لسنا معنيين بتفاصيل ما يجري من أحداث يومية، وخصوصاً السلبية منها، في الفترة الانتقالية الحالية التي تعيشها ثورات وحراكات الربيع العربي. كما لسنا مهتمين بإعطاء أي انتباه لأولئك الذين لا ينظرون إلى تلك الثورات والحراكات الكبرى إلا كما تنظر الدجاجة المطأطئة الرأس إلى ما تحت قدميها وهي تفتش عن الدودة وفتات الأكل. أولئك لا يملكون الإرادة ولا القدرة لأن يرفعوا رؤوسهم ويمدّوا أبصارهم إلى فضاءات الثورات والتمردات الكبرى العالية، حيث لا تسبح وتحلق إلا النسور وجوارح القوة والكبرياء.
دعنا إذاً نركز على بعض الظواهر الكبرى التي تجعل من الفترة الانتقالية الحالية فترةً مليئةً بالأخطار من جهةٍ، ومحتويةً على عناصر مشابهةٍ للثورات المضادة من جهةٍ أخرى.
أولاً: يعجب الإنسان من عدم قدرة الأنظمة السياسية الجديدة، ممثلة برؤساء دول أو حكومات أو مجالس، والتي ما كان لها أن تصل إلى تلك المراكز والمؤسسات المفصلية لولا إسقاط الثورات لأنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة السابقة... عدم قدرتها على أن تدرك أن شرعيتها ليست انتخابيةً بحصولها على أغلبية الأصوات في هذه المنافسة أو تلك، وإنما تقوم شرعيتها في الفترة الانتقالية على مدى التزامها بأهداف الثورة التي ركبت موجتها وبمدى نسبة النجاح في الاقتراب من تحقيق تلك الأهداف.
وهي بالتالي، وخصوصاً إن لم تخرج من رحم من قاموا أصلاً بالثورات والحراكات، لا تستطيع أن تضع لها برامج عمل وأولويات اهتمام لا تتناسق مع ما طرحه مفجّرو الثورات في الحدود الدنيا على الأقل. ولذلك كان من واجبها إشراك مختلف قوى الثورة وعلى الأخص من الشباب المضحين المناضلين، بأشكال كثيرة لا حصر لها ولا عد، في مناقشات وقرارات مؤسسات الحكم والتشريع الانتقالية الجديدة. ويخطئ خطأً فادحاً من يعتقد أن الأغلبية المنتخبة يجب أن تتحمل المسئولية لوحدها أثناء فترات الانتقال، وأنها لا تخضع للمحاسبة إلا من خلال صناديق الاقتراع.
ونقولها للمرة الألف مع الآخرين، انه ما كان لأنظمة الحكم الجديدة أن تنتخب لو لم تهيأ لها تضحيات الثورات والحراكات هذا السبيل.
ثانياً: وفي الآن نفسه لا تكتمل تلك الشرعية إلا بمقدار التزام أنظمة الحكم الجديدة بحد معقول من ممارسة متطلبات الاستقلال الوطني من جهة والتوجه العروبي القومي الوحدوي من جهة أخرى. إن رفع الثورات لشعاري الكرامة الإنسانية والحرية لم يقصد بهما كرامة وحرية المواطن العربي فقط وإنما قصد بهما أيضاً، وبقوة، وطن القطر ووطن العرب وشعب القطر وأمة العرب. وفي قلب هذين الشعارين موضوع فلسطين ومحتلها الصهيوني.
ولذا كان على عيون أنظمة حكم الفترة الانتقالية، المؤقتة بصورة مؤكدة، ألا تبحلق في الخارج بانتظار مباركة هذه العاصمة أو المؤسسة الأجنبية أو تلك، وإنما تركز أنظارها على الداخل لتستشف ما يموج به من وطنية وعروبة ووحدوية.
إن غياب هذا الجانب في الشرعية الانتقالية يفسّر استمرار خروج مسئولي عواصم ومؤسسات الغرب اليومي لينتقدوا أو يباركوا أو يرفضوا أو يحذّروا.
وهو أيضاً يفسر هوان الجامعة العربية على نفسها وعلى أمتها وهي تلعب دور التابع الذليل، إذ ان النسور الجديدة تستمر في اللعب في ساحة الجامعة كبقية الفراخ.
