كان جاسم ومهنا اللذين كتبنا عنهما في الحلقة السابقة، فقيرين ومعدمين، وبقيت أختهما العزباء التي يسكنان معها، في البيت حتى توفيت. كانت ترسل البيض الطازج لي شخصياً بمعدل شبه يومي لمحبة قوية لي. وبقيت ابنة أختها مع أطفالها في نفس البيت حتى كبر الأولاد وتزوجوا.
بعد البراحة، وبعد دكان علي كو، يوجد بيت لأحد الشيوخ، والبيت كبير ومليء بالحياة والناس الموجودين داخله وخارجه.
كانت توجد مصاطب طينية على طول البيت الذي يقع قبل مدرسة خديجة الكبرى. وكانت المصاطب مليئة بأناس كثيرة وكلاب صيد سلوقية. وكان المهتمون بالكلاب يتفاخرون بها ويعرضونها بتعمد للمارة والمتحلقين حولهم. ولم يكن الكل، ومنهم أنا، من المهتمين بالكلاب أو المتولين أمرها من خدام ومدربين.
عادة ما أرجع من المدرسة وأتناول غدائي وأنهي واجباتي، لتبدأ رحلة التسكع لدي بين فرجان شمال وفريق المري وشمال وفريج ستيشن، وكلها فرجان تعيش فيها أخواتي مع أزواجهن وأبنائهن ممن في سني، فتبدأ رحلتي من البيت وحتى شمال، مروراً بخباز عزيز، ثم دواعيس شمال حتى فريج المري، والمشهور بعدد معتوهيه وشخصياته المثيرة، وعلى رأسهم «دومن» أو كما نسميه «دومني»، وهو خادم لدى عائلة ثرية ومعتوه تماماً.
و»دومن» ضخم جداً، ويمكن القول إنه عملاق بالقياس مع أحجام الرجال. وكنا نراه دوماً عند الخباز، ونعلّق ونضحك عليه ومعه بألفةٍ ومحبة.
ويوماً ما سأله أحد الأصدقاء: «دومن، أنت تشتغل عند هذه العائلة، وهي عائلة إقطاعية وضد الفلاحين»، فردّ عليه «دومن» بغضب: «قطاعة أمك».
وفي يوم آخر من أيام الشتاء، كان يلبس «جاكيتاً» فسأله أحدهم بفضول ومداعبة: «هذه جاكيت جميلة من أعطاك إياها؟»، فردّ «دومني» بابتسامة مجلجلة: «عطاني إياها الشيخ سلمان صلى الله عليه وسلم». كان «دومن» ملح الفريج وشخصيته المثيرة. كما لم يكن مزعجاً أو مؤذياً لأيٍ من الأطفال أوالكبار.
وقد ارتبط بالفريج والخباز وثوبه الذي لم يغيره مع الصديري والغترة المنسفة وبياض لحيته حتى مات دون أن نعرف عنه شيئاً سوى أنه أتى من فارس وهو صغير، وعاش في بيت هذه العائلة.
بوسعود وبويوسف أو عبدالعزيز وأحمد من شخصيات الفريج الغريبة، والمرتبط وجودها بالفريج بالتسامح والمحبة بين أفراده؛ فأبوسعود رجل من عائلة طيبة وذو صوت جهوري وقامة طويلة، وجسد ضخم وجمال في بشرته الحنطاوية التي تحولت مع السكر والمرض والزمن لبشرة باهتة لا يُعرف لها لون.
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ
الله يرحمك يابوي