في جحيم حالة الانقسام والفوضى التي تعيشها مصر الشقيقة الكبرى، وفي خضم هذا التجاذب الايديولوجي المسعور وما انجرّ عنه من عنف أودى بحياة زمرة من شباب المحروسة في ذكرى الاحتفال بالسنة الثانية لثورة 25 يناير المجيدة، وبعيداً عن الحكم للإخوان أو عليهم في هذه المرحلة الأخطر من تاريخ مصر، لا يسعني لأتجاوز كل هذا، إلا أن أتصفّح معكم صوراً من انتصارات مصر وأمجادها حتى أشعر بفسحة الأمل وأعزّي نفسي وإياكم بالقول إن ما يحدث الآن هي فقط آلام المخاض; فكم أنت عسيرة أيتها الآلام! وكم أنت مستعص أيها الانتقال الديمقراطي.
نعم مَن منّا لا يتفطّر قلبه وهو يتابع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وهي تقدم صورة قاتمة، فمصرُ كمرجلٍ يغلي لا تعرف ما يحدث فيه: أبلطجة أم معارضة؟ هنا معتصمو الاتحادية يغلقون أحد الشوارع بعد أنباء عن قدوم شباب الإخوان، وهناك مسيرات حاشدة تغلق الشارع المؤدي إلى منزل الرئيس مرسي، وقوات الأمن تجبر المتظاهرين بميدان سيمون بوليفار على العودة للتحرير، أما الأحزاب - وما أدراك ما الأحزاب - فبعضها يدعو إلى احترام حرمة الموت ووقف نزيف الدم، وبعضها الآخر يتقدم ببلاغ للنائب العام ضد مرسي للتحقيق في حالة الفوضى ويحملونه مبدئياً مسئولية أرواح الضحايا.
ومن هذه الأخبار إلى تلك ألوذ إليك أيها التاريخ الجميل، وأحتمي بك يا حرب أكتوبر العظيمة؛ فقد لا يعرف عنك الكثير إلا القليل! ففي دكناء سحابة يومنا هذا قد لا ترى الشمس المشرقة.
نعم، كان يا ما كان في العاشر من رمضان من العام الهجري 1393 الموافق 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حرب عربية مفاجئة للعدو الصهيوني، خاضها الجيش العربي في سورية ومصر بكل قوة لمحو آثار العدوان الصهيوني العام 1967، فتكبّدت آلة العدوّ الحربية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وكانت طائراته تتساقط وتتحطم. وكان التاريخ العسكري الحديث يسجل للجيش المصري انتصارات وصفحات مشرفة، على رغم امتلاك الجيش الإسرائيلي كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى. لقد أكدت حرب أكتوبر دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة في العدة والآلة الحربية الحديثة؛ فلم يكن يتصور أنور السادات وهو يطلق في الثانية من بعد ظهر ذلك السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس أنه أطلق قوة عاتية رهيبة من شأنها أن تغير هذا العالم؟ نعم مصر تصنع التاريخ وتغير العالم، فذلك قدرها منذ آلاف السنين. ألم يقل هارولد سييف مراسل صحيفة «ديلي تلغراف» بالقاهرة بتاريخ 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1973: «لقد غيّرت الساعات الست الأولى من يوم 6 أكتوبر، عندما عبر الجيش المصري قناة السويس واقتحم خط بارليف، غيرت مجرى التاريخ بالنسبة لمصر، وبالنسبة للشرق الأوسط». وكيف لا يغيّرون وهم بهذا الوصف في المعركة، فانظر ماذا قال الجنرال كالمان؛ قائد إسرائيلي في سيناء: «إن القوات المصرية تدخل سيناء من كل مكان، وفى كل اتجاه، وبكل الوسائل، بطائرات الهليكوبتر وبالقوارب، وسيراً على الأقدام... إن هذه القوات تقاتل بشراسة وهى مسلحة بأحدث الأسلحة».
