العدد 3768 - الأحد 30 ديسمبر 2012م الموافق 16 صفر 1434هـ

وقفة مع الأربعين

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

تصوروا أن الحسم العسكري الذي تمكنوا من تحقيقه في وقت قصير بقتل الأبطال قادر على إنهاء كل شيء، وظنوا أن المزيد من الذل والإهانة لحرائر أهل البيت ومن معهن يمكنه أن يمنع من مجرد التفكير في مواصلة المسير، واعتقدوا أن المستقبل مطوّع في يد اللحظة الراهنة، لأنها سيدة الحاضر ومنتِج القادم.

مقابل ثلاثين ألفاً من العسكر المتوثب للحرب والقتال، كل شاهر سيفه، ومبرز رمحه، ومجهّز سهامه، وقف الحسين (ع) قبل ألف وأربع مئة عام، وهو يستعين بعد الله بكلمات تبين مطلبه، وما يريد، ربما لم يفقه القوم أثرها، ولم يدركوا قوتها.

إلى جانب ذلك أعدوا الكيد كله عبر إعلام مضلل، يشوه الحركة، ويلوي عنق الواقعة، ليصوّروا ابن بنت رسول الاسلام (ص) خارجياً فضّع في دماء الأبرياء، وشق عصا المسلمين، فقتل بسيف جده.

منحتهم لحظتهم ما أرادوا، لكنها خدعتهم في قدرتها على الامتداد، والقدرة على طمس الحقائق، والهيمنة بفعل الخوف على عواطف الناس وقلوبهم.

الملايين من المشاة المتجهين إلى كربلاء في زيارة الأربعين يؤكدون بمشيهم وتعبهم وبذل نفوسهم، رغم كل الأخطار القائمة فعلا، أن شهادة الكرام تفرخ أبطالاً لا علاقة لهم بالخوف أبداً، وأن المزيد من الإذلال والمهانة ترفع منسوب الشوق والتطلع إلى حياة العزة والكرامة، وأن الصعوبات في طريق نيل الحقوق أحلى من العسل.

يعلمنا التاريخ أنه بقدر التفظيع في القتل والتشويه للجثث، والعنف الذي لم يدع طفلاً صغيراً ولا شيخاً مسناً ولا امرأةً مستورة، كانت القناعة تترسخ، وكانت الآمال تتقد، وكانت التطلعات تشعر بأنها تسقى من ماء غير آسن. قالتها: «فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا»، ولم يكن ذلك غيباً ينكشف على يد زينب (ع)، ولا تخرصات المنجمين التي نسمعها هذه الأيام مع نهاية السنة الميلادية، إنما هي إشارة لسنة كونية أشار إليها الإمام علي (ع) بقوله «ما ضاع حق وراءه مطالب».

زيارة الأربعين تاريخياً وحالياً تبطل مفعول العنف والإرهاب والعسكرة والتخويف في إيقاف أصحاب الحق عن مطالبتهم وإصرارهم. تاريخياً كانت صلابة السجاد (ع) ومواقف زينب، وحالياً يمكن حتى لمن أعمى الله بصيرته أن يشاهد ببصره أطفالاً يعلمون أن طريق كربلاء محفوف بمخاطر المتربصين، الذين أدمنوا الولوغ في دماء المسلمين، ومع ذلك لا يعنيهم الخطر شيئاً، ولا يزيدهم إلا إصراراً، وهم يرددون تلك المقولة الخالدة «هيهات منا الذلة».

زيارة الأربعين تؤكد أن الحسم كل الحسم يبدأ حين تفقد القوة مفعولها فلا ترهب الصغير، ولا تخيف الهرِم، ولا تزيد المرأة المعروفة بعاطفتها إلا إصرارا.

حينها يكون كل شيء حُسم، والمسألة مسألة وقت فقط، وقت يقطع، يسميه العقلاء عبثاً، ويعبر عنه الرياضيون بالوقت الضائع، ويقول السياسيون انه وقت لإنضاج الحل، أو للتفاوض وتحسين الشروط.

