ليس عنوان رواية حالمة ذلك الذي يتصدّر هذا المقال. وليس ذهاباً إلى رومانسية في الوقت الذي يبدو ضائعاً؛ أو يُراد له أن يكون ضائعاً لا أثر يدلّ عليه. في توضيح لا أحتاجه، لا أُعيد تدوير ما يكتبه سواي، بطريقة أو أخرى. كلام الناس الذين يتمنّون أن يتبنّاه كتّاب كثيرون، حق لهم ولديهم مئات وآلاف من أولئك الكتّاب الذين أحبّهم كلما التصقوا بالناس وتبنّوا آلامهم وآمالهم. وأزعم أنني لست في منأى عن أولئك، ولكن بطريقتي الخاصة. ما أشتغل عليه يتحدّد في تفكيك المفاهيم وإعادة تركيبها؛ لا بلغة الحالم، الشاعر، المرفّه؛ ولكن بلغة تدّعي إعطاء العمْق قيمة وتسجيل أثر له. ذلك أمر، أمر آخر يرتبط بالعنوان نفسه: لصوص المستقبل. هل حضر المستقبل في واقع بشر يعانون من غيابه، ومن ثم لا يمكن الاشتباه في مثل ذلك الغياب كي تتم سرقته؟ ثم ما هي مؤهلات أولئك اللصوص الذين لا مستقبل لهم كي يتحرّكوا نحو سرقة المستقبل؟
المفاهيم اليوم ملقاة على الأرصفة، يمرُّ عليها الناس كما يمرُّون على الأشياء المهمَلة؛ ولو كانت تحوي أهمية وتحديداً لمسار حيواتهم. المُهمَل هناك. وكثير من
المُهمَل تُمارس عليه حالات من النكران وعدم اللامبالاة. ذلك ما يؤدّي بنا - في كثير من الأحيان - إلى الدخول في طقوس ندم لا تنتهي على ذلك الإفراط والتفريط في عديد من تفاصيل وأمور حياتنا.
لصوص المستقبل اليوم، هم أولئك الذين يقدّمون لنا الحاضر باعتباره النسخة التي لا توجد أخت لها، وباعتباره احتكاراً لهم من بين أمم وشعوب الأرض. يقدّمونه هكذا، وكأنهم هم الذين اخترعوه وأوجدوه، والقادرون على مسْخه ومحْوه وإرساله إلى منفى هم يختارون حجمه ومواصفاته!
ليس نزوعاً إلى خيال مثل تلك الرؤية والطرح. ذلك أقل بمراحل مما يتم التعامل معه في حاضر الناس المختطف، أولئك الذين يتم وعدهم بالمستقبل، بين من وعدوا به لسنوات ضوئية، عدا الذين ينتظرون مثل ذلك الوعد.
من بين لصوص المستقبل اليوم الذين يزيّنون لهم أن الماضي مستقبل، والحاضر مستقبل لما بعد مراحل. والمستقبل نفسه محاولة لإلهاء الناس في البحث عمّا يشغلهم عن ماراثون الركْض وراء الرغيف وأحياناً اللهاث من أجل تافه التفاصيل. أولئك هم اللصوص الذين يحرمون الناس حقهم في أن يعرفوا ويدركوا ويحتجّوا؛ وأحياناً يتناولوا حقهم في معرفة ملامح ومواصفات وحقيقة ذلك المستقبل، ويتمّ التعامل معهم كأشباح وتكملة عدد وأثاث تحتاجه الأوطان لتمرير عضويتها في المنظمات الدولية ولجانها!
لصوص المستقبل، أولئك الذين يجنّدون مكنة إعلامية مرعبة وباذخة وساذجة في الوقت نفسه؛ لإقناع الناس والوصول بهم إلى الإيمان بأن معرفة جحيم خير من جحيم قادم من وراء الحدود لا يعرفونه! كأن الجحيم الوطني جنّةٌ تم إساءة فهمها والتقوّل والافتئات عليها! لصوص المستقبل أولئك الذين لا يكتفون باحتكار وحبس وحجز غد الناس؛ بل العمل على أن يكون خادماً لحاضر الذي يعدهم بالمستقبل؛ فيما هم بلا حاضر وتم مسح ماضيهم من كل ذاكرة؛ بدءاً بذاكرة المكان؛ وليس انتهاء بما تبقى من ذاكرتهم.