ثالثاً: لا يستطيع الإنسان المنصف أن يغفل الأدوار السلبية ونتائجها المعرقلة لنجاح الثورات والحراكات التي لعبتها بعض دول اليسر العربية.
وسواءً أتم ذلك عن قصد أو كان نتيجة بلادة فهم سياسي لمشهد ربيع الوطن العربي أو استجابةً لضغوط دولية امبريالية، فإن بعض ما حدث لا يمكن إلا أن يوضع في خانة الثورات المضادة الخارجية التي أنهكت فترات الانتقال وأطالت أمدها، وكذلك في خانة التدمير الأحمق لبعض الأقطار العربية باسم مساعدة شعوب تلك الأقطار. وإنها لمن سخريات القدر في أرض العرب أن ينبري الاستبداد لمساندة الحرية، وأن يصبح الظلم حارساً للحق وللقسط.
رابعاً: إذا كان شباب العرب قد فجّروا ثورات وحراكات أبهرت أمتهم والعالم، فإنهم قد أخمدوا الكثير من وهج ما حقّقوه إبان الفترة الانتقالية. وهم مطالبون بأن يبدأوا مسيرة المراجعة والنقد الذاتي في الحال للانتقال إلى مرحلة التجاوز والعودة إلى متطلبات فترات الانتقال بعد الثورات. ولا حاجة لذكر التفاصيل، فهم يملكون الفهم والإرادة للتشخيص وللعلاج، لكننا نتوجه إليهم بهذا الطلب باسم تضحياتهم وآلامهم التي بذلها ولايزال يبذلها الملايين منهم.
كل ثورات العالم الكبرى ذرفت دمع الآلام والخوف والرجاء إبان فترات الانتقال، وثورات وحراكات ربيع العرب لن تهرب من هذا المصير. لكن الخروج من كل ذلك هو مسئولية الجميع، وسيحتاج إلى مراجعةٍ دائمة، بينما عيون الأمة لا تنظر إلا إلى الأفق الأعلى المتألق البعيد وليس من خلال غبار مسارات الهلع.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3800 - الخميس 31 يناير 2013م الموافق 19 ربيع الاول 1434هـ
الاستبداد والاستعمار
سؤال بسيط تم طرحه ونعيد طرحه ..هل التعاطف الدولي مما يجري في الدول العربية لصالح شعوب هذه الدول ...أم لاستبدال الاستبداد بنوع جديد من الاستعمار وإكمال المسيرة السابقة في الاستيلاء ونهب ثروات هذه الدول ...؟.أن خارطة هذه التغيرات ومؤشرات الدعم يفهمها أبسط العقلاء والمهتمين بالشأن العربي والوطني.س.د. مع التحية
وانها لمن سخربات القدر في أرض العرب أن ينبري الاستبداد لمساندة الحرية, وأن يصبح الظلم حارسا للحق
أخي الدكتور الفاضل إني لأعجز عن شكرك, كما أعجز عن التعليق على مقالك, فأنت مفكر وأنا قارئ. ولكني أرى أننا نسينا قضيتنا الأم وهي قضية فلسطين, ونقوم بإضعاف بعضنا اليعض من خلال مسميات غريبة علينا, (محرقي/حايكي)
الزمن غير الزمن ومن لا يعقل هذه المقولة
قافلة الزمن في حراك دائم نحو التطور والرقي والبعض لا يعجبه ذلك يريد كل شيء تحت يده ولا يعلم ان لله سنن هو بالغها إن لم يتأقلم الانسان معها فسوف تتركه القافلة وترحل من دونه.
لاحظوا حراك الشعوب وتطورها ورقيها دائما للتقدم وليس للتخلف ومن يحاول ارجاع الامم للخلف فإنه يفلت من السرب فيجد نفسه خارج سرب الزمان
من هم الدجاج ؟؟؟
من جهة أخرى، قال الوزير السابق والمحلل علي فخرو إن من يقف وراء حادث التفجير (أمس في جدحفص) في الوقت الذي تستعد فيه البحرين للحوار السياسي، جهة لا تريد الحوار أصلا
وانه لمن سخريات القدر
أن ينبري الاستبداد لمساعدة الحرية