العدد 3778 - الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ

السياسي يريد ولا يريد ذات نوم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لدينا سياسيون لو قادوا قطيعاً من النمل سيُوردونه المهالك. لدينا سياسيون لو أمّنْتهم على بسْطة خضار في شارع مهجور سيصاب الشارع نفسه بكارثة لا أدري طبيعتها؛ لكن يكفي أنهم هناك. لدينا سياسيون على استعداد وجرأة على الصفاقة حتى في طلب مناظرة مع الله لكي يُعربوا له عن احتجاجهم على كثير من الأمور التي «يروْن» أنها متعجّلة ومسرفة في الخلق.

تعالى الله عن ذلك. لدينا سياسيون لا مشكلة لديهم إذا تمَّت تصفية نصف السكّان إذا حدّد خبير بعقد طويل المدى أن ذلك يضرّ بأمّنا الأرض عموماً، وبالحيّز الذي يضمّه ذلك الفائض البشري خصوصاً. لدينا سياسيون لا يملّون الكذب ويكرّرون الكذب آلاف المرات وبإضافات مثيرة كي يصدّق الناس كل نسخة مزِيدة ومنقّحة من ذلك الكذب.

لدينا سياسيون مدمنون على الآلة أكثر من تعرّفهم على ملامح الإنسان الذي من المفترض أنهم يخاطبونه ويتلقوْن أجورهم الشهرية وغير الشهرية لخدمته - افتراضاً - لأنهم يكذبون عليه، ويمارسون النصْب عليه، ويعزّونه في الأفراح، ويفرحون في مصائبه وعزائه.

لدينا سياسيون من خرّيجي أكثر الجامعات اعتماداً واعترافاً ولكنهم مع ذلك من أنصار «أم الخَضَرْ واللّيفْ» ويعتقدون بـ «الخَبَابه» وترى أساريرهم منفرجة وحزينة في الوقت نفسه مع ذكر «روبن هود». يحبّون روبن هود لأنه وزع ما وصلتْ إليه يداه مما يكنزه اللصوص إلى الذين تمّت سرقتهم، ويشعرون بالقلق لأنهم جزء من أولئك اللصوص حين يكونوا صادقين مع أنفسهم، ونادراً ما يحدث ذلك، وعروة بن الورْد في الحكاية تسبّب مغصاً وانسداداً في الشرايين بالنسبة إليهم.

السياسي يبيعك الشمس والقمر بعد أن باع الحدود للشركات متعدّدة الجنسيات. لن يستحي من أنه سمسار في نهاية المطاف. تجده عاطفياً في الحديث عن أمّه التي لم يزرها منذ سنوات، ولن يفكّر في العبور إلى الطريق المؤدية إلى قبرها ولو على بعد خطوات منه. ولا يتردّد في تكرار «الجنة تحت أقدام الأمهات» هي نفسها الأم التي لو توافر له وقت لجعلها تحت قدمه. السياسة أخذت وقتها لمباشرة ذلك الفعل وفيه حسنة سيئة!

لا يريد السياسي شيئاً. لديه كل شيء. لديه ما هو حقه ولديه أيضاً ما هو حق لغيره. لا يهمّ كيف صار حق غيره حقاً له. ذلك أمر «سيطول». وربما في الإصرار على استكشافه والوقوف على تفاصيله «تقصر» رقاب من يتصدّى ويصرّ على حقه في الخروج من متاهة ذلك الإشكال.

السياسي يشعر بالغبْن دائماً. لا أحد يصدّقه ولا أحد يريد الاقتراب من السور الذي يمارس قيلولته وهدوءه وكفّه عن الكذب ولو إلى حين. يشعر بالضجر بعيداً عن الأضواء والكاميرات والمؤتمرات الصحافية وحتى طبخات المؤامرات التي لا بد منها كي يكون سياسياً. إذ كيف تكون سياسياً إذا لم تجد مقادير كل ذلك؟ السياسي يستفتي الفراغ على أدائه. يحرص على مراعاة شعور الفراغ. يحاول أن يكون ودوداً وطيب قلب وخفيف دم ومثقفاً شاملاً أمام الفراغ. لا يريد أن يقاطعه أحد. تعوّد قراءة البيانات من أكثر من ورقة. الارتجال قد يجعله مشلولاً إلى الأبد وقد يجد نفسه في زنزانة؛ أو في غرفة بمستشفى للطب النفسي أو العقلي أو قد يجد نفسه لاجئاً من فئة الخمس نجوم!