لصوص المستقبل، أولئك الذين لا يعبئون بواقع وحقيقة من يحيوْن على هامشهم، هذا إذا تركوا لهم هامشاً. حتى الهامش يظل رصْد اهتمامهم، لفطنة نادرة تتلبّسهم، مفادها، أن من هوامش كثيرة يتم احتلال واحتواء متون!
لصوص المستقبل الذين يعمدون حتى إلى الألوان ويعيدون تسمية مواصفاتها وترميزاتها ومؤدّاها ومآلاتها. لا يريدون أن يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوْها ضمن ما يحصونه من أنفاس الناس؛ أو ما تبقى من تلك الأنفاس!
لصوص المستقبل أولئك الذين يجدون في حريات الناس قيوداً يجب أن تُكسرَ على رؤوس الدّاعين إليها، ويجب تأهيلهم في مصحّات من نوع تُصعق أمامه ملائكة نزع الأرواح. ولصوص المستقبل كل من وما يدل على تنغيص البسيط من فرح الناس ورفاهيتهم الطارئة والنادرة.
لصوص المستقبل، أولئك الذين يتجاوزون التحرّش بحاضر الناس، وصولاً إلى تحويل أمكنتهم نسخة مصغّرة عن جحيم يُعدّونه ويسهرون على إنشائه وتأبيده. لصوص المستقبل أيضاً أولئك الذين يجدون في فرح الناس عزاء، وفي عزائهم فرحاً، وفي نعيمهم بؤساً، وفي بؤسهم نعيماً، وفي عافيتهم مرضاً، وفي مرضهم عافية، وفي غناهم فقراً، وفي فقرهم غنى، وفي بأسهم ضعفاً، وفي ضعفهم بأساً. كل ما يتمنونه من النقيض واشتقاقاته لا يكتفون برؤيته والتعامل معه؛ بل يحرصون على أن يكون قائماً وماثلاً وشاخصاً.
لصوص المستقبل، أولئك الذين يتغذّوْن من ضرْع الكراهية، ولا يروْن بُدَّاً من أن يُشيعوا الكراهية في أزمنة وأمكنة البشر الذين تورّطوا بالتواجد في محيطهم.
لصوص المستقبل يريدون لمن وما حولهم أن يكونوا ساذجين وغائبين كي يكونوا ممثّلين للحضور الذي من دون شك لن يشعر بقيمة حضوره بتمثيل كذاك، ومتحدّثين باسمه بمثل تلك المواصفات الخارقة للعادة!
لصوص المستقبل، يريدون أن يكونوا هم الثقل وغيرهم الرافعة لذلك الثقل، في امتهان واستفزاز وسذاجة أيضاً لا تغيب عن ذي لُبّ.
لصوص المستقبل أيضاً لا يعدمون اختراع أنهم أصل الجاذبية والمتحكّمون في مساراتها وفيزيائها، وعلى من هم دونهم - كما يرون - أن يكونوا خاضعين لنظامها الذي اخترعوه، ولا مهرب من الإذعان والتسليم له.
باختصار، لصوص المستقبل لم يعرفوا أمانة وقت أو زمن أو الارتعاش أمام التفريط في حق؛ على العكس من ذلك، يشعرون بتلك الحال (الارتعاش) حين يوفون بالعهود، من دون أن يكون لهم خيار في ذلك!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3803 - الأحد 03 فبراير 2013م الموافق 22 ربيع الاول 1434هـ
حسبي الله ونعم الوكيل
الله يهديهم ياررررررب
وحسبي الله ونعم الوكيل
الخابوري
معروفين لصوص البلد
المستوردين من الخارج يا استاذي الفاضل
لان بصراحه يعيشون بانانيه
هؤلاء يظنون ان الماديات اهم مكسب ويحميهم من الكوارث والبلايا ولكن يمكرون ويمكر الله