في الفترة التي عملت فيها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، حاولت وزارة التربية والتعليم أن توهم اللجنة بطريقة غير مباشرة، بأنها بدأت بتصحيح إجراءاتها التي نفّذتها بقسوة مؤلمة ضد المئات من التربويين في مختلف التخصصات، وجميعهم ينتمون إلى مكوّن اجتماعي واحد.
ولم يكن ما فعلته الوزارة في الكوادر التعليمية الوطنية بالأمر الهين، فقد تجاوزت جميع الخطوط الإنسانية والحقوقية التي كفلها لها الدستور والقوانين الدولية التي وقعت عليها البحرين. ولم يكن من مبالغةٍ فيما قالته الأوساط التربوية والحقوقية عن قراراتها التعسفية بأنها طائفية بامتياز، لأن ممارستها البعيدة تماماً عن القانون تحكي عن نفسها بوضوح، ولم تترك لأحدٍ من المتابعين المنصفين مجالاً للتشكيك في أن ما فعلته بالتربويين والإداريين ومعلمين من الجنسين، فضلاً عن حراس الأمن، يتقاطع كثيراً مع قانون الخدمة المدنية، ويخالف مخالفةً صريحةً مواد الدستور.
أمّا مخالفاتها الواسعة ضد طلبة جامعة البحرين فحدّث ولا حرج، فهي لم تترك وسيلةً للإيذاء المادي والنفسي والمعنوي إلا استخدمتها بكل قسوة، ففصلت وأوقفت عن الدراسة وتلاعبت بمستقبلهم الذي هو مستقبل هذا الوطن.
لهذا قال رجال التربية والقانون والمعنيون بحقوق الإنسان أن خطواتها لا تتناغم أبداً مع الأدبيات التربوية والوطنية والإنسانية، وأن من يفكّر في مصلحة الوطن ومستقبل التعليم لا يمكن أن يتخذ مثل تلك الإجراءات التي نفّذتها الوزارة ضد الركائز الأساسية في العملية التعليمية التعلمية. فقد كانت إجراءاتها العنيفة فاقت كل التصورات، وقد تلقت لجنة تقصي الحقائق في حينها شكاوى من 87 شخصاً مفصولاً من العمل، 97 موظفاً تم إيقافهم عن العمل، كما ورد في تقريرها، بند رقم (1370). وحاولت الوزارة بشتى الطرق ألاّ يكتب عن حقيقة ما فعلته ضد منتسبيها في تقرير اللجنة، لعلمها يقينياً انه لو كتبت اللجنة كل ممارساتها ضد كوادرها التربوية الوطنية، ستكون عرضةً للانتقاد الشديد من جميع المنظمات الحقوقية، وقد حدث بالفعل ما كانت تخشاه. وكانت تحاول الإيحاء لأعضاء اللجنة بأنها بدأت بتصحيح إجراءاتها المخالفة للقانون ضد كوادرها، بعد إعلامها أنها في 25 أغسطس وبالتنسيق مع جامعة البحرين تم إلغاء غالبية قرارات الفصل بحق الطلبة، لتعتبر اللجنة تلك الخطوة بدايةً لحل مشكلة التربويين. وعلى الرغم من ترحيب اللجنة في تقريرها بتلك الخطوة ونعتها بالإيجابية (بند 1500)، إلا أنه ربما لم يخطر ببالها أبداً، أن الوزارة بعد إصدار تقرير اللجنة وقبول الجميع بتنفيذ توصياتها كاملة، ستواصل إصدار قرارات الإيقاف عن العمل والاستقطاع من الرواتب ضد مئات التربويين والعاملين فيها إلى نهاية العام الدراسي 2012/ 2013. ولم تتصور أنها ستحجب الحوافز والمكافآت والترقيات عن مستحقيها.
