تُعيد الأحداث أحوالها من جديد. فما يجري في طهران اليوم جَرَى مثله بالتمّام في العاصمة الأوكرانية كييف. انتخابات تُجرَى فيُشَكَّكُ فيها مُسبقا مِنْ قِبَل المعارضة، ثم تُرفَض نتائجها وينزل المحتجّون إلى الشوارع فيُؤيّدهم الغرب ويدعو (بمعيتهم) إلى رفض النتيجة، وإعادة الانتخابات.
حسنا لنقرأ جيدا. في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 أظهرت نتائج فرز أكثر من 99 في المئة من الأصوات في أوكرانيا أن رئيس الوزراء الأوكراني (السابق) فكتور يانكوفيتش قد حصل على 49.4 في المئة من الأصوات فيما حصل فيكتور يوشينكو على 46.7 في المئة.
في 13 يونيو/ حزيران 2009 أظهرت نتائج الفرز شبه النهائية في إيران حصول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على 62.63 في المئة من أصوات الناخبين، في حين حصل منافسه الرئيسي مير حسين موسوي على 33.75 في المئة من المقترعين.
في 23 نوفمبر 2004 اتهم فيكتور يوشينكو السلطات الأوكرانية بتزوير الانتخابات لصالح رئيس الوزراء فكتور يانكوفيتش، وقال: إنه لا يثق باللجنة المشرفة على الانتخابات، وإن هناك حملات ترهيب وانحياز إعلامي رسمي ضده.
وفي 13 يونيو 2009 أيضا اتّهم مير حسين موسوي السلطات الإيرانية بتزوير الانتخابات لصالح المُرشّح محمود أحمدي نجاد، وقال: إنه لا يثق باللجان المُشرفة التي وضعها مجلس صيانة الدستور، وإن الإمكانيات الرسمية سُخّرت لصالح مرشّح واحد.
في أوكرانيا قال يوشنكو تعقيبا على إعلان لجنة الانتخابات في بلاده إنها «أحدث جريمة يرتكبونها». أما في إيران فإن مير حسين موسوي علّق على إعلان لجنة الانتخابات الإيرانية بأنها «مسرحية خطيرة».
في كييف خرج الآلاف من أنصار يوشنكو في مظاهرات للاحتجاج على فوز رئيس الوزراء، والمنافس الخاسر (يوشينكو) يقول أمام المتظاهرين «سوف نُنظّم حركة منظّمة للمقاومة السلمية، لا تتركوا ميدان الاستقلال حتى تحقيق النصر».
وفي طهران خرج الآلاف من مؤيدي مير حسين موسوي في مظاهرات احتجاجا على فوز الرئيس أحمدي نجاد، وموسوي يدعو أنصاره للتظاهر بشكل سلمي ويقول: إن «اقتراع الشعب أهم من موسوي أو من أي شخص آخر».
بعد الاعتراضات في أوكرانيا على نتائج الانتخابات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقول: «إن عملية الاقتراع كانت أقل مستوى من الأعراف الديمقراطية المتبعة في أوروبا» والولايات المتحدة تُهدّد باتخاذ إجراءات عقابية ضد كييف إذا لم يتم كشف عمليات التزوير المزعومة وحلها».
بعد مظاهرات الإصلاحيين في طهران المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي يقول «نحن منزعجون بشدة إزاء ورود تقارير بوقوع أعمال عنف واعتقالات ومخالفات محتملة في التصويت» ويُشدّد على «ضرورة احترام حق المواطنين في التعبير عن أنفسهم».
في أوكرانيا طالب المنافس الخاسر فيكتور يوشينكو، بإعادة الانتخابات الرئاسية وإلاّ فإنه (ومؤيدوه) سيتخذون «إجراءات عملية» إذا لم توافق الحكومة على مطالبهم خلال الأيام القليلة المقبلة.
في طهران طالب المنافس الخاسر مير حسين موسوي إلى إعادة الانتخابات الرئاسية، وإلاّ فإن البلاد «ستدخل في غياهب الاستبداد»، مُحّذرا من أنه «سيتخذ كل الوسائل المُمكنة في ذلك».
هنا أقِفُ مدهوشا من هذا التشابه الغريب بين ما جرى في أوكرانيا وما يجري اليوم في إيران. اختلاط غير عادي ما بين حُقوق ضائعة، وركوب موجات سياسية من قِبَل أطراف الهوامش، وتجيير غربي مُنقطع النظير لطرف مُحدّد يُنظَر له على أنه متماهي مع التوجهات المعتدلة.
لا أريد أن اتّهم أحدا بـ «مخمليّة سياسية»، لكن السيناريو ما بين كييف وطهران لا يبعد عن الآخر إصبعين أو أقل حتى. ولا أريد أن أردّد ما ردده الحرس الثوري قبل يوم الانتخابات عن بداية «مشروع ثورة مخملية» إلاّ أن بروزها أظهر من كمونها. وهنا لا تبقى نصيحة مُدّخرة لسياسيي إيران سوى الحذر ثم الحذر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