في قاعة فلسطين بجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، كان الموعد مختلفاً هذه المرة، إذ كان الجمهور على موعدٍ مع الشعر الذي يتبنى قضايا الأمة، الشعر الذي يبوح بالإبداع فينثر من أحرفه معالم العالم العربي الجديد، ولم يكن على موعد مع ندوة أو محاضرة سياسية.
الجمهور كان على موعد مع عربة «البوعزيزي»، التي قادت الربيع العربي إلى دول مختلفة ليخلق بائع الخضراوات والفواكه تغييراً جذرياً في واقع الأمة العربية.
وبتنظيم من مجموعة من المثقفين المستقلين كان كل من: كريم رضي، وحسين السماهيجي، ومهدي سلمان، وسوسن دهنيم، العجلات الأربع لتلك العربة في جمعية وعد، حيث كان عنوان الأمسية: «عربة الربيع»، وهي أمسية شعرية احتفائية بأيقونة الربيع العربي محمد البوعزيزي، ألقوا خلالها نصوصاً تحتفي بـ «القديس» البوعزيزي كما أطلق عليه السماهيجي رداً على رضي الذي قال في تقديمه للأمسية: «لم نأتِ هنا الليلة لنقول إن البوعزيزي كان قديساً، ولسنا هنا كمجموعة من الشعراء المنشقين عن المؤسسة الأدبية الرسمية؛ بل جئنا نخلد ذكرى من أشعل الربيع بجسده كمجموعة من الشعراء المستقلين المختلفين مع هذه المؤسسة في توجهاتها.
وألقى كريم رضي نصاً شعرياً افتتح به الأمسية يذكر به البوعزيزي وتونس باعتبارها دولة الربيع العربي الأولى التي تحركت باتجاه التغيير بعد صفعة البوعزيزي وحرقه لنفسه احتجاجاً على التعامل غير اللائق مع الإنسانية، فيما ألقى السماهيجي نصوصاً شعرية تمزج بين الواقع المحلي والواقع العربي، إذ يقول في نصه «فتية يشرقون على الدم»:
هي الأبجديةُ ترمي بنا في اللُّجَجْ
وترشفُ من جَسَدٍ دَمَهُ فتحيلُ العظامَ رميماً
وتُنْبِئُنا أنَّ هذا الرّميمَ المُهَجْ
هي الأبجديّةُ، إنِّيْ أراهنُها بالتي هي أسوأُ من ذِكْرِ هذا الذي يرتدي زَرَدًا هل قلتُ عنه «المقاتل»...
كلاّ...!
وما قلتُ عنه سوى ما تُحَدِّثُ آيةُ جَدِّي القتيلِ على سِيْفِ هذي الجزيرةِ
كانت قراصنةُ البحر تسرقُ لؤلؤةً من كتابٍ
وكان لِجَدِّيَ مخطوطةٌ يتشظّى لها اللّيلُ
بعد انسكاب السّكارى على ضفّة الشِّعْر بعد الرَّهَجْ
وهو ذاته ما ذكره مهدي سلمان في نصوصه التي تراوحت بين التفعيلة والنثر، إذ ذهب لربط المحلي بالعربي وألقى نصوصه التي تحبل بالهم السياسي المحلي والواقع الإنساني الذي يعيشه المواطنون منذ اندلاع احتجاجات 14 فبراير. يقول سلمان في نصه: «ليس دماً كذباً»:
على من سألقي قميصَكَ... يوسفُ
حتى يعودَ بصيراً؟
وهذا العمى حولنا يتخطى الجهات
أرى إخوةً تتآكلُ أعينهم، إخوةً تتفتت أحداقهم
وهم يصرخون قتلناهُ... ألقوهُ في الجبِّ، واتهمونا
قتلناهُ والبحرَ والذئبَ،
نحن قتلناهمُ ورفعنا المشانقَ للرمل... والشمسِ والأغنياتْ
أرى... أمةً تتبسمُ وهي تلوكُ قميصَك
«هذا دمُ ابني» تقولُ،
«وليس دماً كذباً» إنما دمُ يوسفَ...
كم كانَ يوسفُ...
كانت تقولُ وتضحكُ،
هم قتلوهُ وجاءوا إليّ بهذا الدمِّ الحيِّ
كي لا أرى بعدَهُ ففقأتُ عيوني بهِ
وعميتُ لكي لا أصدّقَه
فيما ألقت سوسن دهنيم نصين، أحدهما تفعيلة تحدثت فيه عن البوعزيزي وتونس، وألقت نصاً عمودياً كان بمثابة المفاجأة إذ اعتاد متابعوها على كتابتها لقصيدة النثر والتفعيلة، دهنيم التي ألقت نصوصها مرتدية نظارات شمسية بعد عملية جراحية أجريت لها في عينها، آثرت أن تشارك العربة دخولها في جمعية وعد لتلقي نصيها اللذين ربطت في أحدهما بين الواقع المحلي والواقع العربي المتمثل في محمد البوعزيزي قائلة:
كأنما كان «إبراهيمُ» يعرفهُ
كلاهما لفداءِ الأرضِ مدّخرُ
هو «النعيميُّ» لم يسكتْ وقد سكتوا
ولم يُصِبْ قلبَهُ الإعياءُ والخورُ
هو المنامةُ والدوّارُ لؤلؤةٌ
على يديهِ ومن عينيهِ تنحدرُ
«البوعزيزي» كثيرٌ ألفُ ألفِ فتىً
ما قلَّ إذ مات، فهو الغيمُ والمطرُ
وعاد رضي ليختتم الأمسية الشعرية بقصيدة عن شريحة إلكترونية أشيع أنها توضع في بعض الدول للتجسس على المعارضين.
العدد 3766 - الجمعة 28 ديسمبر 2012م الموافق 14 صفر 1434هـ