نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد من «الأغلبية الصامتة»، نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير، ونحترم العقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، ديدننا العدل والمساواة.
الحبس اما أنه يأتي، عقوبة منصوصا عليها وعلى مدتها القصوى في قانون العقوبات، أو أنه حبس على ذمة التحقيق، الذي تتخذه النيابة العامة، والأخير هو موضوعنا لإبداء الرأي والتداول، وهو غيره الحبس الاحتياطي أو ما يطلق عليه التوقيف لدى الجهات الأمنية، وقد حدد القانون مدته بحيث لا تتجاوز 48 ساعة، يحال بعدها المتهم الى النيابة العامة، وموافاتها بلائحة الاتهام وتقرير الاستدلال الأمني المتمثل في توثيق أدلة الاتهام، من أجل استيفاء التحقيق بعلمها، الذي لابد أن يبدأ فور وصول المتهم إلى النيابة دون تأخير، ووجوب أن يتمثل في أول الإجراءات اللازمة، وهي التأكد من سلامة المتهم الصحية البدنية والنفسية والعقلية، بآلية الكشف عليه من قبل الطبيب الشرعي، والتأكد من أنه لم يتعرض لأي أذى أو تهديد، فإن ثبت أي منها، لدى النائب المحقق، أبطل إجراء القبض وأطلق سراحه كمتهم، وأحال القضية الى التحقيق في المعاملة المسيئة.
ونحن هنا لا نفترض أمراً مستحيلاً، فقد حضرت في أحد مراكز الشرطة واقعة اعتراف جانٍ بالفعل المشكو ضده بإتيانه، ووجدته منهاراً نفسياً، ثقيلاً في الاستجابة، مرتخياً عقله، ما يوحي بأنه مشدوه، وبقول إخواننا المصريين «مش على بعضه»، وعلى رغم أن إجراء الحبس على ذمة التحقيق قانوني، فإنه لابد له من غاية ووجوب وبيئة وظروف توقيف، لا صلة لها بتلك في السجون.
فالمتهم لايزال بريئاً حتى تثبت إدانته، إما اعترافاً بمحض إرادته الحرة، وفي هذه الحالة يجوز إبقاؤه رهن الإقامة الجبرية، إلى أن تبت أعلى درجات المحاكم المختصة بالحكم عليه، ليتم تنفيذ العقوبة فيه، من بعد استكمال إجراءات إحالته اليها، فالحبس لا يجوز إلا بحكم محكمة بالحبس عقوبةً بالتحديد، وليس لأي سبب أو داعٍ آخر، أما فيما عدا اعترافه، فالحكم لقاضي المحكمة، من خلال الأدلة المادية الموثوقة وشهود الإثبات، وفي كل الحالات، يظل المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتوفر له فيها كامل حقوقه الدفاعية.
والمحصلة أن ليس هناك من حق للنائب العام في حبس المتهم في سجن، بل ربما أقصاها الحق في تحديد محل إقامته، في مساحة تتوفر له فيها كامل ظروف الحياة الطبيعية الشخصية عدا التنقل، بمعنى أن يعيش في محل إقامته الجبرية بمثل ما يعيش في بيته، فتتوفر له جميع سبل حياته المعتادة من عبادة ورعاية صحية ومأكل واطلاع وقراءة وكتابة، واستخدام أدواته الشخصية للنظافة والملبس والترفيه، وزيارة الأقارب حتى الدرجة الرابعة، وربما الإقامة الحرة لأحد أقاربه وإياه وخاصة الزوجة، ما عدا استحقاق الإقامة الجبرية، ومنها التواصل مع العامة، التي تحقق غاية عدم تأثير المتهم في الشهود وأدلة الاتهام، وفي سير إجراءات المحاكمة، هذا كله إلى لحظة صدور الحكم القضائي النهائي البات، في آخر مراحل التقاضي المتمثل حالياً في حكم محكمة التمييز، أو إعلان المتهم الموثق بتنازله عن حقه في اللجوء الى المحكمة الأعلى درجة، حينها فقط يجوز حبس الجاني بعد ثبوت التهمة، في أماكن الحبس التي أيضاً لها متطلباتها الإنسانية.
