يبقى الرأي رأياً، لا يُمكن لأحدٍ مصادرته؛ لأنه مُلكٌ لصاحبه، فلا يجعله حَجَرَ نَرْدٍ بيد أحد. وكما قيل، فإن الذي لا رأي له، يكون رأسه كمقبض الباب، يستطيع أن يُديرَه كلُّ من يشاء. كما أننا يجب أن نؤمن، بأن الحياة هي مجموعة من النِّسَب، لا يمكن لأيِّ واحدة منها أن تنال كمالاً مطلقاً. وقد قال علي بن أبي طالب «اضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّد مِنْهُ الصَّوَاب».
وإذا ما كان ذلك الرأي متعلقاً بأمر مهم كالمشكل الطائفي المقزز الذي يعيث فساداً في عالمنا العربي والإسلامي؛ فإنه يصبح أكثر أهميةً بضرورة أن يتبناه المرء. والحقيقة، أن أزمة الحكم في بعض بلداننا التي باتت تُستعمل فيها الأدوات المذهبية بقوة من قِبَل أنظمة سياسية عرجاء مُتَصعلِكَة، هي جديرةٌ بأن تُبحَث لكي نقيم مراجعات سياسية وفكرية عميقة لأفهامنا، فنعيد تصويب المواقف، فلا نقضي سَحَابَةَ عمرنا ونحن نكابد حالنا.
وربما تأتي في طليعة تلك المراجعات السياسية والفكرية؛ الشعور بالآخر الذي يتساكن معي الوطن والثروة والدولة، من خلال الإحساس بألمِهِ فينا.
فأقرب موارد العدل، القياس على النفس، كما قال جمال الدين الأفغاني. وهذا الشعور يتجلَّى في عصرنا الحالي، في المشكل الطائفي، الذي استفادت منه بعض أنظمة الحكم على حساب علاقاتنا مع بعضنا بعضاً في الدَّم وسِلمنا الأهلي.
ما أعنيه من هذا الكلام هو أن تُدرِك «طائفتا الشيعة والسُّنَّة»، أنهما لن تصِيغَا مستقبليهما إلاَّ من خلال شعورهما ببعضهما، عبر تحسُّس الآلام المشتركة. يجب أن يفهما، أن رعاية السُّنة للشيعة، يعني أن السُّنة يبنون لأجيالهم مستقبلاً أكثر أمناً واستقراراً. وكذلك الحال بالنسبة إلى الشيعة.
أما إذا فعلوا العكس، فعليهم ألاَّ يترقبوا خيراً مِمَّن أوقعوا فيهم الظلم.
لا يعتقد الشيعة ولا السُّنة، أنهم في يوم من الأيام، سيصبحون ظَهْراً لأنظمة حاكمة، حتى ولو ادَّعَت التشيُّع والتسنُّن، فحدود انتماء الأديان والمذاهب إلى الدول لم يعد كالسابق. وأن ثقافة «واإسلاماه» لم تعد حاضرة. وأن الشعور بـ «لو أن شاةً هَلَكَتْ ضياعاً في شاطئِ الفرات لخِفتُ أن أُسألَ عنها» لم تعد قائمة، وإلاَّ لانتصر المسيحيون للمسيحيين على ما وقع عليهم من حَيفٍ في العراق وسورية. ولانتصر المسلمون للمسلمين المذبوحيْن في ميانمار. هذه الادعاءات كلها هراء.
إذاً، لم تعد الحكومات ولا الأنظمة، تشكل ضمانة أمنية ومستقبلية لشعوبها بالدرجة الأولى، بل إن ما يضمن للشعوب اليوم حقها في العيش بسلام وبحقوق كاملة، وتأمين مستقبل آمن، هي التضامنيات الاجتماعية، التي قامت عليها البشرية في سنواتها الأولى. وعندما تتشكل مثل هذه التضامنيات، تصير المشتركات أكثر قرباً لبعضها لصياغة دولة (وليس نظام حكم) من خلال رابط اجتماعي أوسع وأكثر تمثيلاً وتعاضداً.