السياسي يحب عائلته الخاصة، ويحب أيضاً عائلته الإعلامية التي تنشر تصريحاته من دون أن يكون صرّح بها أو قرأها أساساً؛ ما دامت متوافقة مع طموحه وبلاغته ودهائه الذي يريد.

لا يغادر السياسي منصّة التصريح الذي أدمن ولو توهّم هو ذلك أو من حوله أو من يكنّون له كل حب أو حقد لا فرق. لا يغادر السياسي منصّة تصريحه حتى وهو في غرفة نومه. حتى وهو سابح في ذلك النوم أو غارق فيه.

السياسي يجد الشحيح من الوقت لقراءة القرآن وكتاب «رأس المال» لماركس و«الأمير» لميكافيللي، وأحياناً في وقت فراغه يمكن أن يسرق بعض الوقت متسللاً لقراءة الفنجان والطالع!

مغادرة المنصّات الإعلامية بالنسبة إلى السياسي بمثابة مغادرة الأسماك للبحر. لا يريد أن يكون درساً ومحل وقوف وعبرة للنفوق. يريد أن يكون طرياً وحيوياً ولو بلغ أرذل العمر.

يتعب السياسي وهو يسهر ليله مفكّراً في ما سيقوله، وفي ما يظن أنه درْس إفحام يومي يمارسه على مجموعة مشكلتهم أنهم خلقوا جميعاً مغفلين (في نظره) ومن ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتواضع في التواصل معهم، ولا مانع من تذكّر نكات قديمة تلطّف حدّة وجدّية موضوعه الذي سهر عليه طوال ليله.

السياسي يشعر بحساسية من كلمة: ورطة ومأزق وانسداد أفق واختطاف موقف وقفز على الأولويات. كل ذلك يشعره أنها كوارث لا يهم أن تكون طبيعية أو اصطناعية. المهم أنها تؤثر على طحاله وبياض بشَرَته كما تؤثر على معدّلات نومه التي اعتاد أن تكون طويلة ولا يخضع فيها إلى موازين الطبيعة من حيث «وجعلنا النهار معاشاً» «والليل سباتاً». كل ذلك ليس معنياً به مادام سيصحو نجم منصة إعلام.

السياسي يحب الكوميديا مادامت لا تسخر من أدائه ومادامت لا تغمز ولا تلمز. يحبها مادامت موضوعاً للسخرية من الآخرين. لا يحب التراجيديا. يتذكر وجوهاً جرفتهم في طريقها. وجوهاً كان متوائماً معها وتعلّم من بعضها. لا يريد أن يكون عِبرة، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يعتبر.

السياسي يتجنّب قراءة يوميات الثورات لأنه يؤمن أنه مستقر ومحصّن من كل تلك التي يسمّيها الفوضى الخلاقة والثورات المراهقة التي يؤمن أنها أكلت الأخضر واليابس. كل شيء كان أخضر ومورقاً ويانعاً بعيداً من تلك الفوضى والمراهقة!

في مؤتمر دولي وبعد انتهائه يتكفل زميله بإيقاظه. كان في جدال عميق وهو سابح في نومه!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3778 - الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:30 ص

      شكرا .. ختمت بالنهاية خير ختام

      ما ندري فعلا هل هو حلم ما وصفته عن السياسي ام هو واقع نعيشه منذ مقتل سيدنا وامامنا الحسين عليه السلام . فقد أفاق بأستشهادة حتى الصخر الا السياسي فهو مازال في سبات .

    • زائر 2 | 2:25 ص

      ما اقبحهم

      من سياسيون وقد ظهر سياسيون لم يكونو معروفين في حقل السياسة واسماء تتقياء عندما يذكر اسمااهم هكذا يستغلهم السياسي الوقح و الحكومات الوقحه في استخدامهم في نشر الاكاذيب مدفوعة الاثمان

    • زائر 1 | 12:37 ص

      أحسنت

      خير وصف للسياسين و ما أكثرهم

    • زائر 3 زائر 1 | 2:38 ص

      قال جعفر الكثير

      عن القبح الذي انكشف بعد اول امتحان حقيقي لبعض حملة الاديلوجيات الاسلامية او الماركسية او غيرها وكشف توحش طباعهم وضعة مستواهم الاخلاقي والانساني والديني.. يقول ذلك باسلوب مكثف ..هجاء مر وساخر.. واقول: الزمن كفيل بفضح كل هذا السقوط الاخلاقي الذي وقعوا فيه..والحقائق لاتكفي.نريد ادبا وفنا ليوضح بشكل اعمق جوانب الازمة والمتورطين في تعميقها بحقد اعمى. شكرا جعفر

اقرأ ايضاً