نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إنما أفرادٌ من «الأغلبية الصامتة»، نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير، ونحترم العقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، ديدننا العدل والمساواة.
َمن ِمنا مَن رُزق بأطفال، ولم يفرح لحظة أن ترنّم طفله، بهمهمةٍ من وجدانه لحظة حبوره. قد لا يكون للترنيمة معنى في قاموس اللغة للكبار، ولكنها نتاج لما تعتمل به مقومات بناء نمو الطفل، ويكبر طفلنا ليبلغ سناً مازال طفولياً، ويسبغ بعض كلماته، بلحن الترنيمة، التي لا تأتي من فراغ، بل تفاعلاً وتعبيراً عن كسبه مهارات المعرفة الإنسانية الجمالية، ومنها النشيد والتغني، التي هي إحدى وسائل التربية والتعليم للأطفال، إضافة إلى القصص، (تعود بي الذاكرة إلى قصة سرحان بين الغيط والبيت في كتاب القراءة للابتدائي، التي كانت معياراً لقياس الذكاء والربط بين الفعل والنتيجة)، والتي يتبعها كبار المربين، لغرس المفاهيم الحياتية الإنسانية في عقل الطفل.
ونرى أحياناً للطفل عالمه الخاص الذي يستقيه من عالم الآخرين، التي قد تكون فاضلةً أو سيئةً، ولهذا يحتاج الطفل إلى الرعاية التي لا تحتقر روح المبادرة لديه، وتعزّز مبدأ الحرية للتعبير عن نفسه، ولا مانع من تقويم تلك المبادرات، بالتعليم مع ضرورة إسناد عامل الحرية ومنحه المساحة المطلقة للتعبير عن تخالجات نفسه، فوالله سيفرحني لو ترنم طفلي ببعض النغمات السياسية المنتشرة هذه الأيام، ولضحكت وأضحكته، وهو يكرّرها، وأعتقد بأن أي مسئول كان ليفعل مثلي، وبعد حين أُعَلِّمَه معنى همزها ولمزها، ومدى صوابها وخطئها، وأوجّهه الى أن موضوعها أكبر من سنه، وذلك باللين الذي يحفظ طفولة إنسانيته، ولا يغتال عنده اندماجه ومجتمعه تأثراً وتأثيراً.
أما العقاب للأطفال، لنهيهم عن قولٍ أو فعل، فلا تجوز المبادرة به بدءًا، ومتى ما قرّر المربي عقاب الطفل، فلا يكون ولا حتى الضرب الرمزي اللين، أولى المعالجات، فذلك يغرس فيه عقولهم ووجدانهم، الإتيان بمثله، كلما واجه الطفل أمراً لا يرضاه، ما ينبت في نفسه ميلاً للعنف، في تعامله ومجتمعه في مراحل نموه، وخصوصاً مع تكرار ضربه لكل صغيرة وكبيرة.
يحضرني في اللحظة، طفل في الثالثة أو الرابعة من عمره، كان يصفع والدته، وحين تُحَمِّر الأم له العين، يبادر بضمها بجسده الصغير، ويقبّلها على كلا خديها، ولا ينتهي فعله هذا، والعبرة في القصة لمن اعتبر، لذلك على المربّي الابتعاد عن العقاب المؤلم والمسيء جسدياً، واللجوء إلى ربما الحرمان من أمرٍ يحبه ويطرب له الطفل، بشرط ألا يحرمه ذلك من حق أساسي، مثل الأكل والدواء، أو الدرس والتعلم، مثلما حصل مع مأساة طفلنا بضربه وحرمانه من الدراسة عشرة أيام، فعقاب الأطفال التربوي لا يجوز أن يستمر في التماثل المتكرّر كل يوم، بل هو دقائق لا تطول، ويبدأ بإعلامه، إن أعاد مثل فعله، سيلقى الجزاء الموصوف له تحديداً، فإن انتهى فلا عقاب، وإن أعاد فالجزاء المعلوم المحدود، من غير إسفافٍ لا في الزيادة ولا النقصان. فالطفل الذي يُهَدد بالضرب مع خيار آخر للعقاب، ربما ينتهي عن فعله، لأنه يجهل درجة النتيجة المُتَأتاة من ضربه، لكنه حين يتم ضربه تكراراً، تجده يكابر ويقول «أصلاً ما تعور»، ولكنه يُسقط آلامه في إيلام الآخرين مثل ضربه لمن يصغره سناً، وفي كِبَرِه يميل للعنف، لحل مشكلاته، (أحد الأبناء الذي تعرّض للضرب في صغره، عندما كبر، بدأ ينتقم من والده بخشونة التعامل وقلة الاحترام).