حين يُقمَع السُّنة، من نظام يدَّعي انتماءه إلى التشيُّع، فعلى الشيعة ألا يصدّقوا أن قمعه ذاك هو من أجلهم، وبالتالي عليهم أن يَهبُّوا إلى نصرة مَنْ وقَعَ عليهم الحَيْف، ومحاربة فاعله حتى ولو كان من لحمتهم الدينية والمذهبية. وإذا ما قُمِعَ الشيعة، من نظامٍ يدَّعي الانتساب إلى التسَنُّن، فعلى السُّنة ألاَّ يُصدِّقوا أنه يفعل ذلك من أجلهم، وبالتالي عليهم محاربة الجرم وفاعله، حتى ولو انتمى صاحبه إلى طينتهم وإلى دماء عروقهم.
إذا وُجِدَ منكم حكَّامٌ ظَلَمَةٌ متغطرسون فاعلموا أنهم ليسوا سُنَّة ولا شيعة؛ لأنهم ظَلَمَة وحَسْب. وإذا صار منكم سياسيون فاسدون فلا توفِّروا لهم الغطاء؛ لأنهم فاسدون وليسوا منكم. وإذا مارسَ أحدٌ منكم التعذيب والقتل والتعدِّي فسارعوا قبل غيركم لتقديمه إلى العدالة؛ لأنه بذلك لا يُدافع عنكم، بل يُورِّطكم، عبر تشويه سمعتكم أمام إخوتكم وأمام العالم الخارجي، ويُلوِّث اسمكم في بطون كتب التاريخ وتدويناته. بل هو يصنع لكم مستقبلاً مُقلِقاً، ولا يمنح أبناءكم الأمن؛ لأنه يزرع الحقد عليكم عندَ مَنْ ظلَمَهَم، وقَتَلَهم وعَذَّبهم وأهانهم.
وإذا وَجَدتُّم عالِمَ دينٍ يشتم غيركم من مذاهب المسلمين، فاعلموا أنه لا يُدافع عن صحيح عقيدتكم، ولا يشفي غليل صدوركم بالتهكُّم واستجلاء الصواب، بل هو يجرُّكم نحو صدور ملتهِبة، وأبدانٍ متوثِّبة، وقبضَات أيدٍ مرتجفة، وقلوب محروقة، وأعينٍ ترمي الشَّرر، وحناجر ترنو إلى الزئير بوجه ظالِمها، ومُنتهِكِ حرمتها ممن يدعي الانتساب إليكم، فاحذروا هؤلاء، وأنزلوهم بأيديكم من على منابركم التي هي مُلككم، وليست مُلكاً لمَنْ يريد أن يُورِّطكم ويورط أبناءكم.
كل الأنظمة التي استخدمَت طوائف وقوميات شعوبها، وأوهمتهم بالنصرة لها ضد آخرين في داخل الوطن أو خارجه، ارتدَّ عليهم الحال، وأصبحوا ضحايا سياسات تلك الأنظمة القمعية، التي لم تكن تبتغي سوى استخدامهم لتحقيق أغراض سياسية. وربما فهِمَ الشعب الألماني، أن اغتصاب أكثر من مليون امرأة ألمانية بعد دخول الحلفاء إلى برلين بعد الحرب العالمية الثانية (وهو جرمٌ مشهود) كان نتيجة تهوُّر النازيين في قتلهم وأسرهم وإهانتهم للسوفيات والبريطانيين والفرنسيين في الجبهات والمعسكرات.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن يلتفت إليها الشيعة والسُّنة جيداً. وهي حقيقة تؤكدها وتثبِّتها حوادث التاريخ ومنطق الأشياء. و»مَنْ لم يصل إلى حيث دفعه قلبه وسمح له عقله فهو أحمق» كما قال الشاعر الألماني هاينرش هاينه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3803 - الأحد 03 فبراير 2013م الموافق 22 ربيع الاول 1434هـ
صح لسانك
كل الأنظمة التي استخدمَت طوائف وقوميات شعوبها، وأوهمتهم بالنصرة لها ضد آخرين في داخل الوطن أو خارجه، ارتدَّ عليهم الحال،
وإذا وَجَدتُّم عالِمَ دينٍ يشتم غيركم من مذاهب المسلمين، فاعلموا أنه لا يُدافع عن صحيح عقيدتكم، ولا يشفي غليل صدوركم بالتهكُّم واستجلاء الصواب، بل هو يجرُّكم نحو صدور ملتهِبة،
هذا اذا جاز لنا ان نسميه عالِمَ دينٍ فربما الاصح ان يكون عالِمَ دنيا الانظمة
كلنا أخوان في الدين
مقال رائع يعطيك الله العافية
يتبع تعليق الزائر 7
