نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إلا اننا نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير، ونحترم العقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، ديدننا العدل والمساواة.
الأنظمة السياسية الدستورية الديمقراطية للدول تنقسم إلى نوعين، من حيث أحادية أو ثنائية السيادة، ما بين الشعب مصدر السلطات ورئيس الدولة، فإن كانت رئاسة الدولة منتخبة، كما في النظام الجمهوري، فإن السيادة أحادية متمثلة في سيادة الشعب، وإن كانت رئاسة الدولة متوارثة كما في النظام الملكي، فإن السيادة ثنائية، يتقاسمها الشعب مصدر السلطات، إلى جانب المَلِك. وفي هكذا نظام ملكي دستوري ديمقراطي، يتوافق الطرفان، الشعب والمَلِك، على سلطات كل منهما من خلال التوافق على نصوص مواد الدستور المعنية بتوازع السلطات بينهما، وأولها ثبات حق المَلِك في المَلَكِيِّة وتوارثها، في نسله ونسل نسله، من الذكور الأبكار، وفي حقه بأن يعين ولي عهد له، أحد أبنائه غير البكر، وتنتهي سلطة الملك عند هذا الحد، فحين انقطاع النسل من الذكور لا قدر الله، يتولى الشعب اختيار ملكه، من داخل الأسرة الملكية، ربما في أحد إخوان الملك وإن لم يوجد فأحد أبناء اخوته، لتستمر الملكية في حدود الأسرة الملكية، ومتى ما تم التوافق على تسمية الملك الجديد، يحتفظ بتوارث الملكية في نسله من الذكور، وهكذا دواليك.
هذه حالة تتصل بالملكية الدستورية الديمقراطية، شرط أن يكون الملك متنازلاً عن شراكته في الحكم، ويختص الشعب بانتخاب سلطاته، التشريعية والتنفيذية والقضائية، دون تدخل من الملك، فصفة الملك في هكذا نظام سياسي، هو منصب تشريفي، منوط به بلورة المبدأ الدستوري في الفصل بين السلطات، من خلال صدور أحكام المحاكم باسمه، وتتويج إصدار القوانين باعتمادها بختمه، حين صدورها من السلطة التشريعية، كونه من تصدر القوانين باسمه، كما تؤدي السلطات وأفرادها القسم أمامه، ليكون شاهداً وموثقاً لأدائهم اليمين، كرمز للوحدة الوطنية، ولإرادة الأمة، وفي حالات أخرى، ومن دوره في حفظ وحدة الأمة، وحفظ حق الشعب في السيادة ومصدر السلطات، يكون له في حالات التصادم بين السلطات، أو في تعدي أيٍ منها أو أي من أفرادها، لمواد الدستور، أن يعلن انتفاء الصفة الدستورية عن أولئك، ويدعو الشعب لانتخاب أولئك الأفراد أو تلك السلطة أو السلطات البديلة، وبما يتماشى مع مواد الدستور المعنية، كما له حق الاعتراض على أي قانون أو قرار أو إجراء تتخذه أيٌّ من السلطات، لا يتوافق مع الدستور.
وجدير هنا الإشارة، إلى أن الملك يتوجب أن ينحدر من الأسرة الملكية، في درجاتها الأولى ثم الثانية، أي في أبنائه من صلبه ثم إخوته، ليس للخؤولة ولا للعمومة ولا أبنائهما أي صلة بالملكية، ويبقى أفراد هذه القربى مواطنين، كحال بقية مواطني الدولة، لهم ذات الحقوق السياسية والمدنية، ويخطئ من يتحدث عن عائلة ملكية أو مالكة، فلا يملك الأوطان إلا شعوبها المواطنون، وليس هناك إلا الأسرة الملكية (Royal Family) وليست المالكة، حيث ان هذا الخلط في مفاهيم المفردات السياسية، ربما جعل بعض أفراد العائلات من ذوي قربى الملك من العمومة والخؤولة وأبنائها يتماهون على الملك أن يوليهم إدارة أمور الشعب، مثل رئاسة الحكومة والتوزير، ورئاسة القضاء والهيئات والجيوش، لتصل إلى رئاسة الأندية الرياضية. هذه المناصب التكليفية، ينتخبها ويحاكمها الشعب، مصدر السلطات، ولا يعينها الملك، فمن يرى في نفسه الكفاءة لتولي هذه المناصب، عليه أن يقنع الشعب لانتخابه.
