لقد أثلج صدري عودة الوحدة لصفوف القيادات السياسية المصرية المعارضة بعد أن مزقت السياسة صفوفهم وشتتت شملهم، وأتمنى أن يدرك الجميع من الثوار الشباب والشيوخ حقائق الموقف، وهي أن مصر في خطر وفي منعطف تاريخي وسياسي شديد الخطورة، وأن وحدة قوى الثورة كشباب وشيوخ وقيادات ومسلمين وأقباط رجالاً ونساء، هي الطريق للخروج من المأزق.
إن النداء الذي أعلنه عمرو موسى ومحمد البرادعي وحمدين صباحي وغيرهم، والنداء المنفرد الذي أعلنه في اليوم التالي عبدالمنعم أبوالفتوح، له مغزى مهم أن هؤلاء القادة تربطهم وحدة فكرية لمصلحة مصر وشعبها بكل فئاته وطوائفه، رغم ما بينهم من خلافات في الرأي أو الرؤية.
كما يمكن للرئيس محمد مرسي أن يكون زعيماً لمصر بأسرها كما أعلن أثناء حملته الانتخابية وفور توليه الرئاسة، ولكنه وقع فريسة ثلاثة أخطاء:
أولها: تأثره بتوجهات الجماعة الإخوانية رغم أنه تم انتخابه على أساس إنهاء عضويته أو تجميدها، وأن يكون رئيساً لكل المصريين. لقد امتلأت الرئاسة بالإخوان وأنصارهم والسلفيين وأعوانهم، وأسندت رئاسة الوزارة إلى غير ذي قدرة على القيام بأعبائها الضخمة، فرئيس الوزراء إنسان ممتاز كوزير للري، ولكنه ليس له خبرة ولا دراية بدهاليز السياسة وألاعيبها، والتشكيل الوزاري في مجمله إخواني أو محسوب عليهم أو على السلفيين. والأخطر أن ثلث وزرائه ممن يوصفون بالفلول، أي كانوا وزراء في ظل رئاسة الرئيس مبارك الذي قامت الثورة ضده، وهذا يثير التساؤل والدهشة الشديدة.
ثانيها: سوء اختيار المعاونين الذين يزينون الأخطاء ويتمسكون بألاعيب السياسة السيئة التي عانت منها مصر طوال ثلاثين عاماً في عهد مبارك، وهو ما أوقعه في أخطاء متكررة، وكان شجاعاً في التراجع عنها، ماعدا الخطأ القاتل بالإعلان الدستوري وسلق الدستور الجديد في البرستو، رغم موقف معظم الشعب والسياسيين ضد ذلك.
وثالثها: معاداته لركائز المجتمع الخمس وهي الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والخارجية، ومحاولته إتاحة الفرصة لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة للتغلغل في صفوف هذه القوى التي من المفترض أن تكون معبّرةً عن الوطن، وليست معبرة عن حزب. إن بعض هذه القوى تأتمر بأمر الرئيس شريطة ألا تعبر تعليمات الرئيس إلا عن المصلحة الوطنية الحقيقية وليست مصلحة الحزب السياسي الذي ينتمي إليه.
إنني أدعو بلسان الرئيس مرسي وأقول «اللهم احمني من عشيرتي الذين يسعون في سلوكهم وفكرهم للسيطرة ونشر الديكتاتورية، وتزيين الأخطاء». وإن مستشاري السوء هم أشد خطراً على الرئيس مرسي الذي يبدو أنه إنسان نقي وطيب النية ودفعه بعض مستشاريه لتعيين ذوي القربى في المناصب العليا، ما يجعل البعض من المراقبين يطعن في نزاهته ومصداقيته.