والفئة المستضظعة هي المجموعة التي تتلقى أشد أنواع العذابات والاضظهاد وعرضه لامتهان كرامتها لا لنوعية مذهبيها وديانتها أو لون بشرتها أو لغتها إنما لكونها ترجع أصلها إلى الارض نفسها وهي أكثر الفئات عدداً
سياسية فّرق تسد
أنها السياسة الاستعمارية التي تتخذها الانظمة الظالمة ومنها الانظمة العربية المستبدة حيث تقسم المجتمع الى فئات ومجموعات مذهبية أو مناطقية أو أثنية حيث يضمن تلك التقسيم ضعفها بإستمرار في لأجل الاسرة الحاكمة السياسية بحيث تقوم بالتمجيد بأنها مختارة من الخالق سبحانه وتوهيم أصحاب الفكر المتواضع بأنها أساس الاقتصاد وكل أسباب الحياة في المجتمع لذا كل الحكومات الظالمة تتميز بوجود على الاقل ست فئات لا تقوم على أساس الكفاءة وهم الاسرة الحاكمة والمتسلقين والتجار وظالمي أنفسهم والعمال والمستظعفين...يتبع
اليوم مقالك في الصميم
نشكرك اليوم على أنتباهك مع تسليط الضوء على الفتنه البغيضه التي روجى لها في وطننا الحبيب من قبل المتمصلحين وبعض رجال الدين المتمصلحين والعاءشين على فرق تحصد ولكن أذا شاالله وبوعي شعب البحرين لن ولن يحققوا ماربهم وحتى لو حصلوا على الدعم من الحكام كما ذكرت في مقالك والله ينصر شعب البحرين على كل من يتربص بهم.
مقال رائع
ما أحوجنا إلى الوعي بخطر الطائفية
تشكر أستاذنا العزيز
ابو حسين
المسلم النظيف من حقد على الاخرين بعيد كل البعد عن العنصرية والطائفية
البغيضة حتى من يختلف معك فى العقيدة والدين فهو في النهاية انسان خلقه
الله ويجب على المسلم الصافي القلب من الحقد والكراهية كما قال الامام علي عليه السلام الناس صنفان اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ياخي العزيز لاتقبل بظلم الاخرين بمجرد ان يختلف مهك مسلم او غير مسلم وتنسبه العمل الى الاسلام
الدليل أن السلطة لا يهمها شيعة و لا سنة
أقدمت السلطة على غلى إثارة الشيعة ضد السنة بهدمها دور عبادتهم، و ببعض الخطباء من أجل أن يكون هناك رد مماثل من قبل الشيعة ضد السنة بل ربما مواجهات تؤدي إلى قتلى، لو لا وعي قادتهم و وعيهم الذي أفشل مخططهم، و لو حدث بما أرادت السلطة و هو وجود مواجهات بين الجانبين لجعلتهم يقتلون بعضهم بعضا و هي تتفرج لتبين للعالم أن المشكلة بين مكونات الوطن و بالطبع الخسارة ستكون من الجانبين.
هذا ما يحدث الن في البحرين
سلمت اناملك
القاعدة وجدت في العراق واحتضنت لأسباب طائفية
بعد ان فتحوا اراضيهم لغزو العراق ر الاطاحة بصدام جن جنون البعض حين لاح في الأفق ان الأغلبية ستحكم اذا ما اعتمد الديمقراطية كمحدد للحكومات فجلبوا القاعدة وعاث الغريب الزرقاوي فسادا بضيافة اهل الأنبار وورث أغراب بعد هلاكه قيادة التنظيم الإرهابي و كلهم يعلنون نيتهم قيام دولة سلفية في العراق و تأثر عراقيون بفك هما فأخرجت تحت اي يهم مجاميع يحمل ولواء الطائفية واستمر مسلسل المفخخات وسط الأبرياء وزادت حجو آت وجبة الغداء في الجنة مع النبي كما أوهم المنتحرون
بحريننا
هذا ما يجري في البحرين بالضبط
في الصميم
جبتها في الصميم . خلهم يسمعون عاد
كلام منطقي
كل الأنظمة التي استخدمَت طوائف وقوميات شعوبها، وأوهمتهم بالنصرة لها ضد آخرين في داخل الوطن أو خارجه، ارتدَّ عليهم الحال، وأصبحوا ضحايا سياسات تلك الأنظمة القمعية، التي لم تكن تبتغي سوى استخدامهم لتحقيق أغراض سياسية.