تباطأت السرعة المسعورة عامة للعمل في ورشات البناء في الدوحة في فترة مبكرة من هذا الشهر عندما توقف العمال عن العمل ليحدّقوا بشيء لم يشهدوه من قبل في دولة قطر: نحو ألف شخص يسيرون معاً على كورنيش الدوحة، يلوّحون اليافطات ويهتفون.
كانت تلك مظاهرة شعبية تطالب الدول العربية اتخاذ زمام القيادة في التغيّر المناخي. كان ذلك حدثاً قوياً، ويستطيع مهندسو الإنشاء أن يتأكدوا أنه لن يكون الأخير.
لن يشكّل إرث أول محادثات تجري في الشرق الأوسط حول التغيّر المناخي، وهي مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيّر المناخي، الذي استضافته الدوحة في الفترة من 26 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 8 ديسمبر/كانون الأول، صفحات الكتاب الذي اتفقت عليه الدول في نهاية اليوم الأخير للمؤتمر، وإنما التحوّل الأساسي في وعي المنطقة حول قضية التغيّر المناخي. العنصر الأهم في عقد المفاوضات المناخية للأمم المتحدة في قطر هو الإتيان بحوار التغيّر المناخي إلى قلب المنطقة.
ليس تحقيق تحوّل في التفكير حول التغيّر المناخي بالمهمة السهلة في منطقة مثل الخليج العربي، حيث تشكّل مصادر الوقود الأحفوري 73 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحيث يُنظَر إلى معونات الوقود إلى السكان على أنها استحقاق. واقع الأمر هو أن إحدى الصور التي تميّز تحرير بروتوكول كيوتو العام 1997 هي الوفد السعودي وهو يحتج بشدة على البروتوكول.
ولكن حركة المجتمع العربي الناشئة، التي تضم حركة الشباب العربي من أجل المناخ، والتي تأسست في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قد حققت بعض النجاح. جعلت وفود المجتمع المدني العربي وجودها ملموساً في قاعات مركز المؤتمرات الوطني القطري وهي تنادي بقيادة إقليمية.
ورغم أن محادثات الدوحة فشلت في تحقيق تخفيضات متزايدة في التلوث الكربوني أو توفير أي سبيل معقول للوصول إلى 100 مليار دولار سنوياً في التمويل بحلول العام 2020 لمساعدة الدول الأكثر فقراً على التعامل مع التغيّر البيئي، نشرت دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، المملكة العربية السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة) بهدوء خطة للإعلان عن أعمال لخفض إطلاق الغازات الكربونية في العام 2013.
رغم أن «التعهد بالتعهد» ليس كافياً ليعتبر عملاً حقيقياً في مجال المناخ، إلا أن الفرق بين هذا التجاوب، وصورة السعودية ترفض بروتوكول كيوتو يعتبر أمراً بارزاً. هذه الغزوة في عالم حيث التطور منخفض الكربون يعتبر ضرورة اقتصادية وبيئية هو أمر مهم.
كان تصرف لاعب إقليمي آخر هو لبنان أكثر صراحة وتجاوباً، فقد أعلنت بيروت في المحادثات هدفاً طوعياً للطاقة المتجددة قدره 12 في المئة بحلول العام 2020. هذا البصيص من الأمل، الآتي من المنطقة، جاء في وقته تماماً. والمهم الآن هو ضمان أن يستمر الحوار حول التغيّر المناخي في المنطقة بقوته التي كان عليها في الأسابيع التي سبقت هذا المؤتمر.
لهذا السبب، رحّب المجتمع المدني العربي بقوةٍ، بقيام قطر بتأسيس مؤسستين: معهد البحوث المناخية، ومنتدى سنوي حول التغيّر المناخي. وستضمن هاتان المؤسستان أن تستمر المنطقة بالانخراط في الحوار العالمي المناخي، والحفاظ عليه كأحد الأولويات على الأجندة السياسية.
نُشِرت تقارير موثوقة قبيل بدء مفاوضات الدوحة من قبل مجموعة من العلماء والاقتصاديين وخبراء التغير المناخي الذين يتمتعون بالاحترام، تصل جميعها إلى النتيجة نفسها من حيث المبدأ، وهو أننا نسير في سبيل غير مستدام حالياً، مما يقترح أن العالم سيواجه نتائج كارثية نتيجة للتغير المناخي، وفي نهاية المطاف انهيار الحضارة البشرية.
لم يغيّر أسبوعان من المفاوضات في الدوحة هذا السبيل. ولكن التحول من السياسة إلى العمل من أجل الناس ومستقبلنا سحقق التغيير.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3767 - السبت 29 ديسمبر 2012م الموافق 15 صفر 1434هـ