الحياة، محطة قطار، مقاعد انتظار، ابتسامة مضيّفة جميلة، أو تجهم مسافرِ مرافق! عناق زوجين ومبادرة صداقة، عائدون وذاهبون بين محطات ترانزيت قد تستوقفك طويلاً أو تكون كشرب الماء في ثوانٍ تلقائية! هذا ما استشعرته بعمق ويدي عالقة برواية للكاتب البرازيلي/ باولو كويلو بعنوان «حاج كومبوستيلا» التي صاغت أحداثها تجربة سفر ثرية بما حملته من تجارب لم تهشمها هواجس اليأس وعواصف الإحباط.
«رحلة سان جاك دي كومبوستيلا» تحمل القارئ ليبحر بمجاديف مشوقة داخل إنسانيته تجاه بوصلة لاستكشاف الذات وبعيداً عن الخوف من الموت ونسج حكايا الرعب من العالم الآخر، إذْ إن كنز الحياة كلها لا يحتاج إلى خارطة مطمورة في الرمل وأسهم توجيهية بقدر ما يحتاج إلى مفارقة بين النور والعتمة والأصدقاء والأعداء تجعل المرء يستطعم وجبة حياتية من خبرة بديهية وخالية من الترف الذي يفقدها فيتاميناتها.
مسيرة طويلة يأخذنا باولو إليها ومغامرة نحو المجهول لا ترافقه إلا وحدته بين خلجات مبعثها الصمت والانفعال والتفكير المونولوجي والحوار مع مرشده بطرس بكثير من المحبة ومداد من الطاقة والجسارة. يمكن للقارئ أن يستلهم توغلاً أسطورياً بين السطور عمقته تجارب كثيرة أهمها نقوش عميقة من معنويات الحب والموت والألم تجيء في قالب رصين وبغير وقار متكلف بالتمجيد والزيف كون هدف الرحلة لا يتربط بزمن معين أو سن أو عرق ومذهب.
يقول باولو «على أية حال إن كل شخص على الأرض يلعب دائماً الدور الرئيس في سيرة العالم وهو لا يدري»، ونستطيع أن نجعل من صعوبات السفر فرصة ثمينة لإضفاء الكثير في حياتنا منتشين بالشغف وتجديد الروح. بينما يقول برنارد شو «لا أحب الشعور بأني في الوطن عندما أكون خارجه»، إذْ قد يكون السفر فرصة لقاء مكتنز بالأمل تنشل خطاه ندوب الألم وتضمدها بكسر الروتين ومصادفات والتقاطات موسومة بظلها المضيء على الذاكرة.
العدد 3801 - الجمعة 01 فبراير 2013م الموافق 20 ربيع الاول 1434هـ