سأكتب عن وزارات الداخلية العربية خصوصاً، القادرة على التحرّك والتدخل في وزارات العمل وتحديد من يدخل ومن يخرج، والقادرة على تحديد حُسْن سير سلوك سفير من عدمه بتقنية التجسّس، وإذا خفّفنا العبارة: الإصغاء من وراء حجاب! والقادرة على تحديد المُؤهّل صحياً والمصاب بالسلّ، والقادرة على تحديد من يتمتع بلياقة ومن هو في طوْر الشيخوخة، إذا تكلمنا عن المؤسسات المعنيّة بالشباب والرياضة، والقادرة على تحديد أميّة شخص لأنه طويل لسان ويتابع قنوات «سي إن إن» و»فوكس نيوز» و:سي إن بي سي»، والقادرة على تقرير أن شخصاً ما مُضِرّ ومُهدّد لسلامة البيئة، إذا ارتبط الأمر بالهيئات المعنيّة بالبيئة والمحميّات الطبيعية؛ على رغم أن جُلّ الأوطان تلك هي عبارة عن محميّات ولكنها غير طبيعية في صورة أو أخرى! والقادرة على تحديد الفقراء ومتوسّطي الدخل والأغنياء؛ بحسب المجاز إذا ارتبط الأمر بوزارات الشئون الاجتماعية، والقادرة على تحديد المُقعد وبطل سباق اختراق الضاحية إذا ارتبط الأمر بوزارة المواصلات، والقادرة على تحديد مؤشر وطنية وتبعية المواطن إلى ما يُملى عليه أو خلاف ذلك، والقادرة على تحديد المُؤهل في مسابقات تجويد القرآن الكريم؛ بحسب سحْنته ولهجته وامتداده وانتمائه وملحقات أخرى قد تتسبّب في حجب هذا المقال! والقادرة على تحديد أنه من رعايا «الصراط المستقيم» الرسمي أو الدخيل على العادات والتقاليد والعرف وأشياء أخرى لا يمكن التطرّق إليها أيضاً لاعتبارات أكثر من أخرى هذه المرة!
وزارات الداخلية هي التي تحدّد أسلوب وصوغ البيان الرسمي الذي يطلع على الناس في الداخل وأمم الخارج؛ ولو كان الأمر متعلقاً بنفوق حصان في شارع عام.
الموازنات الضخمة التي تتجاوز موازنات التعليم والصحة في بعض الدول، تلك التي تخصص لوزارات الداخلية والأمن، لم تحل دون سرقة المال العام، ولم تحل دون ارتفاع معدّلات الجريمة ونوعيات الجرائم التي جدّتْ وطرأت؛ وخصوصاً مع طوفان الهجرات من الجهات الأربع واستيعاب جزء من ذلك الطوفان لأسباب سياسية أو معادلات ديموغرافية.
وزارات الداخلية في العالم العربي هي الوحيدة التي لا وصاية عليها من أحد؛ سوى من الذي قرّرها وثبّتها وأطلق يدها لرعاية الأرض والحرث والنسل، وعلى طريقتها الخاصة في كثير من الأحيان!
في التاريخ الذي عبَرَ وفي الحاضر المُقيم لا يمكن للذاكرة العربية منذ وهْم الاستقلال إلى اليوم أن تنسى أن الحقوق تقلّصت والحريات صُودرتْ والكراماتْ مُرّغتْ، عبر ضجيجٍ وطنِين إعلامي يُروّج لهيمنة وسيطرة وسهر تلك الوزارات على أمن المواطن بحسب مواصفاتها وتعريفها، وأحياناً تخريجها للأمن ومفهومه. أمنها وأمن من وجدت من أجله؟ أم أمن المواطن الذي قد يُلتفت إلى رصيف في زحمة الانشغال بذلك الأمن ولا يتم الالتفات إليه؟
وزارات الداخلية في الوطن العربي في مجملها نَمَش على ما يمكن أن يُرى من بياض البشر وبياض هذه الأرض. الأمن لا يمكن أن يُقنع حتى أبسط الأشياء؛ عدا البشر بتكثيف واتخاذ زرع وبث الرعب سنّة لا عدول ولا نكوص عنها. السنّة التي تجعل المواطن يشكّ في الرصيف الذي يمشي عليه، وفي العدّاد الذي يلقمه بالعملات المعدنية كي يركن سيارته وحتى في الهواء الذي يتنفسه.
الأمن لا يأتي بمزيد من إرهاب الناس وإرعابهم وامتهان كرامتهم. الأمن لا يأتي بالغُرَف السريّة في استلال الأرواح وفي التفنّن في تعذيب الأجساد واللحم البشري وإخضاع الحواس لكل تجارب دول العار في إزهاق الأرواح.
