العدد 3794 - الجمعة 25 يناير 2013م الموافق 13 ربيع الاول 1434هـ

في مواجهة الصعاب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

اشتكت ابنةٌ مصاعب الحياة لأبيها، وأخبرته بأنها تود الاستسلام بعد أن تعبت من مكابدة الألم الناتج عنها ومن معاركها الدائمة معها. أخذ الأب ابنته إلى المطبخ حيث كان يعمل طباخاً، وملأ أواني ثلاثة بالماء وانتظرها لتغلي بينما بقيت الابنة في دهشتها.

وضع الأب في الأولى جزرة، وفي الثانية بيضة، ووضع في الأخيرة حباتٍ من البنّ المحمّص المطحون وأخذ ينتظر النتائج صامتاً، وبعد مضي الوقت المناسب وضع الجزرة والبيضة والبنّ كلاً في إناءٍ منفصلٍ عن الآخر.

طلب الأب من ابنته أن تتحسّس الجزرة التي بدت هشة طرية ثم طلب منها أن تكسر البيضة لترى ما بداخلها وأخيراً أن تشرب القهوة. وبعد أن فعلت الابنة المطلوب سألت والدها عمّا يعنيه كل هذا، فأجاب: واجه كل من الجزرة والبن والبيضة الخصم نفسه وهو الماء المغلي، ولكن كل واحد منها تفاعل معه على نحو مختلف؛ فأما الجزرة التي كانت صلبةً قاسيةً قبل هذه المواجهة فإنها ما لبثت أن أصبحت لينةً رخوةً بعدها، وأما البيضة التي كانت قشرتها تحمي سائلها الداخلي فقد تغيّر شكل محتواها واشتد وتصلب عند تعرضه للماء المغلي، أما القهوة المطحونة فقد كانت ردة فعلها فريدة؛ إذ تمكنت من تغيير الماء نفسه وأعطته طعمها ولونها. فاختاري كأيٍّ من هذه الأشياء تريدين أن تكوني.

كانت تلك قصة قرأتها وأعجبتني كثيراً فآثرت أن أبدأ بها مقالي بشأن مواجهة الصعاب؛ إذ بإمكان أي واحد منا أن يكون كما يريد بإصراره وعزيمته. يمكنه أن يكون كالجزرة التي تضعف وتلين وتتكسر عند مواجهة الألم، ويمكنه أن يكون كالبيضة ذات القلب الضعيف قبل الصعاب والتي تغيّر ما بداخلها، وإن بقي شكلها الخارجي واحداً لم يتغير، ليكون قلبها أقوى وأصلب، ويمكن لمن يريد أن يهزم الصعاب ويطوعها، أن يكون كالبنّ الذي غيّر الماء الساخن وجعل طعمه أفضل.

لا يمكن للحياة أن تخلو من المصاعب والمتاعب والآلام، والقوي هو من يستطيع أن يثبت نجاحه رغماً عن تلك الظروف التي تخلق أحجاراً وعثراتٍ أمام المرء من الصعوبة أحياناً تجاوزها، ما لم يحاول أن يغيّر من نفسه وتكوينه الداخلي وطريقة تفكيره، فأقوى أسرار النجاح هو قوله تعالى: «إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد: 11).

من الممكن أن تكون هذه المصاعب والمتاعب مجرد أداة لتشكل إرادة الفرد منا وصقل شخصيته؛ لينقب في مكامن القوى الداخلية له، والتي لا نعرف بوجودها أحياناً إلا عند الشدائد. قوىً ومهارات أغفلنا تطويعها وتطويرها لانشغالنا بتطوير الظاهر من أشكالنا وأوضاعنا، فتغافلنا عمّا هو أعمق وأبقى وأقوى؛ ففي قوانا الداخلية ما هو كفيلٌ بجعلنا نخرج من كل أزمة بشكل أقوى وأقدر على الانطلاق مجدداً، وأحياناً بشكلٍ جديدٍ قادرٍ على تغيير حتى ما حوله ليغدو أكثر جمالاً وقوة.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3794 - الجمعة 25 يناير 2013م الموافق 13 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:15 ص

      التقوية من الداخل

      هناك الكثيرون الذين يقوون أنفسهم بالمواعظ لكنم ينكسرون عند أول شدة.. لكن تحصين النفس من الداخل وتقرين النفس بالمعرفة هو الحل الناجع.. شكرا

    • زائر 2 | 3:59 ص

      مقال رائع

      المقال مهم جداً لكل من يخالجه الياس والالم ادعوا جميع من يقراه ان يرسله لاصدقائه واهله

    • زائر 1 | 11:44 م

      مواطن بحريني

      مقال حميل ويستحق الفراءة والتأمل حقا كم أتمنى أن يكون الشعب كله كما فعل البن ويستمر نظاله لتحقيق جميع مطالبه الشرعية

اقرأ ايضاً