الغريزة: الطبيعةُ والقريحةُ والسجيّةُ. في الفلسفة: صورة من صور النشاط النفسي، وغريزة الإنسان: (علم النفس)، نشاطه، سلوكه العام والخاص الخاضع للفطرة.
الغريزة اليوم، في هذا التكالب على كل شيء؛ حتى على العدم لم تعدْ طبيعة وفطرة وسجيّة. ما يحدث على الأرض يذهب في اتجاه مناقض لكل ذلك. إنها الخروج على الطبيعة والفطرة والسجيّة. هي ما دون غريزة حتى الكائنات التي نحتقرها ونرى أنها أقل شأناً وقيمة.
بعد المقدّمة تلك، أسأل: هل يمكن للغريزة وحدها أن تحقق تنمية تمسُّ الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية والدّين، من دون ضوابط ومرجعيات تتكئ عليها؟ هل يمكن أن نترك للغريزة اليوم في كل هذا العبث المستفحل، وكل هذا الجنون المفتوح على الفراغ و»الزحْمة» أيضاً أن تأخذ بيدنا إلى مصير هي تحدّده ومستقبل لا نشك أنه سيكون بلون «الخَرّوب»؟
الغريزة اليوم مضاعفة في استهدافها ودمارها وتقصّيها لخلخلة طمأنينة الإنسان. هي أكثر شراسة وانحرافاً من غريزة الإنسان الباحث عن البقاء في عالم متوحّش، وغابات مفتوحة على الكمين والاستهداف. غابة اليوم بكل قوانينها التي من المفترض أن تغْريه على الانحياز إلى عالمه الجديد، باتت أكثر خطورة بتلك القوانين؛ لأنها في صورة أو أخرى تتضمّن حماية الذين أوتوا حظاً من العضلات والسطوة والمال والنفوذ، وبتلك التغطية القانونية والنصوص الملغّمة التي تحمي أمماً وتستبيح آخرين، باتت غريزة العودة إلى البدائية هي السائدة في التصرّف والسلوك والتعامل مع من هم أقل قوة ونفوذاً ومن هم أكثر حضوراً واستدعاء وتمثّلاً.
الأنظمة التي تحكم شعوباً متذمّرة ورافضة لسياساتها من المهد إلى اللحد، تنطلق من غريزة بقائها وحدها، لا غريزة الدفاع عن بقاء الذين هم تحت هيمنتها ونفوذها، في ظل غيابِ صريحِ العقل وصريحِ الضمير وصريحِ الإحساس بـ «التكليف» الذي تم تحويله إلى «تشريف».
ليس من الطبيعة والفطرة والسجيّة أن يكون القتل سهلاً سهولة قضاء الحاجة في الحالات الطبيعية. ليس من الطبيعة والفطرة والسجيّة أن يكون الإنسان في الدرجة المغيّبة؛ بل الملغاة في التعامل معه من كل ذلك. ليست غريزة تلك. إنها أدنى بمراحل من عالم ما قبل تشكّل المجتمعات، وما قبل تشكّل التهديد لعناصر تلك المجتمعات.
غريزةٌ تحاكمك على الاحتمال، وتذهب في تعاطيها معك حدّ اليقين بأن وجودك يعني فهماً لا يقبل تأويلاً بتهديد الفضاء الذي تتوهّمه، تحركّاً وامتداداً، وما تتلقّاه من رفْد ومدَد لا حصر له.
ليس من الطبيعة والفطرة والسجيّة أن ترى في الوشاية حصانتك، وأن ترى في القتل حياتك، وأن ترى في التخوين شرفك وتفرّدك وامتيازك، وأن ترى في العنصرية نقاء دمك واصطفاءك من قبل السماء. تلك خرافة تكاد تكون مقيمة في رؤوس وأدمغة من لا رؤوس وأدمغة لهم أساساً.
كأنه؛ بل هو كذلك، لكل زمن انحراف في غريزته؛ ما يعني انحرافاً في مُؤدّى البشر الذين يشغلون حيّز ذلك الزمن، والبلاء الذي يشيع في المكان الذي يشغلونه أيضاً.
نفتقد الفطرة حين تحاصرنا الغريزة في شكلها وصورتها المشوّهتين والمجيّرتين لصالح عَمَار فئات على حساب السواد الأعظم من الناس. تذبحنا الطريقة التي تُنحر فيها الحياة بفعل الغريزة المنحرفة تلك. الحياة باتت مُهدّدة ومُستهدفة؛ بل ضُربت في مقتل بفعل ذلك الانحراف وتجييره وجعله ناموساً وخريطة طريق لن تفضي إلى شيء؛ خلا المتاهة التي لا نهاية لها؛ وخلا الضياع المفتوح على اللاشيء أيضاً.