ولاشك أن تلك القرارات المجحفة والممارسات غير التربوية التي ليس لها إلا عنوان واحد وهو الطائفية، قد أورثت للتربويين والطلبة وحراس أمن المدارس ضغوطاً نفسية وأسرية واقتصادية خانقة. والمصيبة الكبرى أن هذه الإجراءات المفرطة تؤدي إلى تردي التعليم وتراجعه بنسبة كبيرة، وإذا ما استمرت في تنفيذ نهج التشفي والانتقام من التربويين، سيتفاقم تدني التعليم في المستقبل القريب في مختلف مفاصله. والجميع يعلم ما حجم الضرر الذي سيقع على الوطن إذا ما تواصل تدنى التعليم في جميع مراحله الدراسية والجامعية.
من هم في الميدان التربوي والتعليمي يشعرون بالإحباط الشديد والتثبيط الذي لم يكونوا يتصورون أنه سيصل لهذا المستوى الكبير في يوم من الأيام، واستمرار الوزارة في تنفيذ نهجها في الإيذاء والتشفي دون مراعاة مصلحة الوطن، ودون التفاتٍ للمعاني السامية لمفهوم المواطنة الحقيقية. ولم يكن أحدٌ يتصور أن تكون وزارة التربية والتعليم سبباً أساسياً في إضعاف التعليم، بتعاملها السلبي مع التربويين الذي يقع خارج الاستيعاب الإنساني. ولهذا يذهب التربويون إلى القول بأن أقلام التاريخ لا ترحم أبداً، وستكتب بالخط العريض كلّ فعل قامت به الوزارة وأساءت من خلاله للتعليم وللتربويين والطلبة، بكل تفاصيله وحيثياته الدقيقة، وسيحفر كل حرف في ذاكرة الأجيال الحاضرة والقادمة، بكل شخوصه وعناصره التي تسببت في إجهاض التعليم.
إن كثرة المشاريع التربوية وزيادة الدورات التأهيلية الشكلية التي تهدف من ورائها إلى تسجيلها في قائمة الإنجازات وليس التطوير، والمشاريع التي صرف على تنفيذها الباهت الكثير من الأموال، أين مشروع مدارس المستقبل؟ وأين نتائجه؟ وأين الميزانية الكبيرة التي رُصدت له؟ وأين الجهة التي كُلّفت بتنفيذه؟ وأين نجاحاته إن وجدت؟ ولماذا لم تعلن عنه لا بالإيجاب ولا بالسلب؟ وما حجم إخفاقاته التي وضحت لكل المهتمين بالشأن التعليمي؟ وما حجم الهدر المالي؟ ومن يتحمل المسئولية عمّا يحدث للتعليم؟ إنه نتيجة انعدام الشفافية والثقة بين الوزارة ومن ينتمون إليها، تربويين وموظفين وطلبة، يجعلهم يضعون علامات استفهام كبيرة، ويطالبون بإلحاح بإنقاذ التعليم قبل فوات الأوان، من خلال إيجاد العقل التربوي الراجح الذي يفكّر في مصلحة التعليم أولاً وأخيراً، بعيداً عن الحساسيات الطائفية والمذهبية والعرقية والفئوية، ويكون مفهوم تكافؤ الفرص بين التربويين هو الأساس في الترقيات والحوافز والمكافآت، بحيث يكون لكل مجتهد نصيب.
لاريب أن العقل الذي يفكّر بعيداً عن الوطن، لن يخدم التعليم أو يسهم في تطويره وتنميته. وهذه حقيقة كبرى لا يختلف عليها أحد من العقلاء. وكل إنسان يساهم في تقوية الركائز الأساسية للتعليم سيُخلد التاريخ اسمه في صفحاته المضئية، وسيكون نبراساً طيباً لمن يريد للتعليم في وطني الخير والنماء.