حقاً إنّ حرب أكتوبر بمثابة زلزال هزّ الكيان الصهيوني؛ أمّا لمصر فهو استعادة للمهابة والمكانة، ألم يقل الرئيس أنور السادات في كتابه «البحث عن الذات»: «لقد استعاد سلاح الطيران المصري بهذه الضربة الأولى كل ما فقدناه في حربي 1956 و1967 ومهّد الطريق أمام قواتنا المسلحة بعد ذلك لتحقيق ذلك النصر الذي أعاد لقواتنا المسلحة ولشعبنا ولأمتنا العربية الثقة الكاملة في نفسها، وثقة العالم بنا... وأنهى إلى الأبد خرافة إسرائيل التي لا تهزم», وأنتَ أيها الانتقال الديمقراطي: أما آن لليلك أن ينجلي فيُنهي خرافة أن العرب تعلموا صناعة الخشب منذ ملايين السنين، لكنهم لم يتعلموا صناعة صناديق الاقتراع والقبول بما تفرزه صناديق الاقتراع؟ ذات أكتوبر، عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، كذلك حدّث توفيق الحكيم.
وأضاف «مهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة فيها؛ المعنى أن مصر هي دائماً مصر تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلاً فإن لها هبة ولها زمجرة ثم قيام ستذكر مصر في تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر».
نعم المصري لا ينام، فهو قادر دائماً على تحقيق المستحيل، وقد تمرّ علينا فترات ويظن البعض أن الشعب المصري ساكن أو فاقد للاتجاه الصحيح كما هو الحال اليوم، إلا أن هذا الشعب معروف أن جيناته تحمل صفات الجدود الذين وضعوا البذور الأولى لحضارات الدنيا قبل سبعة آلاف عام.
كذلك سيبقى الشعب المصري قوياً قادراً على صنع التاريخ: قوياً بروحه الفتيّة، قادراً بإرادته الأبية.
وما هذه الأيام سوى غمامة عابرة تتلوها بإذن الله انتصارات الروح المصرية الفتية التي دوما تهتف بحب البلاد: «بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي...»، بإرادة فولاذية لها من الصلابة ما به تصنع تاريخاً مشرقاً كما صنعته في الأيام الخوالي.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ
المحروسة
شكرا يا أستاذ على اهتمامك بمصر المحروسة وإن شاء الله محروسة
حرب أكتوبر
هل سنبقى نعيش على الأطلال
جمال
يسلم قلمك ياولد الأجاويد..... مصر عصيه على مؤامرات الدول المعروفه ... مصر عصيه على كل الغزاه والحاقدين
جمال الشريف
مصرُ.. بعد العُسر يسرُ
ذكرني مقالك اليوم يا أستاذ بفلم ليوسف شاهين بعد النكبة أظنه اسكندريه ليه كان الغرض منه إخراج مصر من حالة الكآبة بعد النكسة
ووالله نحن في حاجة إلى وضوح الرؤية على الأقل حتى نرتاح ولو قليلا
نعم هذه صورة مصر يوم الأحد الماضي
معتصمو الاتحادية يغلقون أحد الشوارع بعد أنباء عن قدوم شباب الإخوان، وهناك مسيرات حاشدة تغلق الشارع المؤدي إلى منزل الرئيس مرسي، وقوات الأمن تجبر المتظاهرين بميدان سيمون بوليفار على العودة للتحرير، أما الأحزاب - وما أدراك ما الأحزاب - فبعضها يدعو إلى احترام حرمة الموت ووقف نزيف الدم، وبعضها الآخر يتقدم ببلاغ للنائب العام ضد مرسي للتحقيق في حالة الفوضى ويحملونه مبدئياً مسئولية أرواح الضحايا.
حقا سيبقى كذلك
كذلك سيبقى الشعب المصري قوياً قادراً على صنع التاريخ: قوياً بروحه الفتيّة، قادراً بإرادته الأبية.
وما هذه الأيام سوى غمامة عابرة
نرجو حقا ذلك