هو برنامج «سحريّ» غايته إيجاد حلول مشرّفة لرؤساء إفريقيا لترك مناصبهم والتخلّي بطواعية عن السلطة حين ترفضهم نتائج صناديق الاقتراع.
نعم ذلك هو برنامج «الرئيس المقيم» في معهد الأبحاث الأرشيفية الرئاسية الإفريقية في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية.
فبعد عودته من الخدمة الدبلوماسية في أكثر من بلد إفريقي، ابتدع تشارلز ستيث برنامجاً أطلق عليه اسم الرئيس المقيم Visiting President تبّنته جامعة بوسطن، ويقدّم هذا البرنامج منصباً أكاديمياً للزعيم المتخلّي في جامعة بوسطن ويُهيَّأ له نزوله في مجمعها السكني أو قربه لمدة ستة أشهر حيث يُعطى فرصة للدراسة والكتابة وإلقاء المحاضرات.
وتُموّل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية هذا البرنامج، والغرض منه أن يتلقى الرئيس برامج معدة مسبقاً عن الديمقراطية والحريات العامة ويقتنع الرئيس المقيم مع مرور الأيام بجدواها فيصبح من كبار دعاتها.
«إن هذا البرنامج يقدم للزعماء السابقين نوعاً من الصدقيّة في بلادهم لأنّه يمنحهم منبراً دولياً وكل البريق المنبعث منه»، على حد قول ستيث.
ولئن كان الرئيس الصومالي السابق، شيخ شريف شيخ أحمد، آخر من التحق بمثل هذه البرامج، فقد سبقه ستة من الزعماء الأفارقة تركوا خلف ظهورهم كرهاً أو طواعية كرسيّ الرئاسة ويمّموا وجوههم شطر كرسيّ الدراسة، محاولين بذلك إعادة كتابة تاريخ أفضل لسيرتهم الذاتية.
فلقد كان للرئيس الزمبي، كينيث كاوندا، قصب السبق في هذا المضمار، حيث كان أوّل المشاركين في برنامج الرئيس المقيم بعد ثلاثة عقود من الرئاسة في زمبيا، لم يفلح خلالها سوى في خلق دولة الحزب الواحد بما تتضمنه من ويلات تكبدها الشعب الزمبي.
لكن الرئيس كاوندا ثابر ليصنع لنفسه صورة مشعّة مشرّفة، حتى صار ناشطاً في مجال مكافحة الإيدز، ثم توجّه نحو الكتابة ليؤلف سلسلة من المقالات الصحافية والدراسات والمحاضرات عن الكيفية التي يمكن لإفريقيا أن تتغلب بها على أزماتها السياسية. وذهب الرئيس الزمبي السابق كاوندا إلى أبعد من ذلك، حيث أنشأ مؤسسة للتوسط في حل النزاعات الإفريقية سلمياً.
كما انضم إلى هذا البرنامج رئيس زنجبار السابق، أماني عبيد كرومي، ورئيس بوتسوانا السابق، فيستاس موغاي، الذي ترك الحكم بعد عشر سنوات.
وأخيراً وليس آخراً، ها هو شيخ شريف شيخ أحمد يقبل الهزيمة في الانتخابات، ويتنحى عن كرسي الرئاسة ويتجه إلى جامعة بوسطن مكتفياً بكرسي الدراسة، رغم أنه أخضع الصومال لأول مرّة منذ عشرين عاماً، لسلطة مركزية.
نعم شيخ شريف نموذج للرئيس الإفريقي الذي يتخلّى - عن طواعية أو بإرادة صناديق الاقتراع - ولا يكلّف شعبه بحوراً من الدماء ليبقى في السلطة كما فعل رئيس ساحل العاج السابق، لوران غباغبو، حيث خسر الانتخابات بشكل واضح أمام منافسه الحسن وتارا، لكنه فضل أن يحشر بلاده في أتون حرب أهلية وحمامات دم بدل أن يتنحّى مصرّاً على التشبث بكرسي الرئاسة.
وفي نفس سياق تشجيع الرؤساء الأفارقة على التخلّي الديمقراطي عن السلطة، جاءت جائزة «مو إبراهيم للحكم الرشيد»، نعم جائزة خصصها الميلياردير السوداني، محمد إبراهيم، سنوياً قيمتها 5 ملايين دولار تمنح لأي رئيس إفريقي يثبت شفافيّته ومحاربته الفساد واتباعه منهج الديمقراطية والحكم الرشيد.
وللأسف فاز بهذه الجائزة منذ إنشائها (2006) رئيسان فقط ،هما الموزمبيقي جواكيم تشيسا في 2007 والبوتوسواني السابق يستاس موغاي 2008، واضطرت المؤسسة إلى حجبها بقية السنوات لغياب من يستحقها من الرؤساء الأفارقة.
نعم، إن حالة الرئيس الصومالي المتخلّي عن السلطة بروح ديمقراطية حالة نادرة في قارة قد يعمّر فيها الزعماء أطول من أعمار بلدانهم أحياناً.
ولكن ما ضر مخلوع تونس أو مسجون مصر أو مقتول ليبيا لو أنّهم تقدّموا لمثل هذه الجوائز بعد أن تقدمت بهم سنون الحكم نحو الفساد والاستبداد؟ ما ضرّهم لو أنهم انخرطوا في برنامج الرئيس المقيم؟ ألم يكن ذلك – لو أنّه كان – أحفظ لكرامتهم وأقل ضرراً على شعوب بلدانهم مما هو واقع بهم اليوم؟ أم أن تونس ومصر وليبيا كانت حقاً في حاجة إلى زلزال سياسي كبير، نظراً لحجم الفساد الذي كان ينخرها بحيث تحتاج إلى أن تجتثّ رموز الفساد وبقايا أنظمتها السابقة حتى تُبنى من جديد لعلّها تتعافى من نصف قرن من الدكتاتورية؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3790 - الإثنين 21 يناير 2013م الموافق 09 ربيع الاول 1434هـ
هو فاهِم ولكن بن علي ومبارك وغيره لم يفهم
إن حالة الرئيس الصومالي المتخلّي عن السلطة بروح ديمقراطية حالة نادرة في قارة قد يعمّر فيها الزعماء أطول من أعمار بلدانهم أحياناً
ومتى دامت لأحد
ليتهم حقنوا دماء شعوبهم
هذا جميل
مقال فيه من الحزن ما فيه من الطرفة لكن هل يتوب أولئك الرؤساء ؟؟؟؟؟؟؟؟
لهم عيون لايبصرون بها ولهم عقول لا يفقهون بها ختم الله على قلوبهم
ولكن ما ضر مخلوع تونس أو مسجون مصر أو مقتول ليبيا لو أنّهم تقدّموا لمثل هذه الجوائز بعد أن تقدمت بهم سنون الحكم نحو الفساد والاستبداد؟
عبرة
انه أبلغ الدروس، وياليت البقية تتعظ.
من عرش الرئاسة إلى مقاعد الدراسة
شكرا مقال جميل وطريف
فعلا تحتاج مصر وتونس وليبيا لذلك
تونس ومصر وليبيا كانت حقاً في حاجة إلى زلزال سياسي كبير، نظراً لحجم الفساد الذي كان ينخرها بحيث تحتاج إلى أن تجتثّ رموز الفساد وبقايا أنظمتها السابقة حتى تُبنى من جديد لعلّها تتعافى من نصف قرن من الدكتاتورية؟