استيقظتُ باكراً يوم أمس كما هو حالي في كلِّ يوم. كانت أشعة الشمس الباهتة، قد جاوَرَت نافذة غرفتي الجنوبية، والريح تلاعب أوراق الشجر.
وعصافير الصباح، تُدندن بسرعة. تناولتُ صحيفتي المفضلة لأقرأ أخبار بلدي العربي الجميل. بالمانشيت العريض وجدتُ هذا العنوان: «الحكومة تستقيل بعد فضيحة فساد مالي». وبجانب الخبر مقال لأحد الكُتَّاب، يتضمَّن هجوماً عنيفاً على رئيس الحكومة وبعض الوزراء، ويُحمِّلهم فيه مسئولية ما جرى من نهبٍ للمال العام.
في متن الخبر المانشيت، يظهر أن ملف الفساد المشار إليه هو حول استيلاء متنفذين بطريقة غير مشروعة على أراضٍ وسواحل عامة، وتسهيلات لوزراء ولأبنائهم عبر الانتفاع من مناصبهم. وبعد خمسة أسطر من هرم الخبر المقلوب، قرأتُ أن قوى المجتمع المدني تطالب بإرجاع المبالغ المسروقة إلى خزينة الدولة وبإحالة المتهمين للنيابة العامة، والنائب العام في البلاد يفتح ملفاً عن القضية، ويُحذّر الوزراء من مغبة استغلال مواقعهم للتربُّح والكسب غير المشروع للثروة.
بعد أن تناولت وجبة الإفطار، هَمَمتُ بالخروج من البيت، حاملاً معي ملفاً صغيراً به شهاداتي الجامعية، وسيرتي الذاتية والمهارات التي أحوز عليها، مبتغياً تقديم الطلب إلى إحدى الوزارات الحكومية، للحصول على وظيفة، بعد أن قرأت إعلاناً في الصحف المحلية عن قائمة بالوظائف المتوفرة. ذهبتُ إلى الوزارة المعنية، وسألتُ عن قسم الشئون الإدارية فيها، والمعنِي بالتوظيف.
استقبلني مدير الإدارة بكل رحابة صدر، وطَلَبَ مني الجلوس ريثما يتفرَّغ لتفحُّص أوراقي. عندما جَلَسْت على المقعد، كان بجانبي نجلُ حاكم بلادي ينتظر دوره هو الآخر للتقدُّم إلى الوظيفة ذاتها. فنحن هنا متساوون في الخدمات، لا فضل لأحد على آخر مهما كان نسبه. تبادلت معه الحديث في موضوعات مختلفة، كان بحق، شاباً غاية في الخلق، وعصامياً جداً، كافح كثيراً كي يُنهِي دراساته العليا.
بعد أن أنهَيتُ إجراءاتي في الوزارة، رِمْتُ الذهاب إلى إحدى المسيرات السلمية، التي أعلنتْ عن تنظيمها بعض النقابات المهنية، للتضامن مع عشرة مواطنين، فَصَلَتهم إحدى الشركات التي كانوا يعملون بها لدواعي التقشُّف، وإعادة الهيكلة الإدارية بسبب المنافسة الحادة في السوق.
انطلقت المسيرة في ذات الموعد المضروب لها. كان المتظاهرون، يسيرون بانتظام، ويحملون يافطات مُحدَّدة، مُهِرَت عليها أسماء المفصولين، وتطالب بإرجاعهم أو تعويضهم بمبالغ مجزية، يتراضون فيها معهم، ريثما يحصلون على أعمال بديلة عن طريق الجهاز المعني بذلك. سارَت التظاهرة بيُسر وبدون عنف، وكان رجال الأمن يرقبونها دون أن يرفعوا هراوة واحدة بوجه أحد فيها.
انفضَّ الجمع في الموعد والمكان المخصص للانفضاض، بعد أن جاء ممثلو الشركة التي قامت بعملية الفصل، وتسلَّموا من النقابات المتضامنة مع المفصولين ومن محاميها، قائمة بالمطالب العُمالية، وبعد أن حَمَلَ المنظمون اليافطات عن موضع التظاهر، واطمأنوا لنظافة المكان. عند ساعة الظهيرة، وبعد أن حان وقت الأذان، ذهبتُ إلى أحد المساجد القريبة من العاصمة للصلاة.
في المسجد، كان الجميع يُصلُّون خلفَ الإمام في مشهد روحي مهيب. بعض المصلين، كان يُسبِلُ يديه، والآخر يضمها إليه. ففي بلدي، لا توجد مشاكل طائفية، فالجميع جُبِلَ على نبذ الخصام المذهبي. بعد الصلاة، دعا إمام المسجد المصلين إلى زواج نجله، على كريمة إحدى العوائل، والتي (بالمناسبة) لا تلتقي معه في المذهب! إنه عملٌ رائع، وصورة جَلِيَّة من صور التعايش في بلدي.
في الطريق إلى البيت، مرَّ بجانبي موكبُ حاكم البلاد. إنه رجلٌ محبوب فعلاً. لا يستخدم المواكب الرسمية، ولا تُغلَق الشوارع من أجله، ولا تفتح الإشارات الضوئية له كلما مرَّ بجانبها، ولا يركب السيارات الفارهة، التي يتم تصميمها خصيصاً له وعائلته وحاشيته، للتمايز والتبطُّر الفج. فهو دائماً ما يقول انه يريد أن يعيش كما يعيش أقلّ فرد في رعيته. إنه فعلاً رجل متواضع.