ففي الروضات والمدارس الابتدائية بالذات، وكذلك المرحلة الإعدادية، دور الإدارة والمدرسين، ليس تعليمياً فحسب، بل أساسه تربوي، فطلابها هم النشء، الذي يتشكّل عقله ومعاييره الوجدانية وعلاقته بمجتمعه، نتيجة التربية أولاً، ولذلك تسمّت المدارس بالابتداء والإعداد، والتي لا يجوز الخلط بين طلابها، فللروضات منشآتها وطاقم مربيها، ومثلها للابتدائي والإعدادي، دونما خلط، ولكل مرحلةٍ متطلباتها التربوية أولاً وتليها التعليمية، فلا يأتينا مديرٌ في وزارة التربية والتعليم، التي يتوجب في حال دمجها في المهمتين، أن تنفصل إدارة التربية عن إدارة التعليم، لا يأتينا بلائحة فوقية للانضباط الطلابي الابتدائي، دون اشتراك ولاة الأمور في تدارسها وتبنيها، في فصلٍ مادي وتربوي ما بين المدرسة والأسرة، تناقضاً مع مبدأ تواصل المدرسة بالبيت التي تتشدق به الوزارة، عنواناً خاوياً من مضمونه وتطبيقه، في خلطٍ سيئ لست سنوات من عمر النشء ما بين السادسة والثانية عشر، في لائحةٍ تخلط عقوباتٍ عوضاً عن معالجات، لفارق الأعمار، وتعالج الهفوات البريئة للأطفال في الانضباط الطلابي، بعقوبات تصل إلى شهر، 30 يوماً من الحرمان من التربية والتعليم، لطفلٍ في الثامنة، وتُبَرئ المديرة من التعسف غير التربوي بأنها أوقعت على الطفل الحرمان عشرة أيام وبيدها أن تحرمه شهراً، مع عدم حرمانه من الامتحان، جزاء ترنيمةٍ، لا يفقهها الطفل إلا صوتاً ولحناً من دون كلمات، مثلما يضرب الطفل على طاولته، تقليداً لإيقاع قد يكون سمعه من محطة إذاعية أو تلفزيونية رسمية.
وأي إطارٍ تربوي ذاك الذي يعسف في العقاب قبل المعالجة، وأي استهبالٍ يأتيه المدير للوم كاتبة الخبر في الصحافة بتصريحه «لائحة الانضباط... عبارة عن معالجات وليست عقوبات كما أشارت المحررة»، أيّ معالجاتٍ بأن يتم ضرب طفل الثامنة، في حضور أقرانه، وحرمانه من التربية والتعليم عشرة أيام قريبة من الامتحانات النهائية، دون أدنى تواصل وإشراك لولي أو ولية أمر الطفل، لا بل امتناع المديرة عن مقابلة والدة الطفل؟ ويأتينا المدير الخبير بالتصريح «إن لوائح وزارة التربية والتعليم، لم تؤسَّسَ إلا لمصلحة الطالب (الطالب الطفل في عزله عن أسرته لتربيته واستفراد المديرة بذلك؟)... هدفها إصلاح، والنهوض بأجيال المستقبل لخدمة ورفعة شأن الوطن»!
عجباً، وهل تأتي رفعة الوطن، من وراء أسلوب تُرَبيين، لا تربويين، يتبنون العقلية الأمنية العقابية التعسفية التسييسية على الأطفال والنشء، وكان الأولى بالمديرة أن تحيل الطفل إلى المختص أو المختصة التربوية والنفسية، الواجب توظيفها في كل مدرسة، وعلى هذه المختصة أو المختص، معالجة امتناع الطفل عن التنتنة، وإرجاعه إلى صفّه لتلقي التربية والتعليم، أسوةً بأقرانه، ثم استدعاء والدة الطفل أو والده، للتعاضد كل بدوره الأساسي، في معالجة تفهيم الطفل، ما يصح ولا يصح من ناحية القول أو الفعل أو حتى التنتنة، بالعلاقة بالموضوع والمكان والزمان، بدلاً من التبريرات اللاحقة لسوء ردة الفعل التي طالت إنسانية الطفل وحقوقه، التي أتخيل سيناريوهاتها، تتمثل ربما في، إما طائفية المديرة الفالتة من العقاب، أو في رعبها السياسي من الموضوع، فسَيّسَت قرارها لتنجو، وتُغرق الطفل، وإما النتيجة نفسها لخوفها من دسائس زميلاتها في المدرسة.
والمحصلة، لو كنت ولي أمر الطفل، لقاضيت المديرة والوزارة ووزيرها، في اللائحة والإجراء، لتأخذ العدالة القضائية مجراها.
لخبر الحادثة راجع صحيفة «الوسط» في عدديها ليومي 10 و11 يناير/ كانون الثاني الجاري 2013.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3784 - الثلثاء 15 يناير 2013م الموافق 03 ربيع الاول 1434هـ
المشتكى لله
لا يازمن
هل تعلم أيه الشريف لو كان عندنا في المناصب العليا (أصحاب القرار) ناس تفكيرها مثل تفكيرك لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه ...
