العدد 3764 - الأربعاء 26 ديسمبر 2012م الموافق 12 صفر 1434هـ

هؤلاء ليسوا «عيَّارين»!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل هناك مشكلة، إن ذكَّرْتُ نفسي وذكَّرْتُ القارئ بأن اليوم هو الخميس؟ سؤالٌ غريب، لكنه مقصود، متمنياً ألا يسخر من هذا الاستحضار، المذيع المصري المعروف، ومقدم برنامج «البرنامج» باسم يوسف، الذي تهكَّم من الرئيس المصري محمد مرسي عندما قال أمام حشد من أنصاره، بأنه «اليوم السادس من أكتوبر وهو أيضاً يوم السبت»! فعلّق المذيع ساخراً بالقول «ايه الحلاوة دِيْ... كان في ناس فاكْرَاه الاثنين... لا طلَعَ السبت! هو حَنعْرافهَا مِنَيْن دِيْ».

في كل الأحوال، فإن تذكَّري وتذكيري بيوم الخميس، مرتبط بأن أقوم بربط القارئ الكريم بجوهر المقالة التي نحن بصددها. فقد دَرَجَت العادة بين الفينة والأخرى، ألا أتناول قضايا سياسية هي مُرَّة في اللسان، ومُدمية للقلب والأبدان. وكنت في غير مرة (وليس دائماً)، أختار هذا اليوم (الخميس) كي أجعله متنفساً، بعد مشوار كتابي شاق، وأيام عديدة منصرفة، تكون فيها الأحداث، والتعليق عليها هي من يأسرنا ويُقيِّدنا، فنصبح بلا حول ولا قوة رغم أننا مَنْ يكتب.

ما أودُّ الحديث عنه اليوم، هو أحوال فئة غريبة من البشر، تعيش بيننا دون أن يتحسس أمرها كثيرون. غرابة أمرها هو في تفسير شخصيتها وكنهها للعامة والخاصة. فأفراد هذه الفئة «الغريبة»، يتميَّزون بأنهم أصبحوا «الأقدر» على لَيِّ أهم نظرية رياضية، والتي تقوم على معادلة مؤدّاها، أنه يزداد واحدٌ من متغيرين بنقصان المتغير الآخر، والتي تسمَّى رياضياً بـ «العلاقة العكسية»، وتحويل نتيجتها (بمكر وخديعة) إلى «نتيجة» طردية، رغم أن المتغيِّرين هما ذاتهما!

باختصار، فإن أفراد هذه الفئة، يتقلّدون مناصب عديدة (بشتى مراتبها) في الدول ومؤسساتها وأجهزتها، لكنهم أجهل الخلق بما يأمرون به من قرارات. هم لا يملكون التأهيل اللازم، ولا البداهة في اجتراح الأفكار، ولا الرؤية الإدارية السليمة للأمور، ولا فهم ما يتسيَّدون عليه من منصب. ورغم ذلك، تراهم يَصِلُون إلى مثل هذه الوظائف القيادية ويستقرون فيها كالمستعمرين للأرض، دون أن يكشفهم الكثيرون من المحيطين بهم، لأنهم يُخفون جهلهم باستعمالهم عقولاً أخرى، يستعينون بها بالأجرة أحياناً، وبالسُّخرة في أحيان أخرى عندما تكون تلك العقول تحت أيديهم.

لكم أن تتخيَّلوا، أن جرّاحاً لا يعرف أن يخيط جرحاً في إصبع، أو طياراً لا يستطيع الإقلاع بطائرة، أو كاتباً لا يعرف أن يخط سطراً مفهوماً، ففي أي عالم نحن سنكون بعد هذا؟ هؤلاء هم كذلك بالتحديد، ودون زيادة ولا نقصان. فما عسى المريض أن يكون عليه من حال أمام جرّاح لم يلتمَّظ الطبابة في حياته، وما عسى مئتي مسافر أن يتصرفوا، أمام طيار عاجز عن فهم معنى التحليق بطائرة أو إنهاضها من على الأرض، والأكثر بؤسًا، هو: ما حال أفكارٍ ونظريات وشروحات ونصائح، لم يكتبها صاحبها ولم يفكّر فيها، بل كُتِبَت له جاهزة، ثم مُهِرَ اسمه تحتها فقط.

حدثني أحدهم، أنه ابُتلِيَ بمدير له في العمل، لا يعرف الفرق بين البِرِّ والبُر. يتكئ في تسيير أعمال منصبه الحساس، على جوقة من الموظفين الصغار، في خارج عمله وداخله، يقومون بإظهاره للعالَم والناس كما يحب أن يظهر، بكلماتٍ هو لا يعرف معناها، وبخطابات لا يعي ما فيها، لأنه لم يكتبها، لا فكرة ولا صياغة. وهو على هذا المنوال سائر من درجة إلى أخرى أعلى منها وبكل يُسر.

وحدّثني أحدهم، أنه تفاجأ من أحد المسئولين، من أنه لا يعرف أبجديات عمل الحاسوب، استعمالاً وبرمجة بل والجهل حتى بمسميات أجزائه، على رغم أن عمله يتطلب ذلك وبشكل لحظي. وآخر يقول، إنه تفاجأ من مسئول في منصب مهم، لا يعرف أن ينطق كلمتين باللغة الإنجليزية، على رغم أن منصبه يُحتم عليه استقبال الوفود الأجنبية ومرافقتها، والجلوس معها للتباحث حول موضوعات العمل بعمق. وفي العربية المنطوقة بسلاسة، ليس حظه أفضل من سابقتها!