وعلى النائب العام، إثبات الغاية من إجراء الإقامة الجبرية على المتهم، ومدتها القصوى القانونية، في حيثيات إجراءاته، فهي لا تتعدى الإجراءات وليست أحكاماً، ومتى ما جاءت كما وصفنا، فلن يكون فيها التعويض عن التعسف حين البراءة، إلا فيما يخص الحجر على حرية التنقل المنصوص عليها في الدستور. كما يتوجب على النائب العام، أن يتخذ لها إجراءً لمرة واحدة، لا أن يمدّدها كلما انتهى أسبوع، بأسبوع آخر، ففي ذلك نوع من الإضرار بالمتهم غير مقبول، وينم عن عجز النيابة عن إثبات التهمة، وكأنها تضغط على المتهم بالحجر على حريته، مراراً، في وسيلة للتعذيب النفسي، لحمله على الاعتراف، فعادةً ما تفخر السلطات الأمنية بالقبض على متهم خلال 24 ساعة، فالأولى بالنيابة، إثبات التهمة في غضون أسبوع وإحالة المتهم إلى المحاكم وإلا فلتُطلق سراحه، وخصوصاً في القضايا الحساسة في علاقتها بقوانين حقوق الإنسان وقوانين حرية الرأي والتعبير وحق المطالبات الشعبية والتظاهر والتجمعات، وذلك لكي لا نسيء تفسير الإجراءات.
وبهذا يتوجب وجود أماكن غير السجون، لتنفيذ إجراءات التوقيف المؤقت للمتهمين، إلى حين الحكم النهائي من قبل المحاكم، وكل هذه المنشآت يتوجب إدارتها من قبل السلطة القضائية، وبإدارة مباشرة من قبل قاض، كما انه من غير المقبول أن تقبض الأجهزة الأمنية على متهم وتستبقيه لديها، بل يُرَحّل فور القبض عليه إلى منشآت التوقيف المؤقت عاليه، وبمعرفة النيابة، والشاهد على ذلك قضية استشهاد عبدالكريم فخراوي، في سجون الأمن، حتى أنه لم تصل قضيته إلى النيابة واستشهد من دونها تحت التعذيب.
القضاء في بلادي، يهمنا نحن المواطنين، أن نأمن إلى أحكامه، بأن تأتي بالعدل والقسطاط، لا تفريق فيه، ما بين خادم للوطن ولو بأبسط القدرات، في أصغر الوظائف أو من دونها، وبين خادم لسلطة من السلطات، حتى لو كانت سلطة القضاء، أو السلطة التنفيذية (الحكومة) أو السلطة التشريعية، أو العاملين في الإعلام والصحافة الرسمية. فلم نعد تلك الرعية التي لا تعرف ما يعرفه حكامها، ونعرف العدل من خلال تساوي العقوبة للجرائم المتماثلة؛ ونعرف أن جريمة القتل تتحقق فيها النية وسبق الإصرار والترصد متى ما أصيب القتيل بأول درجات الضرر، وكان بإمكان الجاني معالجته، أو أقلها أخذه للطبيب للعلاج، ولكنه لم يفعل، بل استبقاه لوجبة أخرى وأخرى من الأذى، وليس ظرفاً مخففاً إن وقع شجار، كان فيه الجاني مسيطراً على المجني عليه، وقد تمادى في الأذى، ولا يسقط شرط الإصرار والترصد بقول الجاني «سامحوني ما قصدت آموته»، فعلمي اليقيني، أنه حدث في يوم أن رفع عليّ مراهقٌ يده مبادراً بالضرب على الوجه، تبيّن لاحقاً أنه مريض نفسياً، وقد كانت ردة فعلي بأن تلقفت ذراعه بيدي الاثنتين بمساعدة صاحب لي، وشللنا حركته الأولى، ودفعناه بعيداً عني، قبل أن تمنعه والدته وتدخله البيت، وقد صرحت لها عن اسمي، واعتذرت ثم انصرفت، وبعد ساعة تلقيت اتصالاً من والده يعتذر لظنه أني ناو تعقيد الموضوع من خلال الشكاية للشرطة، فطمأنته، ما كانت لتحصل كل هذه التفاصيل البسيطة من دون تضرر أي من الطرفين، لو أننا تمادينا في التعامل وإياه وتسببنا له في الضرر، عقاباً على تطاوله على من يماثل والده سناً ومقاماً.