إن مبارك في قمة استبداده لم يقع في هذا الخطأ القاتل الذي وقع فيه حزب البعث في سورية والعراق، حيث أصبحت القبيلة هي موضع الثقة، وهي التي تتولى السلطة، كذلك فعل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
إن الرئيس مرسي بحاجةٍ إلى مستشارين يقولون له بوضوح: لا لمثل هذه القرارات، وإن عليه أن يستمع إليهم، ويصغي لقولهم، ويفكّر فيه ملياً. لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام هو القدوة في استشارة أصحابه الذين هم شعبه، ولكن الرئيس مرسي شعبه هو كل شعب مصر وليس الإخوان الذين خطب فيهم أمام الاتحادية وبذلك أفقد دار الرئاسة هيبتها وحيادها.
حمى الله مصر وبارك شعبها كما دعا لها النبي محمد، وكما دعا لها السيد المسيح، وكما عاش على أرضها آمناً يوسف الصديق وموسى الكليم وهارون وغيرهم من أنبياء الله من ذرية إبراهيم الخليل الذي جاء هو أيضاً إلى مصر.
إن مصر لم تسمَّ كنانة الله في أرضه عبثاً، ولكن لأنها أرض الأنبياء وقتلة الطغاة والمستبدين والمستعمرين. إنه عندما يخرج زعيم من حزب العدالة والتنمية ويدعو الجماهير لقتل المتظاهرين المسالمين بدعوى أنهم متمردون على الرئاسة، وعندما يرفع بعض المتظاهرين من الإخوان والسلفيين أمام جامعة القاهرة شعار «الشرعية والشريعة»، فهي مثل رفع معاوية للمصحف، والدعوة للاحتكام إليه. إنه قول حق أريد به باطل، فليست جماعة الإخوان هم وحدهم المسلمين أو هم شعب مصر، بل إن مسيحيي مصر هم من أوصى بهم النبي الكريم لقوله «استوصوا بقبط مصر خيراً، فإن لي فيها صهراً ونسباً». إن شعب مصر من الأحزاب الأخرى ليسوا ضد الإسلام أو ضد الشريعة، ولكنهم ضد فكر التشدّد والإقصاء، وليس في ذلك أدنى ضرر أو خطأ، فكلٌّ له رأيه وله مذهبه، وكلٌّ سيحاسب أمام الله يوم القيامة، وليس لأي مسلم حجية في الطعن على إسلام الآخرين. ولقد نهى النبي الكريم عن التفتيش في نوايا الناس قائلاً للصحابي الذي قتل أحد المشركين الذي نطق بالشهادة: «هلا شققت عن صدره»؟ فمجرد النطق بالشهادة يدخل المرء الإسلام كدين، والتمسك بالشعائر والأركان مسئولية المرء أمام الله الذي يؤكد «ولاتزر وازرة وزر أخرى».
إن الرئيس مرسي صاحب الشرعية التي جاءت عبر انتخابات نزيهة، لا يجب أن يلجأ إلى الإجراءات الاستثنائية. والرئيس يمكن أن يحكم بالقانون والدستور، وهذا عين الصواب ولا يخرج عنه ولا يطعن عليه، ومن يتآمر ضده فلن يفلح ولا يجب على المستشارين أن يجعلوا الرئيس يعيش في فكر المؤامرة، فمن يقنعه بذلك هو من يخون الأمانة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وأسأل الله أن يلهم الرئيس المنتخب الصواب، وهو سيظل شرعياً مادام يحكم بالعدل، ويراعي أحوال كل أفراد شعب مصر، ولا يجب أن يخشى في الله لومة لائم، ولا يجب أن يستمع لنصائح مستشاري السوء الذين هم من أجل مصالحهم يزينون الباطل والخطأ، ويقودون الرئيس إلى اتخاذ قرارات تجلب الكوارث التي ستضر بشعب مصر وتدمّر وحدته.
إن شعب مصر الذي انتفض ضد مبارك وحماه الجيش آنذاك، انتفض ضد مرسي بلا حماية إلا إيمانه بوطنه وببلاده، وإنه من العار أن تراق دماء المتظاهرين المسالمين، ويصرح أحد القيادات السلفية «حيّ على الجهاد»، وكأن إخوانه من شعب مصر، هم من الكفار أو من الأعداء. ومن العار أن يهتف متظاهرون أمام المحكمة الدستورية «أعطنا إشارة نجعل القضاة والإعلام في شيكارة».