السعي والسلوك والتلوث
من الحكم التي تقول أنه التقيت بجاهل كن عاقلا واذا التقيت بعاقل لا تجهل.
فقد لا يكون السعي بين الصفا والمروة كما السعي في إذاء الناس. وكما أن جراحات اللسان لها إلتئام لا يندمل ما جرح اللسان. الأذي الذي أصاب الطفل من هذا الاعتداء قد يكون سبب في انحرافه لا حقا. فهل المربي تربوي عند ما ينزل الذي بطفل.
فأيهما الجاهل هنا؟
الخربة والخرابة والمغرم صبايا
المعلوم أن القربة والقرابة ليست كما الخربة والخرابة. الا أننا قد نجد أن الفتون والمفتون بالدنيا قد يكون مجنون. فنصل حينها الى أن الدنيا إن لم تكن جنة فمصيرها التحول الى خربة وخرابة. فالناس فيها أجناس ومعادن لكنهم متى ما تعادوا وتعاركوا واختلفوا في ما بينهم فلن تكون الدنيا لمغرم صبا الا كما صب وصابا وتكتشف أن كسب الدنيا قد يخسر نفسك.
فهل تخيب أم تصيب فيها وتأخذ لك نصيب؟
ليش رفع الدعوى أصلا
فالانجع والاصوب والاوقع ان تعاقب الوزارة المديرة وكافة من تلوثت ايديهم بالمخالفات في حق الطفل المضروب الموقوف المهان ووالديه والمجتمع. وأين من المخالفات الصارخة هذه كلها وهذا الذي ظهر هو فقط رأس قمة جبل الجليد وما خفي اعظم عن الموضوع؟ صحيح أنها ليست نقابة فلا تملك عقابا لاحد وإن فسق! ولكنها مطالبة بقولة حق.
سلمت يداك ايها الكاتب
يعني حرمان طالب ابتدائي عمرة 8 سنوات من الدراسة 10 ايام لانه عمل تنتنه يعني مو عقاب مضحك مبكي وتريدون المنظمات الدوليه تحترمكم يعني شخص عاقل حكيم يقوم بهذا التصرف هناك اكثر من وسيله لمعالجة القضيه لكن عنجهية المدير وعصبيته وجو العمل في وزارة التربيه العسكرية تجعل الحلول العسكرية تسبق كل الحلول ولا عزاء لاولياء الامور من هكذا وزارة وهي من اسوا الوزارات في الدوله
شكرا للكاتب على ما يتحفنا به دائما
هناك نوع من التدرج في التعامل مع الطفل وما حصل هو عكس ذلك اذ بدأ بالعقاب الأقسى من اول شيء
عزيزى الحر ابن الحرة
ماالذى تقوله ولي الامر يقاضي المديرة اهذا يعقل اتريد ان يزجوا به في السجن اتعتقد ان هذا البلد بلد يحترم فيها الانسان واين ضمير هذه التي تسمى بالمربية هل تعتقد انها ستفلت من عقاب رب العالمين اللهم انزل عليها اشد عقابك هي وامثالها ليكونوا عبرة لمن يعتبر اليس الصبح بقريب
ملكش راي في مقرر الوزارة
اصبح المعلم ملزم بالمقرر و التعليم من دون التربية و الخروج عن لائحة الانظباط خروج على القانون
و مسموح لك الخروج عن القانون اذا كانت ضد المعارضة
الاحتمال الأخير أقرب إلى الصواب
الاحتمال الأخير الذي ذكرته قد يكون أقرب إلى الصواب وهو الوشاية التي انتشرت مؤخرا بين الزملاء في العمل ، الخوف من دسائس زملاء العمل هو هاجس الموظفين الآن ، حتى طائفية المديرة ربما قد تكون السبب ولكن العتب يقع على وزارة التربية التي لم تحرك ساكنا إلا عندما نشر الخبر في الجريدة وهو أمر محزن أن يتحرك المسؤولون فقط لأن خبرا قد كتب عن هذا أو ذاك ، وهذا دليل على عدم متابعة المعنيين في الوزارات لما يجري في وزاراتهم ويعطي مؤشر إن من يريد أن يسمع صوته فعليه أن يتجه للصحافة وإلا حقه ضائع. أمر محزن للغاية
كلامك عين الصواب
كلامك صحيح وفعلا نحن لا نخاف من شيئ الآن سوى من الوشاية المنتشرة بين صفوف الموظفين ناس تتكلم وناس تسكت، فإلى متى سيستمر هذا الوضع لا ندري. أما الوزارات فحدث ولا حرج.
وزارة التربية والتعليم العسكرية
هذه الأفعال هي نتيجة طبيعية لعقلية عسكرية لمن تبوء أعلى منصب في هذه الوزارة الضرب والزجر والعقاب والصفع والفصل ليس منها أي عمل تربوي التربية هي اهم جزء من تحضر المجتمعات ونهوضها فإذا انحرفت انتفى وجودها