هل من رابط موجود بين سريلانكا وسورية؟ سؤال غريب لكنه وجيه ومؤلم في آن. بالتأكيد، المبتغى هو تتبع تجربة السلاح فيهما، ومآله وظروفه العسكرية واللوجستية رغم الاختلاف في الأهداف بشكل مطلق.
والحقيقة، أن الإبحار في تجارب دولٍ كجمهورية سريلانكا أمر قد لا يستفز البعض، كونها بلداناً غير فاعلة في السياسة الدولية، لكن الواقع هو أن تاريخ مثل هذه البلدان، يمنحنا جزءًا مهماً من البصيرة السياسية للأحداث الجارية من حولنا، والقدرة على رؤية التشابه في المتباينات كما قيل.
سريلانكا، التي تضم أربعة من الأعراق الرئيسية، هي: السنهاليون، التاميليون، الماليزيون والمورو، وأربع من الديانات، هي البوذية، الهندوسية، المسيحية والإسلام. شهِدَت حرباً أهلية دامية مع التاميليين (أو نمور التاميل) منذ العام 1983، واستمرت حتى العام 2009. ورغم أن الصراع كان على التمييز ضد إثنية التاميل، إلاَّ أنه انتهى إلى مطالبة هذا العِرق بالانفصال في الشمال.
دَخَلَ المحيط الجغرافي الآسيوي في الصراع الأهلي السريلانكي، وبالتحديد الصين والهند. ثم دخلت الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا على خط ذلك الصراع أيضاً. بكين كانت تدعم الحكومة السريلانكية، ودلهي كانت تدعم نمور التاميل بسبب العلاقة الإثنية معهم، رغم تذبذب العلاقة بين الطرفيْن بعد دخول الجيش الهندي إلى جزيرة الشاي، فاغتالت انتحارية تاميلية تنتمي إلى قوات النمور، رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي في مايو/ ايار 1991 داخل الأراضي الهندية.
الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وقفت إلى جانب التاميل من بوابة حقوق الإنسان. وطرحت هذه الدول موضوع الصراع داخل مجلس الأمن، وتعهدت بكين للحكومة السريلانكية بأن تناهض أي مسعى أممي يدين حكومة كولومبو لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان في المناطق الشمالية والشرقية حيث يتواجد التاميليون، أثناء عملياتها العسكرية ضد المسلحين النمور هناك.
لكن الغرب، كان أيضاً يمد التاميليين ويدعمهم بشدة، ويتبنى قضيتهم. فكان لهؤلاء الانفصاليين مجلس مالي متمدد مهمته جمع الأموال، وتقوية الجبهة بالسلاح ولنا أن نتخيَّل - وهو الأهم - بأن نمور التاميل، كانوا المنظمة الوحيدة في العالم، التي كانت تمتلك قوات جوية وبحرية وبرية، وجهازاً للاستخبارات، ونظاماً عسكرياً متقدماً، ومراكز تدريب وتأهيل حربي!
وأثناء الصراع؛ خسِرَ الجيش السريلانكي، نصف قوته البحرية بسبب الهجمات التي كانت تشنها الزوارق الحربية التابعة للنمور. كما أن مطار كولومبو تعرض للقصف العنيف، من قِبَل الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو التاميلي، حيث تمّ تدمير العديد من الطائرات على مدارج المطار، وتضررت مرافق الملاحة الجوية.
ووصل الأمر، بتقدُّم قوات نمور التاميل باتجاه وسط وجنوب الجزيرة، والقيام بتفجيرات وعمليات نوعية، وإلحاق هزائم عديدة بحكومة كولومبو، الأمر الذي دفع بالأخيرة، لأن تعقد تحالفاً استراتيجياً أعمق مع بكين، لمساعدتها في المعارك مع النمور، تحصل بموجبه الصين على تواجد بحري قبالة المحيط الهندي. وهو ما حصل فعلاً.
ولم يكن يأتي الشهر الخامس من العام 2009 حتى بدأت القوات السريلانكية، بهجوم مباغت وواسع، مدعوم بمعلومات استخباراتية، على تواجد القيادة العسكرية والسياسية للنمور، فقضت على آخر معاقلهم، في معركة عسكرية مغلقة لا يعرف أحدٌ تفصيلاتها لغاية الساعة.
هذا المشهد، يجعلني أستحضر الأزمة السورية بتمامها. ربما يتكرَّر المشهد! أقول ربما، وأضع تحتها عدة خطوط. شكل الأزمة، والظروف الجيوسياسية والعسكرية المحيطة تكاد تتشابه. النزاع وقوة المتنازعَيْن القتالية، والهجمات النوعية للمعارضة. البنية الاقتصادية التحتية المدمرة. الدعم الإقليمي والدولي المفروق ما بين الطرفين بالسلاح، وتنازع المصالح المتباينة. اللاجئون والضحايا. الصراع في مجلس الأمن بين القوى العظمى، كلها مشاهد تجعلني أقاربها جداً مع الأزمة السورية اليوم.
هذا التشابه الشديد مخيفٌ جداً. صحيح أن حسم المعركة قد تمَّ في سريلانكا لصالح حكومة كولومبو وهزيمة التاميل (وقد يتم في سورية أيضاً)، لكن المشكلة، ليست في الحسم فقط، بل هي في أمور ثلاثة أهم من الحسم كله:
الأول: طول مدة الصراع (26 عاماً مدة الصراع في سريلانكا)، وهو أمر وارد في سورية، نظراً لتعقد الأمور. ثانياً: حجم الدمار الذي خلّفه الصراع من قتلى وجرحى ومشرَّدين، وهو ما نراه يومياً ونقرأ عنه. والثالث هو عنف القتال، والذي باعتقادي لم يطلع على شدته وخفاياه أحدٌ بعد لسريَّته، ولقلة مصادره بسبب غياب وسائل الإعلام المحايدة.