الدور البائس الذي تكرّره وزارات الداخلية العربية هو النفي. نفي التجاوزات والانتهاكات والإهانات ولو طلع عليها عشرات البشر بما يوثق كل ذلك وبالصوت والصورة وفي مشاهد عفوية لا لبس في استهدافها التجاوزات والانتهاكات والإهانات تلك. يظل النفي حاضراً. ما المغزى؟ حفظ «كرامة» من مارس سفح الكرامات وإهانتها وإباحة الإذلال وتعميمه؟
لا تحدّث الجائع الحافي عن الحكمة، ولا تثرثر أمامه بروعة السيمفونية التاسعة لبتهوفن. تماماً هو الأمر لا تحدّث المواطن العربي من المحيط إلى الخليج عن الأمن الذي توفره وزارات الداخلية وجلّها معامل ومختبرات للرعب والموت والسحل. لنضع الأمور في نصابها. نعلم أن الإعلام مختطف من قبل قلة، ولكي تعرف ما يدور في مجمّع سكنك عليك أن تكفر أولاً بمصادر الإعلام في بلدك حين تكون مراقبة ومُهيمَناً عليها من قبل الوزارات تلك. وحين يكون الإعلام مختطفاً من قبل قلة لا يمكنه أيضاً أن يكذب عليك بوهم أمان لأنه لا يملك خيار أن يمارس مهنته كما يجب؛ ولو بأدنى الإمكانات من الخيار الذي لن يكون ولن ترى ما يدل عليه.
كأنها سُمّيت وزارات داخلية لاحترافها إدخال المواطن في «ضيافتها» وما أدراك ما ضيافتها!
سميت «الداخلية» لممارسة دورها في إدخالها في حيّزين: الجنون في أفظع حالاته من فرط «التدليك» و»المساج» و»تيّار» الحب والاهتمام الذي يسري بفعل كهرباء ذات مواصفات خاصة يشرف على ممارستها وتعهّدها في كثير الأحيان أميّون ومعقّدون ويعانون من صفْر عاطفي؛ إذ لا أحد يريد أن يكون طرفاً وعاطفة من عدم مثل ذاك.
يُفرض عليك أن تزور نماذج من جهنم البشر في أمكنتهم في عنابر التحقيق. لن تكون في منأى عن حالين: الجنون/ الموت؛ أو الموت وقد مُهر جسدك بأكثر من مهر واقتلاع لسلامه بفعل خبرات استلال الأرواح التي يتم تحديثها بين فترة وأخرى.
لا أدري، كيف تصدق كذبة أنك في أمان فيما الرعب والخوف يحاصرك في مسام جسدك وفصيلة دمك؟ دول وكيانات تربّتْ على تاريخ من البتر لا تنتظرنّ منها توزيع أكياس الطحين والرز والسّكر على من يحتاجها ومن لا يحتاجها. دول وزارات داخليتها يدخل «ضيفها» في فنادقها ذات الخمس نجوم بعينين وأذنين ويدين وقدمين ويخرج منها وقد تمّ خصم الزكاة والخمس من جلّ أعضائه، وفي أحيان يتم خصم مئة في المئة من ذلك الجسد عبر جلسات التدليك والمساج لتفارق روحه وهو في رفاهية من نوع خاص! وعليه وهو في ملكوت الله، أن ينتظر لجنة أرضية تثبت أنه كان هنا أساساً، كما أن عليه ألاّ يتذمر أو يشكو من سوء أخلاق وخلق.
لا أحد في الدنيا يطالب بإلغاء تلك الوزارات؛ مادامت تقيم أماناً عاماً لا تشطيرياً، ومادامت تكرّس عزاً، لا أن تتحوّل إلى مناجم من التجاوزات والانتهاكات والإهانات.
خلاصة القول: وزارات الداخلية العربية... تمنحُك أمناً من نوع آخر! أمناً هي تحدّد مواصفاته وتوجّهاته، وعليك أن تكون ممتنّاً له ولو أحسسْت بأنه الرعب ولا شيء غيره!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3789 - الأحد 20 يناير 2013م الموافق 08 ربيع الاول 1434هـ
مع الاسف الشديد هذا هو الواقع
ياستاذي الفاضل مع كل الاسى والاسف هذة هي الحقيقة المرة حيث اصبحت
وزارات الداخلية تمثل الرعب والارهاب الحقيقية حيث ان مفهوم الامن والامان
في الاوطان مفرون بالبطش والاستعباد المواطنين حتي يكون شرفاء ليس لهم
حق الاعتراض والتفكير في المخالفه الحكومات الحكمية والرشيدة ويجب القبول
الواقع انه افضل الموجود في العالم ونحن محسودين على هذة النعمية العظيمة
والله وحده ان يغير حالنا الى الاحسن ان شاء الله وبجهود المخلصين
ما مصيرنا ومصيرهم
ناس تقول ان هذه سوق اختلقتها راعية الفوضى الخلاقة واجبرت هذا القطيع ان يدخل فيها العرب كافة ويدبروا أمرهم بليل ... والعرب مازالوا على العهد في الشهامة خصوصا اذا صدر هذا الامر وهي مكرهين عليه .. فأمريكا هي الأم الرؤوم لكنهم هذه المرة لا يعرفون مغزاها من هذه المناورات .. ولهذا هم يعيشون تخبط واجتماعاتهم تراها مثل ضرب الودع وقراءة الكف في اتخاذ قرارات ارتجالية وغير مدروسة وعندهم مكيال النفط يغرفوا منه الان لكن ما ندري مصيرنا ومصيرهم اذا غير أمريكا تفكيرها هل سيحزمون الامتعة ويرحلون والى اين .
هذه الوزارات امن المواطن ليس من ضمن اولويتها
اولوية هذه الوزارات هي امن الانظمة وليس امن المواطن
الابداع
لا يليق لنا إلا الاجلال والتقدير للكاتب المتألق دائماً والمستمر في الابداع في نشر أثار وتبعات الظلم لعلهم يفقهون....شكراً لكم..