أما إذا اختار الملك المشاركة في الحكم، فيتوجب شرط الحق الشعبي في الاستفتاء على ولاية العهد، من حيث الرشد والقبول الشعبي، حين يرث الملكية، فإن كان ابن المَلِك البكر حدثاً، يتوجب أن يكون له وال، وحين يكون عمره أقل من الثلاثين عاماً، يتوجب أن يكون له مستشار، وفي كلا الحالتين يُنَصّب الوالي أو المستشار، من داخل الأسرة المَلَكِيِّة (وليس العائلة)، ولكن شرط القبول الشعبي، عبر استفتاء عام، وكذلك في حال تعيين المَلِك لولي العهد غير الابن البكر، أيضاً يحتاج القبول الشعبي عبر الاستفتاء. وهناك حالة أخرى، هي النزاع والاصطدام فيما بين المَلِك والشعب، ففي هذه الحالة يُجرى استفتاء على، أو انتخاب، لرئيس الدولة، ما بين المَلِك وولي عهده، وتستتبعه الإجراءات فيما يخص عدم رشد ولي العهد أو عدم إكماله سن الثلاثين، وكذلك شرط القبول الشعبي، هذه الترتيبات الملكية، تكون ذات سيادة دستورية بالنص عليها فيه، في حال أن الملك، يشارك الشعب في سلطة صياغة الدستور وتعديلاته، والاشتراك مع الشعب في اختيار السلطات الأخرى التشريعية والتنفيذية، وأضيف جديداً السلطة الإعلامية والمعلوماتية التي سنتناولها في مقالة خاصة، وعدا السلطة القضائية، التي سبق لنا الكتابة فيها، أما إذا لم يشارك المَلِكُ الشعبَ في آنفه، فحق للمَلِك، أن يصدر مرسوماً بقانون بقوة سيادة الدستور، لتوارث المَلَكِيّة، ويتم نشره في الجريدة الرسمية، إسوةً بالدستور والقوانين.
أما سيادة الدستور في مواده ونصوصه وسلطته، فهي أحادية للشعب، في النظام الجمهوري (لا شأن للرئيس في الدستور ولا تعديلاته عدا ربما الاقتراح)، وثنائية في الشعب والمَلِك في النظام الملكي، فقط في حالة، قبول المَلِك لشرط القبول الشعبي لشخصه وولاية عهده، وحكم الشعب لانتقال المَلَكِيّة إلى أحد اخوته أو أبنائهم كما ورد عاليه، أما فيما عدا ذلك، فهي أحادية للشعب مصدر السلطات، وفي هذه الحالة، ينتخب الشعب مجلساً دستورياً بكامل أعضائه، وقد يتسمى بالمجلس التأسيسي، يختص بصياغة الدستور وتعديلاته، ففي كل مرة تصل الحالة السياسية والحقوقية وتطوير نظام الحكم، للحاجة لصياغة دستور جديد أو تعديلات على الدستور القائم، يتم انتخاب هذا المجلس لإنجاز الدستور الجديد أو تعديلات الدستور القائم، وتُتّبَع ذات الآلية لأي حوار أو توافق وطني، بشأن الدستور وتعديلاته وتطوير نظام الحكم، ولا صلة لهذا المجلس في مهماته الدستورية المختص بها وحده، بالبرلمان والشورى الحاليين، فقد جاءا إنجاباً للدستور وليسا آباءً، مهماتهم التشريعية تنحصر في تشريع القوانين، المطبقة للدستور، ولا شأن لهم بالدستور وتعديلاته، المنوطة بمجلس دستوري منتخب لذات الغرض.
أما إذا شارك المَلِكُ الشعب في السيادة على الدستور، بالشروط عاليه، فيتشارك الملك في التعيين والشعب في الانتخاب، لأعضاء المجلس الدستوري، بنسبة 60 في المئة للشعب و40 في المئة للملك، فمن كل عشرة أعضاء ينتخب الشعب 6 أعضاء ويعين الملك 4 أعضاء، آخذين في الاعتبار أن الـ 40 في المئة المعينين، هم أعضاء ممثلون للملك، والـ 60 في المئة المنتخبين، احتمالية الخلط فيهم واردة، وبتقديري يتوجب ألا يقل أي مجلس دستوري عن مئة عضو، لكي تتفاعل الآراء المختلفة بجدارة، لتنتج مواداً للدستور، أقرب للكمال والتمثيل الشعبي والملكي.