بعد أشهر، سيكمل الصراع في سورية عامه الثاني. والله أعلم إلى أي أجلٍ سيستمر. صحيح أن المعارضة المسلحة استطاعت أن تقتل وتجرح الآلاف من القوات النظامية السورية. واستطاعت أن تستولي على أراضٍ كثيرة على الحدود. وضربت المطارات العسكرية، لكن المشكلة أظهرت أن كل هذه الأمور، لم تعد خاصرة النظام الرخوة، لأنها ليست قلبه الذي بضربه قد ينهار ويموت.
قبل أيام تحدّث ضابط سوري كبير لكنه متقاعد، (ومؤيدٌ لنظام الأسد حتى شحمة الأذن) عن أشياء وحشية قد يلجأ إليها النظام في دمشق. تخيّلوا ماذا قال هذا المعتوه رغم كل الدمار الحاصل في سورية اليوم؟ الرجل قال وبكل رعونة «إلى الآن ليس هناك قرار بضرب المسلحين في المناطق التي يأوون إليها مهما كان الثمن، القرار الآن هو اصطيادهم وأتمنى ألا نصل إلى تلك المرحلة»!
ثم يضيف «الجيش السوري يعامل المسلحين بكثيرٍ من المداراة! لكن قد يضطرونه لتحمل مسئوليته التاريخية مهما كلف ذلك من أثمان في الحجر والبشر. أنصح المسلحين في ريفي دمشق وحلب وإدلب ودير الزور، فالجيش لم يخرج من ثكناته بعد، ومن يواجهكم الآن لديه قرارٌ بحصر النار لا إطفائها. ولو تقرّر الأمر فستدفعون، ونحن معكم أثماناً باهظةً سيرَِث سيئاتها أبناؤنا»! وختم حديثه بعبارات ذئبيَّة قائلاً: «حين ترون الذي حصل في العام 1982 (يقصد مجزرة حماة ضد الإخوان المسلمين) وصواريخنا وفرقنا المشاة وألويتنا المدرعة تشن الهجمات الشاملة، حينها لا يلومن أحدٌ من اضطر إلى اتخاذ قرار إعادة المرتزقة إلى باطن الأرض». انتهى.
وجود مثل هذا النَفَسِ المتطرف داخل هذا النظام، وما يقابله من تطرف «بعض» المعارضين، الذين يقاتلون بعقيدة دينية إقصائية وليست سياسية، يجعلني أضع اليد على القلب. فسورية لم تعد تحتمل أكثر مما شهدته من دمار وقتل. هذا خوفٌ نعبِّر عنه لأن دم العروبة والأخوة يلسع مشاعرنا فيدفعنا إلى قوله. فقط لا أكثر من ذلك ولا أقل.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3761 - الأحد 23 ديسمبر 2012م الموافق 09 صفر 1434هـ
عجباً
الحين ليش الكاتب انتقد في آخر كلامه صار مو اُكه ومو عاجبكم
علي نور
بينما الجيش السوري واجه حركة مسلحة استوردت من الخارج ( تجمع فيه من كل لسن وامة فلا تفهم الحداث الا التراجم ) تسربت بين المدن المكتضة بالسكان وكان على الجيش ان يتعامل معها بالكثير من الصبر وهذا يفسر قول الذي وصفته بالمعتوه بان الجيش السوري يداري العصابات المسلحة فهدا المعنوه يتكلم عن واقع موجود (وليس افتراضي) لا يمكن تجاهله وان الجيش يحاول تجنيب المدنيين ويلات الحرب وهدا تحديدا سبب من اسباب اطالة الحرب. فهمت؟؟؟؟
علي نور
الممقال افتراضي على شاكلة الاخبار الافتراضية التي كانت بعض القنوات التلفزيونية تبثها في بدايات الازمة السورية والتي وصفها بشار الاسد بانها افتراضية ليس لها من الواقع نصيب وشتان ما بين الازمتين (السيرانكية والسورية ) فلا شبه بينمها الا في حرفها الاول وايضا في ما سردتها من نقاط زعمت انها متشابه والحال انها ليست كذلك و لسنا في وارد العرض لاوجه الاختلاف لكي لا نطيل لكن اود الاشارة الى نقطة واحدة هي ان الحكومة السريلانكية واجهت حركة مسلحة نشات وربت وترعرعت من الداخل .. يتبع
تحليل و ربط في محلة
ممتاز التحليل استاذ
واصل جزاك الله خير
لا فض فوك
من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، هناك الكثير ممن يمتبون عن الشأن الوطني ونحن بحاجة لمن يحلل ويتقصى لنا الحقيقة ويعطينا وجهة نظر لما يدور من أحداث، أنتقدك بعض الأخوان أنك كثير التوجه بمقالاتك للخارج ولكني من المؤيدين لأن تكون للمرء احاطة بما يدور حوله أقلها أن الشأن البحريني مؤثر ومتأثر بالملفات الأقليمية والدولية والذي لا يأخذ هذه المؤثرات بعين الأعتبار لا يدرك تأثيرها على واقعه المحلي. وأن كانت لي وجهات نظر في ما تكتبه أختلف معك بشأنها إلا أني متابع لمقالاتك، تقبل دعائي لك بالخير.
سوريا
دبحتنا ياصحفي كل يوم سوريا مافى مشاكل في العالم الا في سوريا مر علي بحريننا شويه او قناه الجزيرة بترحب بك