ما زال الاعتقاد سائدا ومنذ عقود من أن الكولسترول هو السبب الرئيس لأمراض القلب وتصلب الشرايين وذلك لوجوده كمادة في الصفائح المتصلبة من شرايين المرض. والحقيقة التي قد لا يعلمها الكثيرون هي أن الكولسترول مادة حياتية مهمة جدا يحتاج إليها الجسم في العديد من فعالياته.

يدخل الكولسترول في تركيب كل خلية من خلايا الجسم سواء في تكوين خلايا جديدة أثناء مرحلة النمو أو أثناء ترميم الخلايا والأنسجة المتضررة أو التالفة بعد ذلك، فهو المادة الرئيسية في إنتاج بعض هرمونات الجسم ومنها الهرمونات الجنسية الذكرية والأنثوية، كما أن الكولسترول ضروري لإنتاج فيتامين (د) في الجسم، هذا الفيتامين الذي له دور مهم في الصحة العامة ومناعة الجسم وخاصة المناعة ضد السرطان، كما يدخل الكولسترول في تركيب الأحماض الصفراء التي تساعد على هضم الدهون، إلى جانب ذلك فإن الكولسترول ضروري وله دور فعال ومهم جداًّ في عمل الجهاز العصبي.

السؤال الأول الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا يرتفع الكولسترول في الدم؟ وماهي العوامل التي تؤدي إلى هذا الارتفاع؟ يمكن اختصار الجواب في جملة واحدة هو نمط الحياة غير الصحية للفرد، والعوامل التي يتشكل منها نمط الحياة غير الصحية تؤدي إلى تلف أو تضرر خلايا وأنسجة في الجسم بما فيها الأوعية والشرايين والتي تعرف بعملية التأكسد، وكرد فعل تبدأ في الجسم سلسلة من التفاعلات المعقدة لغرض إعادة بناء أو ترميم هذه الخلايا المتضررة أو التالفة والتي تدعى وهذا يدفع الكبد لإنتاج الكولسترول لاستخدامه في ترميم الأنسجة المتضررة.

وعلى ذلك فإن أهم العوامل غير الصحية في نمط حياة الفرد هي نظام غذائي يفتقر إلى الخضارالطازجة المتنوعة وخاصة غير المطبوخة لما تحتويه من مواد تعرف بمضادات الأكسدة التي تمنع التأكسد وتحافظ على سلامة خلايا وأنسجة الجسم، إضافة إلى الإكثار من استخدام الزيوت النباتية مثل زيت عباد الشمس وزيت الذرة وزيت الصويا وزيت الزيتون والزبدة النباتية في الطبخ وخاصة في القلي حيث إن هذه الزيوت لا تتحمل درجات الحرارة العالية فتتأكسد وتتحول إلى مواد مضرة بالصحة بعد ذلك، ومن جهة أخرى لكون أكثرهذه الزيوت مستخلصة من النباتات المحسنة وراثياًّ والتي أثبتت العديد من الدراسات العلمية خطورتها على صحة الإنسان.

ويعتبر التدخين وشرب الكحول وعدم ممارسة الرياضة وقلة الحركة بشكل عام من العوامل غير الصحية كذلك، إلى جانب قلة ساعات النوم وخاصة في الليل، والتوتر والقلق المستمر في الحياة اليومية، إضافة إلى استهلاك كمية كبيرة من النشويات تفوق حاجة الجسم مثل الأرز والخبز والبطاطس والمكرونة والسكريات وخاصة التي توجد في العصائر والمشروبات الغازية، التي تؤدي إلى تحويل الفائض منها إلى ما يعرف باسم الدهون الثلاثية (إحدى مكونات الكولسترول) وذلك لغرض تخزينها في الجسم .

ويتكون الكولسترول من عدة أجزاء هي الكولسترول الحميد والكولسترول غير الحميد والدهون الثلاثية، والكولسترول الإجمالي. وللحفاظ على الصحة بشكل عام يجب أن يكون الهدف ليس تخفيض الكولسترول، وإنما إيجاد تعادل وتوازن بين أجزائه المختلفة بحيث تكون نسبة الكولسترول الحميد إلى الكولسترول الإجمالي 24 أو ما فوق ومعدل الدهون الثلاثية إلى الكولسترول الحميد 2 أو ما فوق.

وتعتبر الرياضة والحمية الغذائية من أكبر وأقوى سبل المحفاظة على الصحة العامة ووقاية الجسم من أمراض القلب وتصلب الشرايين.

وهناك الكثير من الدراسات العلمية التي أثبتت النظرية أعلاه ومنها نذكر على سبيل المثال لا الحصر، العالم المعروف Ravnskov صاحب الكتاب الشهير “خرافة الكولسترول” يقول في كتابه: “إن مؤشر السمنة ومعدل الإصابة بالسكري وأمراض تصلب الشرايين ازداد منذ الثمانينات بنسبة كبيرة جداًّ، هذا بالتزامن مع حث الناس على استخدام الزيوت النباتية والابتعاد عن الدهون الحيوانية” كما يذكر في كتابه أن الدراسات العلمية أثبتت أن غالبية المرضى الذين تعرضوا للنوبات القلبية كان مستوى الكولسترول لديهم طبيعيا.

أجريت دراسة أخرى في الهند على مجموعة من القرويين النباتيين، أوزانهم طبيعية جداًّ ويعملون في الحقول بمعدل 10-8 ساعات يومياًّ ورغم ذلك كانت نسبة تصلب الشرايين عندهم عالية جداًّ وتبدأ من سن الثلاثين. أوضحت نتيجة الدراسة أن طريقة الطبخ عندهم كانت تعتمد على القلي الغزير في الزيوت النباتية، مما يؤدي إلى احتواء الطعام على نسبة عالية جداًّ من الزيوت المتأكسدة.

إذن لم تعد الزبدة والبيض والروبيان وكل الأغذية الأخرى التي تحتوي على الكولسترول بتركيبته الطبيعية كما كان معروفاً هي السبب في ارتفاع الكولسترول في الدم وخير دليل على ذلك أجدادنا الذين لم يعانوا ما نعانيه اليوم من الأمراض.