والنسب نفسها تطبق للانتخاب الشعبي والتعيين الملكي، لباقي السلطات، التشريعية والتنفيذية والسلطة الإعلامية والمعلوماتية.
هذا ما أفرزته الأحداث الحميدة في مطالبها وتضحياتها الشعبية، والمؤسفة في إجراءات تصدي السلطات لها، والتي توجت الحراك الشعبي في 14 فبراير/ شباط 2011 إلى يومنا، استتباعاً للحراك منذ العشرينيات من القرن الماضي، كما أفرزت أن تودع نسخة من الدستور لدى الأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية، للاحتكام الدولي حين الحاجة.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3791 - الثلثاء 22 يناير 2013م الموافق 10 ربيع الاول 1434هـ
كثرالله من أمثالك
بلدنا العزيز محتاج الى أمثالك للخروج من هذه المشكلة العويصة نحن اخوان ولا يمكن للطير أن يطير بدون جناحين نرجو من الله العلي القدير أن يدوم علينا العلاقات الحميمة والمحبة بين الطائفتين الكريميتن في هذا البلد الكريم
ولله اسف عليكم
انتم يا اشرف الناس المفروض يكون وجودكم تحت قبه البرلمان انتم لسان الشعب وما يتطلع اليه من مستقبل مشرق انت المتمثل فى شخصك والأخ العزيز عيسى سيار والدكتور وكثير من النخب الوطنيه التى فعلأ عينها وقلبها على استقرار وامن الوطن والمواطن لأ اللتباس عندهم يرون الحق حق والباطل باطل
مشكور وما عليك اقصور يا الشيخ
وطنى بمعنى الكلمه قلبه على اعيال وطنه المسميات ما تهم كثر ما اتهم معنى الأنسانيه وكرامه الأنسان اين نما كان ولكن مع الأسف الشديد وين الدين والعدل مجرد فوازير رمضان حسب الطلب
آهٍ عليك يا وطني
وطني أصبح مؤسسة خاصة تديرها التي ترى أن الله خلق الأرض ومن وما عليها من بشر وخيرات وأرزاق لها فقط لها وهي تتفضل وتتكرم على المخلوقات التي تعيش معها بوظيفة أو سكن
مقال دقيق
يعجز السان عن تقديم الشكر والعرفان لك ياأستاذ يعقوب على هل مقالات التنويريه ولكن مشكلتنا مع هائلاء الذينه لايريدون الخير لابناء هذا الوطن لأن اية تغير جدري يحرمهم من الامتيازات الذي يحصلون عليهاء من السلطه على حساب المواطنين الشرفاء الذينه يطالبون بان يعيشوا بكرامه وكل واحد يحصل على مكانته حسب الكفائه وليس الانتماء لهذيه الطائفه اوالقبيله مثل ماهو حاصل اليوم.
كل مقالاتك يجب ان تكتب بحروف من ذهب
بصراحة لك مقالات كانت بلسما على الجراح لو ان هناك من المسؤلين من يقرأها ويعيها ويفهمها.
انت تكلمت بلسان المواطن بغض النظر عن جنسه وطائفته وانتمائه
لدي حلم عندي بالله الأمل
شكرا أخوي يعقوب على هذه الرسائل الواضحة و الصريحة و أعلم أنك تثقف و توعي جيل من الشباب. و أقول للشباب لا تقنطو من رحمة الله و أن الأمور ستتحسن أنشاء الله و قريبا. و ما ضاع حق وراءه مطالب. شعب البحرين صاحب حق و سيناله قريبا انشاء الله.
مملكة دستورية يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات
صباح الخير أخي الكريم إن ما كتبته من قبل وما تكتبه الآن هو ما يطالب به شعبنا الكريم, لكي يعرف أنه يعيش حياة كريمة كبقية الشعوب. (محرقي/حايكي)
شرح وافي
كفيت ووفيت بشرحك فهل من قارئ ومطبق لهذه الفلسفة
لمن تكتب لمن تخط
شى رائع ولكنك ياأخي تؤذن كما يقال في خرابه