العدد 3792 - الأربعاء 23 يناير 2013م الموافق 11 ربيع الاول 1434هـ

اعتذر عما فعلت!

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لن أكتب كما كتب الشاعر العظيم محمود درويش، في قصيدته الشهيرة: لا تعتذر عما فعلت. ولن أكون مثالية في دنيا تعتبر المثالية ضعفاً وعجزاً حين يتعلق الأمر بالتنازل عن الحق و«تمرير» إساءات طالت المعتقد والكرامة والحياة في أحيانٍ متفرقة، من غير أن يعترف الجاني بجرمه، ويحاول إصلاحه وتعويض الآخر عما اقترفت يداه.

أن تصفح عمن أساء إليك وجعل دمك مراقاً على الإسفلت، وعرضك مستباحاً، وأملاكك مشاعة، من دون التأكد من ندمه واعتذاره عما فعل، لهو عين الحط من الكرامة الإنسانية، وهو وسيلة لزيادة عدد المذنبين الفارّين من الوقوف أمام مرايا أنفسهم ورؤية بشاعة جرمهم والإنتصار لإشاعة قانون الغاب.

في الصفح والتسامح عن الأخطاء الكبيرة تلك، التي لا تستقيم بها الحياة ولا تستمر، سمةٌ من سمات الكرماء الأنقياء الذين لا يقفون عند الأخطاء مهما كبرت، ولكن ذلك يتحقق حين يعترف المذنب بذنبه ويَعِدُ ألا يكرره ويحاول ما استطاع تعويض الآخر عن الأضرار التي ترتبت عليه، فيحاول تعديل مسار سلوكياته تجاه الآخرين، ويعتبر هذه الأخطاء الجسام سمة عارٍ اقترفها لحظة حماقة وتغيِّب عن الضمير الإنساني. الضمير الإنساني الذي يميزنا عن سكان الغابة والأشياء من حولنا. الضمير الذي لولاه لغدت حياتنا جحيماً لكثرة الأخطاء التي قد يرتكبها البشر، ولتشوّه الصورة الخاصة بكل ما إذا ما خلا بنفسه وعاد لضميره ليرى ما اقترفت يداه. الضمير الذي لا يناله إلا من سعى للحفاظ عليه ليتأكد من إنسانيه وصلاحيته للبقاء طليقاً على الأرض، يمكن أن يُطلَق عليه لقب حُر.

الأخطاء الجسام هذه، واحدةٌ من قيود الماضي التي قد لا يتحرر منها المرء مهما حاول حين لا يواجهها ويعلنها لمن ارتكبها في حقه وأساء إليه، إن تعلق الأمر بالآخر، فيعيش حياته في سجن الشعور بالذنب، إن كان ذا ضميرٍ حيٍّ يجعله قادراً على معرفة خطئه. سجنٌ يجعله فاشلاً في مواجهة نفسه قبل الآخرين، خائفاً من لحظة افتضاح أمره.

يقول واين داير في كتابه: «مواطن الضعف لديك»: إن الشعور بالذنب يعتبر من أكثر سلوكيات مواطن الضعف جلباً للضرر. إنه من أكثر السلوكيات تضييعاً واستنزافاً للطاقة العاطفية؛ لأنك حينما تشعر بالذنب فإنك سوف تشعر بالعجز في حاضرك بسبب تحسرك على شيء قد حدث بالفعل، ولن يجدي أي قدر من الشعور بالذنب في تغيير التاريخ وما كان». هذا إن تعلق الأمر بالآخر، ولكن هناك أخطاءٌ لا ندرك أحياناً حجم بشاعتها نرتكبها ضد أنفسنا قبل الآخرين، أخطاءٌ تكون جديرةً بأن توقف كثيراً من التقدم والتميز والنجاح لتجعلنا رهناء واقعٍ لا نقوى على الفكاك منه من غير تصليحها بطرقٍ تضمن لنا تعديل مسار حياتنا. لتفادي كل هذه التبعات، ولتفادي ما يجعلنا أسرى ماضٍ يمكننا تجاوزه... لابد وأن تعتذر عما فعلت.

ومضة: «إعترف بخطئك سريعاً وبتواضع. فالناس تعرف أنك أخطأت بالفعل، ولكنهم سيقدرون حسن خلقك». جون ماكسويل.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3792 - الأربعاء 23 يناير 2013م الموافق 11 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 12:42 ص

      عقبى الضمير

      مقال جميل.. وقديمًا قال الجواهري: من لم يخَف عقبى الضمير **فمن سواه لن يخافا

    • زائر 5 | 4:08 م

      ما اروعك!!

      جميل هذا المقال جداً

    • زائر 3 | 1:57 ص

      الاعتذار عن الجرائم العنصرية

    • زائر 4 زائر 3 | 2:18 ص

      الجرائم العنصرية

      الجرائم العنصرية : القتل على الهوية - التهجير و الفصل المناطقي - الازدراء بالمعتقد و الاعتداء على المقدسات - الحرمان من الوظيفية لأسباب عنصرية او طائفية - حرمان من تقلد وظائف قيادية على الهوية - القمع على الهوية - التعذيب على الهوية

    • زائر 1 | 11:18 م

      تسلمين

      اعتدر عن كل جرم عملته مشكورة يابنتى علي المقال الجميل

اقرأ ايضاً