إن التربويين يأملون اليوم بأن تلتفت وزارة التربية إلى ثلاثة عناصر رئيسية قبل إخماد أنفاس التعليم: لابد أن تنتبه إلى الوطن بكل مكوناته أولاً؛ وللتعليم بكل عناصره الأساسية والفرعية ثانياً؛ ولنفسها التي ذهبت بعيداً عن الوطن، وكان المفترض أن تكون مثالاً يحتذى في ممارسة الوطنية الحقيقية ثالثاً. فبتلك العناصر الثلاثة جميعها يرتقي الوطن، بارتقاء التعليم وتقوية ركائزه الأساسية، وتُحترم وتُقدّر الكوادر التعليمية الوطنية دون تمييز، وإعطاء كل ذي حق حقه من الترقيات والحوافز والمكافآت والزيادة السنوية دون زيادة ولا نقصان. فلم يطالب أحد من التربويين أن يعطى أكثر مما يستحق، وبالمثل لا يريد أن ينتقص من حقه المعنوي والمهني والمادي شيئ ولو كان قليلاً. يريد أن يسود الإنصاف والمساواة والروح الوطنية في الوزارة التي ينتمي إليها، وليس ما يطلبه التربوي عسيراً في التطبيق إذا ما وُجدت الإرادة الوطنية الحقيقية التي تتطلع إلى رفعة التعليم في جميع مراحله الدراسية
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 3777 - الثلثاء 08 يناير 2013م الموافق 25 صفر 1434هـ
عين الحقيقة
أصبت عين الحقيقة بمقالك الرائع
وزارة التربية في الهاوية
مقال تشكر اناملك الكريمة على كتابته ولا تنس الكتابة عن الوظائف الفضفاضة والوهمية في هذه الوزارة الطائفية بطالة مقنعة تتجسد في أزقتها موظفات وموظفين وظائفهم الاساسية أكل ومرعى وقلة صنعة وضحك وسوالف وانتظار الحوافز
الى الدمار طبعا
وآخر شي حضرته تمديد اليوم الدراسي للإعدادي والدور الياي ع الابتدائي والروضة ولاتنسون الحضانة بعد مددوا ليهم من الفجر للين العصر خب أهي خاربة خاربة حسبي الله على هالقرارات الجايرة
إحلال عاملات رياض الأطفال محل معلمات نظام فصل
بدوافع ليست بريئة و في إطار التطهير الطائفي تعمل جمعيات التأسلم على التطهير التدريجي بإحلال غير مؤهلات محل المعلمات الكفؤات لاعتبارات طائفية وان أضرت التعليم فهؤلاء آخر ما يفكرون فيه التعليم المهم الهيمنة عندهم
ليس ما يحدث بغريب
وزارة التربيه قبل الاحداث هي وزاره طائفيه
فكيف تريدونها الآن ؟؟!!
حسبي الله ونعم الوكيل
إلى الجحيم
التربية بقيادة جمعيات متأسلمة تتجه إلى الهاوية وللأسف تجر معها الوطن بأكمله
Ferasrumman
مقال رائع أصبت فيه عين الحقيقة فشكرا لك
وزارة التخبط والعشوائية
لقد أظهرت وزارة التربية والتعليم منذ بداية الأحداث بل وقبل الأحداث تخبطًا وعشوائية في معظم مشاريعها وقراراتها وزادت هذه العشوائية أثناء السلامة الوطنية وما زالت مستمرة
فهكذا وزارة يديرها مجموعة من الطائفيين والمتمصلحين لا فائدة مرجوة منها فقد وصلت في قراراتها الانتقامية حدًالا يمكن السكوت عنه
فبعض قراراتها يثير السخرية والاشمئزاز كما هو القرار المتعلق بملابس المدرسين والمدرسات وآخر بيان لها أيضًا بشأن سفر المدرسين والمدرسات أثناء عطلة الربيع وضرورة تسجيل مشاريعهم في السفر واخبار الوزارة بها
شكرا على المقال الرائع
و تستمر الانتهاكات تحجب الحوافز عن فئهة من المعلمين