فيا سلطتنا القضائية، لا تُفقِدونا الثقة، فتغدو بلادنا بلاد الواقواق، يقتل فيها الأخ أخاه.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3781 - السبت 12 يناير 2013م الموافق 29 صفر 1434هـ
بو لحصين
من شاهك قال ذنبي
لاحياة لمن تنادي
اولا نشكر سعيك التوضيحي والتشخيصي لواقعناء في البحرين,لاأنناء فعلا نعيش اليوم مع هذا القضاء في جزيرة الوقواق وعا نحن نسمع في كل صبح ومساء ماساة الناس الذينه يتعرضون الى التوقيف والتعديب في المعتقلات,ولكن ما نقول الاحسبي الله ونعم الوكيل على الضالم.
المشكله وين
هم يعرفون كل ذلك لكن هم ينتقون من القانون ما يشتهون ويتركون ما لا يشتهون
تقلب المواجع
فالقانون البحريني ممتاز
و لكن تم غلق الادراج عليه و اصبح يطبق على المواطن قانون الغاب باسم القانون
كلامك هو منطق القانون لمن يريد تطبيق القانون ولمن يشرعه لخير الناس
القانون اصبح في ديرتنا اداة تطوّع للتنكيل بالناس وتعذيبهم وسجنهم. القوانين اصبحت في ديرتنا تشتكي الاجهزة التنفيذية
أحييك يا أستاذ
على فكرك ورصين طرحك له. فوالله تعلمت من هذا المقال ما لم يكن لي أن أتعلمه من كتاب في شرح قانون الإجراءات الجنائية. فليتعلم من دمروا النسيج الإجتماعي واللحمة الوطنية وسمعة البلد وحياة الأفراد والأسر من وكلاء نيابة وقضاة وضباط وأفراد شرطة وضبط قضائي؛ من غير أن يرف لهم جفن. وذلك كله بجهلهم أو ما هو أسوأ وأكثر تدميرا للذات وللغير من الجهل. فجزاك الله وأتحفنا بمزيد من رَوحِك وريحانِك فيما يمدك الله به من العمر بصحة وثبات آمين
قربة الى الله
ليس من الضروري لكن فيه ضرر، ولا من الملح لكنه مالح وغير صالح ولا مبرر. فقد أحدث ويحدث أضرار نفسية و جسدية و معنوية وأصاب أو يصيب الإنسان بفعل انسان. هل هذا عملا إنسانيا لوجوبه قربة الى الله؟.أم إنه ليس من الاسرار أن الأسر والسجن دون وجه حق، لم يقترب من الحق بل أبعد ولا لم يقرب وطرق الباب الاسواء والإساءة هنا بينة. فقد اعتدي دون بينة ولا برهان الا بالسؤال هل هذا عمل صحيح اريد به وجه الحق بالباطل؟ أو ربما حيلة التبرير وإيجاد المبررات لم يكن لها أساس؟
اتمنى ان يقرأ هذا المقال النائب العام
من قلبى اتمنى ان يقرأ هذا المقال النائب العام ورفاقه .
صحيح
و فكرك احنا وين عايشين؟