إن ما نقصده بانتفاضة الشعب المصري هي حقيقة واضحة بالتظاهرات السلمية وبالاستفتاء على الدستور، وذلك لتأكيد سبع حقائق ذات أهمية ومغزى ينبغي على قيادة مصر وضعها نصب عينيها، حتى تكون معبّرةً بحق عن الشرعية القانونية والدستورية والشعبية في آنٍ واحد.
الحقيقة الأولى: إن مصر لجميع شعب مصر وليست لفصيل أو حزب أو فريق من الرفقاء، ولهذا يجب رفض احتكار السلطة من قبل فريق أو حزب أو طائفة أو عقيدة، فالسلطة للجميع وعلى الجميع التعاون باحترام ومودة للآخر دون إقصاء.
الثانية: إن ثورة 25 يناير استهدفت الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الفاسد، وإن هذه الثورة نتيجة تعاون فرقاء وأحزاب وجماعات عديدة وليست نتيجة ثورة فريق واحد دون غيره.
الثالثة: إن هوية مصر هي هوية عريقة متعددة الأبعاد، فهي عربية إسلامية، وهي قبطية مسيحية، وهي ذات حضارة إفريقية فرعونية. هذه الهوية لا يمكن أن تنفصم عراها بتغلب بُعدٍ على غيره من الأبعاد.
الرابعة: إن شعب مصر عندما ثار على الظلم ورفع شعار «خبز، حرية، عدالة اجتماعية» لن يستكين لإعادة إنتاج النظام السابق مهما كانت التسمية، وإعادة النظام السابق تعني سيطرة لجنة سياسات جديدة على السلطة، وسيطرة مفهوم الجباية والضرائب على الاقتصاد وليس الإنتاج الاقتصادي والعمل الجاد. لقد ساهم يوسف بطرس غالي في تدمير شعب مصر عبر الضرائب، وأتمنى ألا يكرّر وزير المالية في عهد الرئيس مرسي الخطأ نفسه بجباية الضرائب بدلاً من الإنتاج وتطويره.
الخامسة: إن مصر لديها مقومات عظيمة إذا أحسنت الحكومة إدارتها، وحسن الإدارة يعتمد على استخدام الكفاءات وأهل الخبرة، وليس أهل الثقة إذا لم تتوافر فيهم الخبرة.
السادسة: إن احترام القانون والقضاء، وانضباط عمل الشرطية في احترامها لحقوق المواطن، والقوات المسلحة في الحفاظ على الأمن الوطني على الحدود، فضلاً عن مسئولية الإعلام والحرية الإعلامية، ومسئولية الخارجية في التعبير عن سياسة الدولة وتوجهاتها في التعامل الخارجي، وهو ما يجعل الحياد في الصراعات السياسية الحزبية في الدولة ضرورة لا محيص عنها لهذه الركائز الأساسية للمجتمع.
السابعة: إن الذين يتحدثون عن الشرعية الثورية ويدعون لتجاهل القانون ويقارنون بين ذلك وبين ثورة 1952 التي يكرهونها، نقول إن هؤلاء مخطئون تماماً، فالزمن غير الزمن، والأطراف المشاركة في ثورة 25 يناير 2011 غير الأطراف التي قامت بثورة 23 يوليو 1952 ويجب أن يدركوا أنهم يعيشون في القرن الحادي والعشرين حيث الشرعية للقانون والدستور المتفق عليه شعبياً، وللمؤسسات الدستورية السليمة.
إن مراعاة الرئيس مرسي للدروس والعبر السابقة هي ما يجعله يدخل تاريخ مصر كقائدٍ من قياداتها المؤمنة بالله والعاملة من أجل مصلحة شعبها ورفاهيته وتقدمه. والرئيس السابق حسني مبارك للأسف لم يستمع للنصح الأمين والكلمة الصادقة ووقع فريسة نصائح مستشاري السوء وطموحات أسرته فحاق به ما حاق من مهانة.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3770 - الثلثاء 01 يناير 2013م الموافق 18 صفر 1434هـ