كثر الحديث عن الحوار في الصحافة والمجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعددت الآراء فيه، وأكثر الناس يعتقدون أن الحوار الجاد مطلب ضروري وملحٌّ لحل الأزمة السياسية في البلاد، لكنهم في الوقت نفسه يقولون إن الحوار الذي يقام من أجل الحوار قد يعقِّد الأزمة ويزيد في تأزيمها.
ولهذا نجد أوروبا وأميركا وروسيا والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، نادوا مراتٍ بحوار جاد بين النظام والمعارضة. فالكل يعلم أن القضية حساسة جدّاً ولا تقبل التأخير أو المماطلة. فكل وقت وجهد يهدر بعيداً عن حل الأزمة ليس في صالح الوطن. وجلُّ هذه الأطراف ترى أن الحوار أو التفاوض إذا لم يجرَ بين أطراف الخلاف ويقصدون النظام والمعارضة، لن يكون مجدياً ولن يساهم في حل الأزمة بالصورة التي تحقق طموحات الشعب. أما القول بأن الحوار هو استكمال لحوار التوافق الوطني في الشق السياسي، الذي قالت قوى المعارضة عن توصياته وما تمخض عنه من قرارات ليس متوافقاً عليها بين الأطراف المعنية؛ لغياب القسم الأكبر من المعارضة، ولعدم موافقة بقية المعارضة الحاضرة عليها ثالثاً. والكل يعلم حجم المعارضة في الساحة السياسية، والأرقام التي حصلت عليها في انتخابات 2010 خير شاهد على أنها هي الكتلة السياسية الأكبر في البحرين. ألم تحصد 68 في المئة تقريباً من المجموع الكلي للمقترعين؟ فالمسألة لا تحتاج إلى عمليات حسابية صعبة، والقول إن الجمعيات السياسية العشر الأخرى يجب أن يكون لها العدد الأكبر من المشاركين في الحوار، مسألة تثير الدهشة كثيراً. فالمسألة لا تحسب بهذه الطريقة، فليس عدد الجمعيات هو المعيار؛ وإنما المساحات السياسية التي تتواجد فيها جماهيرها، فلو كانت الجمعيات العشر لا تمتلك إلا 20 في المئة من الجماهير، وفي المقابل تملك إحدى الجمعيات الست المعارضة أكثر من 60 في المئة من الجماهير؛ أيعقل أن يطلب مساواة العشر بالواحدة في الخلافات السياسية؟ أو يقال إن العشر لها النصيب الأكبر في اتخاذ القرارات؟ هذا منطق لا يقبله العقلاء، لهذا قالت قوى المعارضة إن الحوار يحتاج إلى نظرة جادة بعيداً عن المؤثرات النفسية والعصبية غير العاقلة. ولابد أن ينظر إلى كل هذه التفاصيل والحيثيات، أما تجاهلها أو الالتفاف عليها فلا يغيّر من الحقيقة شيئاً.
سيبقى جمهور المعارضة العريض مترقباً ومرحباً بكل نتيجة إيجابية توجد له حياة كريمة بكل معانيها الراقية، حتى لو حاول جمهورها نسيان حجمه الطبيعي في الساحة السياسية؛ لن يتمكن نسيان عمق الأزمة وتداعياتها الخطيرة التي أصابته في رزقه وجسده ونفسه وحياته وفي مساجده. فما حدث للناس من انتهاكات كبيرة وقاسية جدّاً، أدمعت عيون الإنسانية وأدمت قلوبها. وكان ممكناً ألا يحدث ما حدث لهم، لولا تحرك جهات رسمية وشبه رسمية باتجاه التصعيد منذ بداية الأزمة.
والجمعيات العشر، لم تستطع أن تكون حياديةً في مواقفها يوماً، فلهذا نجد قوى المعارضة تشدد على إيجاد حوار جاد بين طرفي الخلاف الحقيقيين، يعيد إلى إنسان هذا البلد الطيب إنسانيته وعزته وكرامته، ولا تريد حلولاً ترقيعيةً تتفتق بعد سنوات قليلة. إنها تريد حلاًّ ناجعاً للأزمة، ويستفتى الشعب بكل حرية في المطالب المختلف عليها، ولابد من وجود ضمانات يطمئن لها الناس، تتحقق من خلالها جميع المطالب السياسية والوطنية المشروعة، التي لا يختلف على أحقيتها أحد في العالم الديمقراطي.
وقد أثبتت المعارضة بمختلف توجهاتها عبر مبادراتها العديدة؛ أنها تطلب حل الأزمة منذ بدايتها بالطرق السلمية، فهناك فرق بين الترحيب المبدئي بالحوار وقبول المشاركة فيه، فالأول قد لا يحتاج إلى مقدمات وإنما إلى توضيحات، أما الثاني فلابد أن تكون له مؤشرات واضحة يراها جميع الناس على الأرض. وكذلك معرفة أجندات الحوار وأساليبه وآلياته والجهات الممثلة فيه، فإذا ما توافرت متطلبات النجاح؛ تكون أول المشاركين، أما إذا لم تتوافر هذه المطالب الأساسية، فسيعوقها بسبب عدم جديته، ولن يعتب على المعارضة أحد، إذا ما قالت رأيها بكل صراحة في حوار عاجز عن تقديم حل موضوعي. كما لن يختلف معها أحد إذا ما طلبت تفاوضاً جادّاً مع النظام لإخراج البلاد والعباد من الأزمة؛ فهي لا تفكر في غالب ومغلوب في أي حل تطالب به، بل تعتبر أي حل يحقق مطالب الشعب فوزاً للوطن بكل مكوناته المذهبية والطائفية والعرقية. وترى أن الحل الذي يبخس حق فئة أو مكون؛ صغيراً كان أم كبيراً، لا يحقق العدل والمساواة بين الجميع، ويورث الفساد المالي والإداري والاجتماعي، ويوجد التمييز ويحرم البلاد من الاستفادة من جميع إمكانياتها البشرية الوطنية الخلاقة، كما حدث للأطباء المتميزين الذين استغنت وزارة الصحة عنهم.
نريد وطناً يكون فيه الأمن للجميع، وتكافؤ الفرص والمواطنة الحقيقية للجميع، والشعب هو مصدر السلطات، ويشعر المواطن بإنصاف القانون له، ولا أحد فوق القانون. وهي كلها مطالب ضرورية في وقتنا الحاضر.
من المؤكد أن مطالبة المعارضة المتكررة بالحوار الجاد؛ جعل العالم يتفهم مقصدها الوطني والديمقراطي، وأخذ يطالب معها بتحقيقه على أرض الواقع.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 3803 - الأحد 03 فبراير 2013م الموافق 22 ربيع الاول 1434هـ
ذكرتنى بالغوص لول
النهام (بس) لين كال هيييه يا يبا .....يا يبا البحاره بعده كا لو هيييه
وليس العكس