ذبحتْنا غريزة منحرفة لمن كانوا إخوة جاءوا بدم كذب مُخلّق ومصطنع من حولنا. ذبحتْنا غريزة غائبة عن الفطرة والطبيعة والسجيّة، تفرّغت لغرز السكّين حتى ما بعد العظم. ذبحتْنا غريزة تخجل منها البهائم لأنها بعيدة عن خريطة وجودها ولا تريد أن تنأى عن وجودها؛ بغضّ النظر عن بدائيته أو مثاليته.
ذبحتْنا الغريزة المُصابة بالعطب بعيداً عن الطبيعة والفطرة والسجيّة حين تجد مأواها في عراء ضحاياها، وحين تجد شبَعَها في خواء معدة من تراهم غرماء لها، وحين يستقر في قناعتها وخلْدها، أن الأعمال إلى الله تبدأ بسفك الدم والتكفير وتعطيل التفكير.
ذبحتْنا السيناريوهات الممّلة والساذجة لغريزة هي أقل موهبة من الانحراف حين تختلق قيامات، وهي أعجز من أن يطرف لها رمش. سيناريوهات تعيدنا إلى رعاية الإبل لنا بدل رعايتنا لها؛ عدا رعاية البشر.
تحاول أن تكون متفائلاً، أن الغريزة من حيث هي طبيعة وسجيّة وفطرة؛ لكن الواقع على الأرض يقول الشهوة والترصّد والاستهداف واختراع واصطناع ما يبرّر قتلك وسحْلك ونفيك وإلغاءك والأخذ بك عنوة إلى كواكب قصيّة، وعلى نفقة أصحاب الغريزة التي تحتفي بانحرافها مع كل طرْفة عين.
لا نخشى من الوحشية التي اختبرناها وأدركناها ومانزال ندركها. نخشى من الذين يأتوننا في هيئة الطهْر وهم عيْن النقيض. نخشى الذين يأتوننا في مسوح القدّيسين وهم أدلاّء ومرشدون للقتَلة والعابثين بالحياة. مثل أولئك لا يتحرّكون بدوافع الغريزة التي نعرف. يتحرّكون بدوافع انحرافهم من ألِف الحياة إلى يائها.
تهمس الغريزة المنحرفة التي نشهد في أذن ذئب في برية حراً: ليتنا بالسعة التي تحيا والبراءة التي حظيت؛ بعد طرف غدر علق بك وأنت منه براء.
نحن إزاء غريزة تم الافتراء عليها كثيراً. تم تقويلها ما لم تقل، وتم استهدافها وتشويه مراميها بممارسات هي بعيدة كل البعد عن الشهوة المنفلتة المتمردة على كل عقال، والخلاعة في اعتزازها بالتهتّك، والبذاءة في تشرّفها بالانحطاط.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3785 - الأربعاء 16 يناير 2013م الموافق 04 ربيع الاول 1434هـ
العنصريه من صنع اليهود واذنابهم
العنصريه المقيته بين المسلمين من عرب وعجم واكراد واتراك والتناحر لنيل الالقاب والمميزات من صنع الاستعمار ونعوذ بالله منها لان سياستهم فرق تسد
عدم ايماننا بالمشكلة و اتهام الأخرين ليس حلا...
مسألة فرق تسد اعتبرها شماعه و اعتمادنا على القاء اللوم على امريكا و غيرها شماعة اخرى ، نعم انهم يتفيدون من وراء فرقتنا التي قد صنعناها نحن ابنان موت حبيبنا محمد ص فورا حيث لم تكن امريكا او اسرائيل في الوجود، عدم اعترافنا باننا اساس المشكلة هي المشكلة الكبرى فمن يظلم و يقتل انما عربي مسلم ضد عربي مسلم لا ارى اي اثر لأمريكا في الموضوع انها تستفيد من شيء نحن صنعناه ، الحكام الطغاه على مر التاريخ الإسلامي و الظلم والتفرقة ولدة لدينا قبل ولادة امريكا ، لم لا يحصل ذلك في كوريا او الصين او اليابان مثلا
..
كلماتك ت>هلني
من اشد المعجبين باسلوب كتابتك .. وانتقائك للمفردات الرائعة ..
سلمت يداك استا
ان النفس لاماره بالسوء
الشطان يوسوس لنا ويجمل لنا قبائح الاعمال ، فالسؤال كيف نتغلب على ذلك ؟ بقراءة القران وتأمل آياته بفكر منفتح والاستعانه بأدعية الصالحين من العباد والبعد عن اماكن اللغو والسوء وحضور مجالس العلم والنور والاقتداء بالصالحين والإيثار بدل الاحتراب على حطام الدنيا والإيمان الحق بان الدنيا ممر والآخرة مقر