العدد 3801 - الجمعة 01 فبراير 2013م الموافق 20 ربيع الاول 1434هـ

إطلالات على النظريات اللسانية والدلالية في النصف الثاني من القرن العشرين

تحتاج البحوث اللغويّة العربيّة، كي ترتقيَ بلغة الضاد، إلى الانكباب على التراث اللغوي العربي فهماً وفحصاً واستلهاماً، ولكنها تحتاج كذلك إلى الانفتاح على الأفق اللساني الغربي الذي تعددت فيه الإسهامات وكثرت فيه المقاربات، وتداخلت مباحث العلوم اللسانية مع سائر العلوم الإنسانية كالفلسفة والمنطق والأنثروبولوجيا وعلم النفس، والعلوم الاجتماعية كعلم الاجتماع والعلوم القانونية والاقتصاد والعلوم السياسية والعلوم الطبيعية كالبيولوجيا وعلم الأعصاب والعلوم الصّلبة كالرياضيات والفيزياء والحاسوبيّة.

ولقد تبيّن أنّ اللغة البشرية مؤسسة واسعة تشمل مناحي الحياة المختلفة، وتتقارب الألسنة وتتباعد أنظمتها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية، وتنشأ بينها علاقات أسرية (العائلات اللغوية: الهندأوروبية، السامية، الجرمانية، وغيرها) أو الشبه العائليّ (بالمفهوم الذي طوّره الأستاذ عبدالرزاق بنور، وقوامه التناظر بالجملة والتناظر بالتفصيل)، أو علاقات تنشئها عوامل احتكاك الألسن بسبب التقارب الجغرافي أو تداول السنن عند الجماعات اللغوية المزدوجة اللسان، وغيرها من العلاقات بين اللغات والألسن واللهجات.

ولعلّ إسهامات الباحثين العرب المعاصرين في قطاع اللسانيات مازالت في معظم الأحوال لا تتجاوز النقل والتعريف والترجمة، بل إنها أحياناً تُنبئ عن ضعف مكانة هذا العلم وانحداره في سلّم اهتمامات الجامعات والمراكز البحثيّة.

ولعلّ بعض الجهود الأمينة والجادّة التي تبذلها جهات عربيّة غيورة على البحث اللساني، هي التي تُتحفنا بين الآن والآخر ببعض الكتب المفيدة التي تُقيم الحجّة على أنّ إمكانية الإفادة من اللسانيّات عربيّاً ممكنة، وإن لم نغادر حقل التجريب العلميّ المعزول إلى واقع الحياة ونبض المجتمع، إلا قليلاً.

وفي هذا السياق يمثل كتاب (إطلالات على النظريات اللسانية والدلالية في النصف الثاني من القرن العشرين) الصادر عن المجمع التونسي للفنون والآداب بيت الحكمة تونس، في مجلدين، ضمن السلسلة التي وضعتها مؤسسة بيت الحكمة بتونس عملاً رائداً على صعيد العالم العربي وأداة علمية بيد الباحثين وعامة المثقفين وهو يسد ثغرة في المكتبة العربية التي ظلت تفتقد، عكس الألسنة الحية الأخرى، مختارات معربة من أهم النظريات اللسانية التي سيطرت على النصف الثاني من القرن العشرين تمكن من رسم صورة ثابتة لمجال معرفي تميز بكثرة النظريات وتنوعها وتحرك الحدود الفاصلة بين الاختصاصات وتداخلها. ويشتمل الكتاب على 28 نصاً أصلياً بالفرنسية والإنجليزية بعضها مأخوذ من مصنفات مشهورة ومتوفرة وبعضها مأخوذ من كتب ودوريّات يعسر على الباحث العربي الوصول إليها بلغتها الأصلية فضلاً عن تعريبها مثلما يصعب على المؤسّسات الحصول على إذن بترجمتها. ولذلك استغرق إنجاز ترجمتها وإخراجها أكثر من ست سنوات. قام اختيار هذه النصوص على مبدأين متضامنين أولاً أهمية التيارات المؤثرة في علوم اللغة على الصعيد العالمي، وهي بحسب اجتهاد المشرف عزالدين المجدوب البنيوية والتوليدية والتداولية والبحث المعجمي المحوسب. ثانياً مدى اتصال هذه المدارس بالتراث النحوي واللغوي العربي. لذلك فإن هذه المفضليات مختارات معربة من النظريات اللسانية والدلالية بعيون عربية.

واشتملت هذه المنتخبات المعربة على مقدّمة عامّة قدّم فيها المجدوب التحولات الأساسية في النصف الثاني من القرن العشرين وفهرساً اصطلاحياً ثلاثيّ اللسان (عربي - فرنسي - إنجليزي) وتشمل قائمة الأعمال المترجمة «مبادئ في اللسانيّات العامّة مقتطفات من الفصل الأول والثاني» لأندري مارتيني وقام بترجمته عزالدين المجدوب، «مبادئ في علم الإعراب البنيوي» في التعلّق والبناء للوسيان تانيار وترجمه الصحبي البعزاوي و«البنية المنطقية في النظرية اللسانية «المقدّمة لنعوم تشومسكي وترجمه منصف عاشور. وغنيّ عن البيان أنّ جانباً كثيراً من هؤلاء اللسانييّن الذين تمّ عرْض أفكارهم في هذه الأنطولوجيا يُعرَّب للمرّة الأولى، وهذا الأمر يزيد العمل أهمّيّة ويجعله حافزاً لمزيد التعمّق في المقاربات اللسانيّة العالمية، لا الاقتصار على النظريّات الكلاسيكيّة أو التطبيقات المشهورة. وهذا التوجّه من شأنه بلوغ مرتبة مضاهاة النزعة العلمية والرؤية الموضوعية التي أدركتها اللسانيات الغربية، في مختلف تلويناتها وعبر عقود من التطوير واجتهادات أجيال من العلماء والباحثين. لقد تطوّرت مقترحات اللسانيّات في مختلف مظاهر حياة المجتمع البشريّ الحديث في فروعها المتنوعة، وتركّزت محاولاتها على تنشيط وعي علميّ متطوّر بالظاهرة اللغوية بوصفها خصيصة تمييزية بشريّة، انطلاقاً من بعض التصوّرات، بوصفها نظاماً يتوازى مع أنظمة سيميائية أخرى بشرية تنتسب إلى الطبيعة أم آلية تنتمي إلى عالم الذكاء الاصطناعيّ. ولعلّ من إيجابيّات هذا العمل الضخم أنه حرص على تنويع المترجمين وتم إسناد الترجمة للمتخصّصين في المباحث والمدارس.

العدد 3801 - الجمعة 01 فبراير 2013م الموافق 20 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:05 ص

      أم بسام

      السلام عليكم ورحمة الله .جزاكم الله خير أريد الحصول على نسخة من كتاب ( إطلالات على النظريات اللسانية ...... ) ولا أعرف كيف ؟ أرشدوني بارك الله فيكم للأهمية القصوى .

اقرأ ايضاً