ومؤخراً تفاجأ أحدهم من صحافي (هكذا يسمِّي نفسه) من إحدى الدول العربية، بَلَغَ من العمر عِتيَّا في هذه المهنة، لكنه لا يعرف ما يجب عليه معرفته في هذه المهنة الشريفة، حتى ضمن أدنى مستويات الفهم، لكنك تجده عند كل محفل ومؤتمر صحافي يتلصَّص، والأقلام مُتدلية على صدره كأنها النياشين والأوسمة، والأوراق في يده مطوية، وكأنه ابن المقفع في إحدى صولات نثره.

هذه المشكلة أبعد من كونها مشكلة إدارية؛ لأن خطورتها تشمل بيروقراطية الدول وخدماتها وأخلاقية مناصبها القيادية، ومدى ارتباطها بالمعرفة والأداء السليم، والتصرّف الحصيف. كما أنها مقبرة توأد فيها الكفاءات، والفتوَّة الناهضة في المجتمعات، لصالح الإبقاء على المحنطين، والعقول الجامدة، التي لا تتسيَّل فيها المعلومة، ولا يستعر فيها الذكاء.

البعض يُسمِّي أمثال هؤلاء، وبلغةٍ دارِجَةٍ بـ «العيَّاريين». لكن الحقيقة، أنهم ليسوا بهذا المستوى المتقدم حتى من الوصف؛ فالرجل العيَّار، هو «كثير التطواف والحركة ذكيًّا» كما جاء في الصحاح في اللغة. بل هم خارج هذا النعت حتماً، عندما يربط بما دَرَجَ إطلاقه خلال حقبةٍ ما من حقب التاريخ العربي والإسلامي، ثم دُوِّن في كتب الأدب والطرائف.

مؤسسات الدول اليوم، أمام تحدٍّ حقيقي، يتجلى في كيفية معالجتها لهذه الآفة، التي تنخر في جسد بنائها التنفيذي والإداري، وفي كيفية، القضاء على هذه الدُّمَّلة، التي تنمو وتزدهر بالخداع، والتملُّق الفج، والإطراء على كبار القوم بغير حق، وبلا اقتناع حتى، لأنهم بالأساس، يسترزقون من وراء ذلك، رغم أنهم أفقر الناس إلى الدراية بالأمور.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3764 - الأربعاء 26 ديسمبر 2012م الموافق 12 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 11:14 ص

      الله يعينك يا اخى مقال رائع ولكن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      الله سبحانه وتعالى وصفهم فى محكم كتابه كألأنعام بل اضل سبيلا هم بلطبع بشر يعيشون حوللك ادا سمعت الى قولهم ستعرفهم كل صفات النفاق والدجل والتحايل فيهم الى درجه تقول له هادا اللون اسود سيرد عليك لكنه ليس داكن السواد ادا وعدوا اخلفو وادا تكلموا كدبو وادا ائتمنو خانو الأمنانه والمفروض هاده الحثاله لأبد ان تبقى خارج اللعبه السياسيه نحن نظر بفارق الصبر لنراء اعيللنه و احفادنه يعيشون جنب بجنب اخوانهم فى المواطنه نبنى مستقبل بحريبنيتنه الحبيبه

    • زائر 9 | 8:01 ص

      الرئيس الاوحد

      ماذا تسمي مدير الغفلة بعد أن كان موظفا لا يعرف الباء من التاء وفجأة يصبح الآمر الناهي ويسلط على من كانوا أكفأ منه ويعرفون مستواه حيث يسعى بالتخلص منهم وفصلهم من عملهم وجلب آخرين لايعرفون ماضيه

    • زائر 5 | 3:03 ص

      قول

      وجه هل كلام الزين حق المعارضة لعلهم يفهمون

    • زائر 7 زائر 5 | 4:53 ص

      شلون؟

      أقول للمعارضة؟؟؟ شلون؟ لاكون الوفاق وصلت للحكم وقامت تعين فلان إلي كتبوا ليه رسالة الماجستير؟! ومدير ما يعرف إلمَ من إلا مثل ما يقولون العجايز!! والسبب برم برم

    • زائر 8 زائر 5 | 5:02 ص

      أولا اقتلوا الظلماء في العقول

      الكلام في هذا للزائر 5 .. حاول ان تقتل الغل في داخلك وستعرف ، الكاتب يوصف وصفا دقيقاً لمن يتسنم زمام القيادة والريادة والآخذ بيد زمام الامور في شتى مناحي الحياة ، اما اقحام اسم المعارضة هنا ليس في محله ،، المعارضة أصلا وجدت بعد وجود الخلل وهذا أساس كل معارضة لولا وجود الخلل في كل حكم بأي دولة لما وجد شيء أسمه معارضة .. وبعدين المعارضة .. ظاهرة صحية في حياتنا المعاصرة ومو كل معارض هو خارج عن القانون ومجرم ومجوسي وصفوي واجندات خارجية ... عطنا فاصل .

    • زائر 4 | 2:14 ص

      ضحكتنى

      و هل أنا المسؤول؟ لماذا تكتبه لنا المساكين؟ و هل نحن نعين هؤلاء فى تلك المناصب؟ ضيعت وقتى بتكرار ما يعرفه الجميع و يتندرون به فى مجالسهم الخاصى. الله يسامحك.

    • زائر 6 زائر 4 | 4:40 ص

      رد

      النسيب المقال مو رسالة رايحة ليك على البيت بالبريد الممتاز هذا مقال في جريدة معروفة ويقرأها كل البحرينيين ومنهم المسؤولين

    • زائر 2 | 10:54 م

      في الصميم

      في الصميم

    • زائر 1 | 9:57 م

      في

      في الصميم. ذكرتني بالدكتور اللي مادرس وبلتملق وصل واصبح اب روحي.

اقرأ ايضاً