حسمها الحسين بصموده، وحسمها عياله بمواصلتهم، ونحن في الأربعين إنما نقف على بدايات مشهد الحسم الذي سيكتمل مع حركة التاريخ.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 3768 - الأحد 30 ديسمبر 2012م الموافق 16 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 12:40 م

      مقالك أحلى من العسل ... مأجورين بالذكرى المؤلمة .. ام محمود

      وروي في كامل الزيارات ص 90 باب 28 عن الامام محمد الباقر (ع) انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا. اما زيارة الامام الحسين يوم الاربعين فقد وردت في احاديث عن الائمة المعصومين في فضلها منها ماروي عن الامام الحسن العسكري انه قال: علامات المؤمن خمس؛ صلاة احدى وخمسين ؛ وزيارة الاربعين ؛ والتختم باليمين ؛ وتعفير الجبين
      أول من زار أبا عبدالله الحسين ع هو جابر الأنصاري صادف وصوله من المدينة المنورة إلى كربلاء في ذلك اليوم وهو يوم وصول ركب حرم الحسين (نسائه وايتامه) برفقة الإمام علي بن الحسين

    • زائر 7 | 12:32 م

      السلام على الامام الحسين و أهل بيته ع في كل زمان ... ام محمود

      عن أبي عبد الله الصادق ع انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم، والارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه اربعين صباحا وما اختضبت امرأة منا ولاادهنت ولااكتحلت ولارجلت حتى اتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.

    • زائر 6 | 11:14 ص

      قصيدة الاربعين

      يالّ تعزي بأربعين أبن الزجية لا تذكرني بتل الزينبية
      و الله روحي تزيد حنه كربلاء روضة الجنة
      لاتذكرني بتل الزينبية
      لا تذكرني بصيحات اليتامى و الحرم .. يوم شبت بنو أمية نارها بوسط الخيـــــــــــــــم
      طلعت الحوراء تنخي بو علي راعي الشيم .. لأنه مرمي على الغبرة و ناب بصدره سهم
      نادته العسكر على النسوان يا خويي هجم .. قوم قوم جان بمهجتك باقي نســـــــــــــــــم
      قال عذروني يا زينب يا صُفية .. ترى سهم الي رماني خان بيا
      و العطش سهي الثاني .. مقدر أنهض من مكاني
      ردي و أشكي خالق السبع العليم
      لا ت

    • زائر 5 | 5:57 ص

      ياحسين

      لقد احيا الحسين ثورة المظلوم على الظالم التي قدر الله لها ان تنتصر رغم طول الليل الا انها تستبشر بنسمات الصباح فسلام الله عليك يا ابا الاحرار لقد رسم الله بشهادتك طريقاً للحرية تنتهجه الشعوب ما حيينا

    • زائر 4 | 2:37 ص

      جزاك الله الف خيرا شيخنا المبجل وحفظك الراعي جل وعلا بعينه التى لا تنام

      السلام عليك ياسيدي ومولاي يا أبا عبدالله الحسين السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه افضل وازكي الصلوات والتسليم ولا جعله الله آخر تسليمي عليكم ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم الف سلام وتحية الى ارواحكم واجسادكم الطاهرة اللهم أرزقني زياراتهم فى الدنيا وشفاعتهم فى الآخرة يارب العالمين

    • زائر 3 | 12:33 ص

      هيهات منا الذلة

      ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم . اليس الصبح بقريب.

    • زائر 2 | 12:32 ص

      احسنت شيخنا الفاضل

      عظم الله لكم الاجر

    • زائر 1 | 12:31 ص

      موقف مع صديقي السني

      تعرفت على مدرس محترم جدا من المملكة السعوديه وكان من اخوتنا الكرام السنه سألني ذات مره عن الاربعين وقال ماذا تعنون به واعتذر لو كان سؤاله محرج او خاص فأرسلت له قصيدة قم جد الحزن في العشرين من صفر واخبرته لا خجل في المعتقدات ولكن الاعلام الذي يرسم للأخرين صورة سيئه عن كل ما يخص من يختلف معه

اقرأ ايضاً