نسمع أن لكل موسم فاكهة، ولكل موضة موسماً، ولكننا بتنا نرى ظاهرة جديدة لم نعهدها من قبل، وهي أن دعوات الحوار غدت موسمية كذلك.
فعلى النقيض من قوى المعارضة التي تنادي بالحوار السياسي لحل الأزمة الحاصلة في البلد منذ قرابة العامين ليل نهار، نجد أن الجهات الرسمية تصمت عن كل هذه الدعوات وتغض طرفها في أكثر الأحيان، لكنها في مواسم محددة، وخصوصاً عندما تتوجه أنظار العالم لهذه الجزيرة الصغيرة، تفتح الباب للحديث عن الحوار وضرورته، لكنها سرعان ما تغلق ما فتحته بعد انقضاء الأمور أياً كانت عواقبها.
مجرد الحديث عن ضرورة الحوار بين المعارضة والسلطة هو قضية إيجابية، لكن عندما يكون الحديث عنه، كالحديث عن الأسهم في البورصة، التي ترتفع أحياناً وتنخفض أخرى، أو اعتباره كالموضة التي تظهر فجأةً في هذا الموسم أو ذاك وتختفي فجأة، أو اللجوء إليه في لحظات الضيق والحرج، تجعل منه حديثاً أشبه بمن يهرب من الواقع بعمليات التجميل لتجاعيد حفرتها عقود من الزمان في الوجه، وهي في أفضل أحوالها قد تخفي ندبة منها، لكن تلك الأحافير تبقى عصية على الزوال أو الاختفاء.
نضال وحراك هذا الشعب نحو الديمقراطية والحرية، لم يبدأ قبل عامين، ولم ينته للآن، لأنه حراك تغذيه فطرة البشر في النزوع إلى الكرامة والتوق إلى العزة، وعبر التاريخ كله تؤكد ألا محيص عن نيلها وتحقيقها، وخلال كل تلك العقود والزمان الطويل، كانت الحلول الأمنية هي الطريق لإسكات الأصوات وإخضاعها، لكن النتيجة التي آلت إليها الأمور اليوم أننا وجدنا أن هذه الأصوات باتت أكبر حجماً وأكثر تأثيراً وأقوى.
وعي هذا الشعب، لم يتشكل أو يؤثر فيه إعلام الصوت الواحد، ولا تلفاز الرأي الواحد، رغم كل الجهود التي بذلت من أجل تحقيق نقيض ذلك على مدى السنوات الطوال الماضية، ما سطّر هذا الوعي كانت تلك الانتهاكات التي مورست حتى التخمة، فباتت العذابات والجراحات التي مورست بلا هوادة ولا توقف، كفيلةً بتعميق هذا الوعي وتأكيد حقيقة مطلقة، مفادها ألا ملجأ لهذا الشعب للعيش بكرامة وحرية إلا بديمقراطية وتعددية، لا غالب فيها ولا مغلوب، لا مواطنة فيها من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة العاشرة، ديمقراطية يأمن فيها الإنسان على حاضر أبنائه ومستقبله.
لذلك، فإن الحديث الذي ينطلق بحب صادق لهذا الشعب وهذه الأرض، هو الذي ينطلق للحديث عن الحوار الجاد الحقيقي، الذي ينصف العباد والبلاد، وليس حوارات الفواكه الموسمية، التي بات الجميع في الخارج قبل الداخل، يعرف مغزاها للوهلة الأولى.
لا أحد في هذه الأرض ممن يحبونها بحق، يريد أن يستحوذ عليها وعلى مقدراتها وثرواتها، ولكن من حق كل بحريني أن يكون شريكاً في خير هذا البلد، وفي قراره ومصيره، وأن تكون له ذات الحرية والكرامة التي للآخرين.
نحن نؤمن بأن هذا البلد يتسع للجميع، ونؤمن بأن خيار هذا الشعب مهما طال الزمان، أن ينال حقه في مطالبه المشروعة بديمقراطية يكون فيها كل البحرينيين بلا استثناء أعزة كرماء.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 3771 - الأربعاء 02 يناير 2013م الموافق 19 صفر 1434هـ