بيته لا يُبهِر أحداً، ولا يستفز فقيراً ولا يُنافِس بَطِراً. رجلٌ لا يستخدم الكماليات إلاَّ عند الضرورات البروتوكولية عندما يأتيه الزائرون.
يقصد الناس في مضاربهم قبل أن يقصدوه. يجلس معهم على كراسي خشبية ليتحدث معهم ويناقشهم ويستمع إلى همومهم في الساحات العامة، بلا موانع ولا رسميات. لا يترك فرحاً ولا ترحاً إلاَّ وقَصَده. لذا، ترى الجميع يُحبُّونه ويُقدِّرونه.
رجعتُ إلى البيت وقد أعياني التعب والجهد. ذهبتُ إلى غرفتي، وفتحت التلفاز. كانت إحدى القنوات الفضائية العربية تذيع نشرة أخبار الظهيرة.
يا الله... جميع الأخبار لا تسُر. شاهدتُ صوراً مُرعِبة، لقوات أمن بدولة عربية وهي تطلِق على متظاهرين سلميين الرصاص المطاطي والانشطاري، وتخنقهم بالغازات المسيلة للدموع. إنها الهمجية والحيوانية بعينها.
في الشريط الإخباري، قرأت أخباراً لا تقلُّ ألماً عن سابقتها. اعتقالات في صفوف المعارضة السياسية بإحدى الدول العربية، وإغلاق لبعض الصحف المستقلة فيها. متظاهرون يحرقون صوراً لأحد المتهمين بالتحريض السياسي والطائفي. إضراب سجناء سياسيين عن الطعام في إحدى الدول العربية، ويُطالبون بإطلاق سراحهم. اللهم سترك... هذه أخبار لا تسر عدواً حتى!
في قناة عربية (رسمية) أخرى، كنتُ أستمع لقراءة المذيع، للصحف الصادرة في ذلك اليوم. إنه لأمرٌ مضحك. كل الصحف الصادرة، تشكر وتحمد وتشيد بتوجيهات حاكم بلدها الحكيمة والسديدة، وتثمِّن لفتته الكريمة، وتقدِّر نظرته الثاقبة، ورؤيته البعيدة، وغيرها من النعوت التي لا تنتهي. يا لها من لغة خشبية مملة وسَمِجَة، عفا عليها الزمن في بلادي المزدهرة بالديمقراطية.
جَالَ في خاطري لو أنني كنتُ أعيش في تلك البلدان العربية المكلومة والمنكوبة ماذا سيكون حالي؟ مجرَّد التفكير في ذلك، يُشعِرني بالغثيان.
لنحمد الله تعالى أننا لسنا في تلك البلدان! الحمد واجبٌ حتى ولو كان ما نحمد الله عليه هو حلمٌ في الحالتيْن. لأنني ولأول مرة، لا أستطيع أن أتفق مع الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا عندما قال ان كلاً منا يعيش حياتين: واحدة في الحلم، والأخرى تأخذنا إلى القبر، لأنني متيقنٌ بأن المشروعات العظيمة، كلها بدأت بحلم، شريطة ألا ننسى أن أقدامنا مازالت على الأرض، وهو ما يتوجَّب علينا إدراكه!
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3801 - الجمعة 01 فبراير 2013م الموافق 20 ربيع الاول 1434هـ
تقول الأرض أرضك
و السما كلها سماك خاب انكسر ظنك
عادةً في الفلم الهندي .. نسمع ونرى
نسمع الممثلة تصرخ وتقول بياه.. بياه
وعادة بعد نري خيوط وحبال يمشي عليها الممثل ...
نرجوا تجهيز الـ بياه .. والخيوط .. والحبال ... إحتياطاً.
حقيقة وواقع
حتى ان ابن الحاكم طلب مني بعد انتهاء مقابلة التوظيف ان اوصلة الى المستشفى العام لان عنده موعد علاج ولايريد ان يتأخر عن موعدة فيفوته العلاج كما دعاني لقهوة الحي لمشاهدة مباراة ريال مدريد وبرشلونه لان ما عندة اشتراك وتالى طلبنا سمبوسه وجباتي وعصير ابو نص وتعشينا و تواعدنا يوم ثاني اوديه لبعض الشركات حتى نقدم على وضايف وبعدين بنروح الحسينية بنتعشى لانهم قارين مولد وبعد العشى بنروح نزور زميلنا توه مرخصينه من المستشفى
عادي
وما المانع أن يحصل هذا من الأساس . فكلنا من آدم وآدم من تراب
حلم
من قراءتي لأول سطر، عرفت انه حلم لم ولن يتحقق على ارض الواقع.. خلنا من ها الأحلام و دعونا نواجه واقعنا المرير
هذه ممنوع هذا حلم سياسي
استحضرها مشهد مسرحي ، هذه ممنوع هذه سياسة . حلم في السياسة ممنوع
حلم يبى حلم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هالمرة لا تنام الا وانت متجدد
ما أجمل الأحلام
مقال رائع ..تشكر أستاذي
Bravo
Great article, Thank You
ورجعت المياه إلى مجاريها !!!!!! بعد فيضانها على البحار
نرجو أن تمر المياه على الروافد (جمع رافد) أو ترجع إلى الانهر أو الفروع .. وشكراً
والمعنى؟؟
المعنى في قلب الشاعر!!!!