مشكلتنا مع اللغة أننا أصبحنا في أحيانٍ كثيرة نمارس ما يسمى بالعمى المألوف، وهو أننا نرى الأشياء ولا نراها، نعرفها ولا نؤمن بها، نؤمن بها ولا نمارسها. فمثلاً، نحن نسمع يومياً خمس مرات المنادي ينادي «حي على الفلاح»، ولكن القليل جداً منا يعي معنى الفلاح، فالفلاح في اللغة يعني العمل المثمر، الصالح، والصائب، والناجح، وهو قرين للصلاة ومعطوف عليها، وهو عكس القول والخطابة بل هو مضمون وليس شكلاً.
وهذا تماماً ما يخلص إليه كتاب نزل مؤخراً في الغرب للكاتب اين مورس عنوانه (Why the West Rules لماذا يحكم الغرب).
يخلص الكاتب إلى أن الأشياء في الغرب تحدث حقيقةً، وليس فقط شكلاً وقولاً، فمثلاً عندما يتحدث الغرب عن حقوق الانسان أو عن حقوق الحيوان، فإنك فعلاً تجد هذه الحقوق على الأرض. وهذا ما أسماه: القدرة على حدوث الأشياء. the capacity of making things happen
بينما عندنا نحن أهل الشرق فالقول لا يوازي الفعل، فتجد من يتحدّث عن حقوق المرأة وزوجته وابنته لا تعملان، ونجد خطيب مسجد ولكنه لا يتحدث مع جاره، وأحياناً يعيش في قطيعة مع أخيه، بل ونعرف عائلات معروفة بأنها متدينة، ولكنها لا تورث المرأة، وتجد موظفاً ملتحياً ويطلب رشوة.
يقول رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الكاتب غسان تويني في أول زيارة له لبيت محمد حسنين هيكل - منظر الاشتراكية في عهد عبدالناصر - في القاهرة وهي فيلا ديلكس على النيل، ان الرجل يعيش حياة ارستقراطية بمعنى الكلمة، وخصوصاً بحجم الخدم لديه رغم تنظيره للاشتراكية فهو يعيش النقيض.
الخلاصة، أقول ان الفلاح هو تطابق القول مع العمل والفعل، وإلا فسوف يكون كلامنا وعملنا مثل قول الشاعر: كلامك يا هذا كفارغ فستق ليس به نوى... ولكنه طقش. كم نحن في حاجة لفهم «حي على الفلاح»، فإذا فهمنا أمنا، وإذا أمنا عملنا، وإذا عملنا يحصل الفلاح. إذاً فحيّ على الفلاح هي دعوة مستدامة للعمل الصادق المخلص.
العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