دوافعها دينية في المقام الأول»، وضرب على ذلك مثلاً السياسة التي كانت تنتهجها الإدارة الأميركية السابقة على صعيد العالم الإسلامي، وسياسة «إسرائيل» الدينية اليهودية المتطرفة المنحرفة بدوافع تلمودية متزمّتة.
لكن بالمقابل لهذا الرأي لا يخفى على أحد عدد الحروب التي كانت دوافعها اقتصادية وسياسية، واستطاع مدبروها أن يلفوها بغطاء ديني حتى يضفوا شرعيةً ويكتسبوا تأييداً جماهيرياً.
وسواءً كان هذا الدافع أو ذاك، فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان هذا الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان يجعلنا نقف على حقائق أهمها:
1 - اختيار مصطلح الوئام بالغ الأهمية؛ فهو في اللغة التوافق في العمل والسلوك، إذ انّ الوصول إلى الوئام يقتضي المرور بالحوار والفهم والتفهم والتفاهم، وفيه إقرار بالحق في التعايش في ظل الاحترام المتبادل.
2 - يبدو وفي ظاهر الإعلان أن الصراع بين الأديان جزء من المشكل لعدم الاستقرار في العالم، لكن وبعد قصور كل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات، ها هي أكبر هيئة أممية في العالم تلتجئ إلى الدين نفسه علّه يحقن الدماء، بفضل خطابه النافذ، فتدعو إلى الحوار لا بل إلى الوئام، فيكون بذلك الدين جزءًا مُهماً من الحل لتفادي الاحتقان والتصارع عالمياً.
3 - من المهمّ أن نُحيِي هذا الأسبوع العالميّ بعقد المحاضرات التوعوية والندوات التثقيفية، لكن على ألا يكون في القاعات المرفّهة وفي مجالس النخبة فقط، بل في المدارس، فهذا من شأنه إدخال قيمة الوئام والعيش المشترك وتقبل الآخر من ذوي الديانات المختلفة ومفاهيم المواطنة إلى أذهان الناشئة. وطبيعي أن ذلك يستدعي دعم المدارس بما تحتاجه من مواد منهجية وغير منهجية مساعدة تأخذ بالاعتبار التطور التقني في مجال إيصال المعلومات.
4 - كما أنّ المساجد والكنائس وعموم دور العبادة مدعوّة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تجاوز ذلك التهكّم الشعريّ لأبي العلاء المعريّ حين قال:
في اللاذقية فتنة... ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوسٍ يدق... وذا بمئذنةٍ يصيح
كل يُعَظِّم دينه... يا ليت شعري ما الصحيح
فمنابر العبادة تكون رافداً لهذا الوئام بترشيد الخطاب الدينيّ، ذلك أنّ مصدر الأديان السماوية واحد، والأصل في العلاقة بينها هو الوئام كمقصد إلهيّ جوهريّ من هذا التعدد الدينيّ عملاً بالحكمة «لولا الوئام لهلك الأنام».
5 - إنّ هذا الأسبوع يؤكد رفض العالم لكلّ فكر متطرّف، ويدعو عواصم الدنيا إلى أن تكون حواضر وفضاءات للحوار والتعايش أساسه الحكمة والموعظة الحسنة. وإن مُدُناً عديدة في العالم، والعالم العربي خصوصاً، تتعانق فيها أصوات المؤذنين مع قرع أجراس الكنائس لتعزف سيمفونية عنوانها الوئام ومزاجها عينا يشرب منها العالم الاحترام والتعايش.
لذلك فإنه، وكما قال بان كي مون: «تقع على عاتق الزعماء الدينيين والثقافيين سواء على المسرح العالمي أو داخل مجتمعاتهم، مسئولية الحديث بلغة التسامح والاحترام». فإلى أي مدى يمكن أن يساهم المثقف ورجل الدين في هذا الحوار الذي لا نريده ترفاً فكرياً، بل عملاً مسئولاً يهدف إلى التقارب الفعليّ.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3804 - الإثنين 04 فبراير 2013م الموافق 23 ربيع الاول 1434هـ
صح لسانك يا استاد
من المهمّ أن نُحيِي هذا الأسبوع العالميّ بعقد المحاضرات التوعوية والندوات التثقيفية، لكن على ألا يكون في القاعات المرفّهة وفي مجالس النخبة فقط، بل في المدارس، فهذا من شأنه إدخال قيمة الوئام والعيش المشترك وتقبل الآخر من ذوي الديانات المختلفة ومفاهيم المواطنة إلى أذهان الناشئة. وطبيعي أن ذلك يستدعي دعم المدارس بما تحتاجه من مواد منهجية وغير منهجية مساعدة تأخذ بالاعتبار التطور التقني في مجال إيصال المعلومات.
شكرا على المقال جاء في موعده
أكرمنا الله هذا اليوم بان سخر لنا قلمكم فكتبتم ما كتبتم وافدتم وان كنت اختلف معكم في سبب أبيات الشعر التي نظمها المعري .وفقكم الله وزادكم توفيقا من لدنه وهيا لكم من أمركم ما يسعدكم ويزيدكم إشعاعا وتألقا
منابر العبادة تكون رافداً لهذا الوئام
كم كنت أتمنى لو قرأ الأئمة هذا الأسبوع كله في صلواتهم الجهرية بآيات معبرات عن التصالح والوئام بين الأديان
الأمم المتحدة لن تفعل لقضايانا شيئا
لا تدّخر الجمعية العامة للأمم المتحدة جهداً في إطلاق المبادرات النوعيّة أو تبنّيها من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في العالم
1 - 7 فبراير... أسبوع الوئام بين الأديان
موضوع رائع شكرا
ما أجملها أبيات
في اللاذقية فتنة... ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوسٍ يدق... وذا بمئذنةٍ يصيح
كل يُعَظِّم دينه... يا ليت شعري ما الصحيح
لاندافع باستخدام العنف
ولعل الإساءة إلى مقدّسات الإسلام في العقدين الأخيرين كانت أشدّ المواضيع إثارة للرأي العام المتديّن، وقد دفع تنامي الإسلاموفوبيا الملحوظ المسلمين إلى الدفاع عن عقيدتهم باستخدام العنف في أحيان كثيرة.
حقا وئام بدل تصادم
اختيار مصطلح الوئام بالغ الأهمية؛ فهو في اللغة التوافق في العمل والسلوك، إذ انّ الوصول إلى الوئام يقتضي المرور بالحوار والفهم والتفهم والتفاهم، وفيه إقرار بالحق في التعايش في ظل الاحترام المتبادل.
الزعماء الدينيين والثقافيين
فعلا لهم دور عظيم ليتهم يضطلعون به
شكرا على المقال