العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ

دائرة الشكاوى وحقوق الإنسان في وزارة الداخلية... خبر أم أثر!

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حقوق الإنسان، مفهوم لم يكن حاله عندما أطلق في العام 1948م وتم تدشين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان آنذاك كما هو حاله اليوم. فهذا المفهوم بقدر ما يتعدى أفقيا وعموديا ويتمدد بشكل مطرد في جميع شئون الإنسان الحياتية، بقدر ما يعجز خيال الإنسان، والحقوقيون أنفسهم، أن يتوقعوا الحدود التي ستقف عندها هذه الحقوق كمفاهيم وممارسات وقوانين واتقافيات ومعاهدات، وهي متشعبة في حياة الإنسان الخاصة والعامة، وتتصل بحقوقة القيمية والمادية، وتدافع عنه في المجالات المحسوسة والملموسة، وغيرها.

وهو - أي مفهوم حقوق الإنسان - من المفاهيم التي لا يمكن التنبؤ بتأريخ محدد لولادته، وذلك لكونه من المفاهيم التي لها ارتباط عضوي بوجود الانسان ذاته. ومنذ اللحظة الأولى التي وجد فيها بعد العدم. ولكن ربما يمكن أن يحدد الباحثون أو المؤرخون تأريخ بلورة المفهوم بصيغة أو أخرى، وفي ثقافة معينة قد توصف بكونها غربية وفي غيرها بالشرقية، أو ربما يتمكونون من تحديد متى تبلور مفهوم حقوق الانسان بحسب هذا الدين او تلك العقيدة، سماوية كانت أو أرضية.

وبات عامل السياسة، والذي غالبا ما يتفاعل فيه طرفان أو أكثر، وهما السطلة والمجمتع وغيرهما كثير، السلطة الحائزة على القوة، والمجتمع مانح القوة للسطلة (طوعا أو كرها)، بات - أي عامل السياسة - هو الذي يقود إلى وضع محددات لمفهوم حقوق الانسان في هذا المجتمع أو ذاك.

وبقيت الشعوب والمجتمعات تختلف فيما بينها في تحديد الحقوق الانسانية، فما ينظر اليه حق من حقوق الانسان في الشرق ربما لا وجود لموضوعه أصلا في الغرب، وما يعتبر من حقوق الانسان في الغرب يعد من المواضيع الممنوعة أو المحرمة في الشرق، وذلك في الحقب التأريخية التي كانت المسافات الجغرافية، من الصعب أن تطوى في لحظات أو ساعات، كما هو الحال قبل الثورة الصناعية في القرن السابع عشر الميلادي، وثورة الاتصالات في القرن العشرين.

أما بعد ذلك وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية وما آلت إليه أوضاع الانسان في العالم من انتهاك شكل صدمة للانسانية فرضت أن يوضع قانون دولي عام يعنى به كل مكون من مكوناته، فقد تم تدشين الاعلان العالمي لحقوق الانسان في الامم المتحدة «بيت العالم الكبير»، وخصوصا عندما دخل تأريخ الانسان في مرحلة ما يطلق عليه بعصر العولمة، بدأت مفاهيم حقوق الانسان تنصهر في قوالب موحدة، فتحولت الى مفاهيم عالمية كونية، من غير المتخيل أن دولة في العالم ترفض مفهوم حقوق الانسان في حدودها السياسية التي تتمتع فيها بسيادة الدولة. وقد تم تطوير ذلك بعهدين دوليين، تحولت العموميات الى تخصيص في الحقوق التي جاء بها الاعلان العالمي لحقوق الانسان في أبواب خمسة: الحقوق السياسية، والمدنية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية.

وانبثقت من هذا الحراك اتقاقيات وبروتوكولات لحقوق كثيرة، ذكرها هنا ليس على سبيل الحصر كحقوق المرأة، وحقوق العمال، وحقوق الطفل، وحقوق السجين، وحقوق أسرى الحرب، وحقوق الاقليات، وحقوق اللاجئين، وحقوق المحامين، وحقوق البيئة وحقوق الحيوان... وإلى ما شاء الله من الحقوق التي تتولد يوما بعد يوم، ويعتقد انها لن تقف عند خيال الانسان بل تتعداه الى ما لا يدور في خلده يوما. ففي كل يوم وبحكم تطور عالم الانسان في هذا الكون، تطرأ مستجدات تفرض نفسها على المفاهيم التي نتجت عن ائتلاف المجتمع الدولي على صياغته. وستبقى المجموعات الدولية تخضع لهيمنة بركان الحقوق التي تتدفق تزامنا مع تقادم الزمن.

وبالعودة الى عنوان هذا المقال، وهو «دائرة الشكاوى وحقوق الانسان بوزارة الداخلية»، ففي 29 ديسمبر/ كانون الأول 2007 نقلت إحدى الصحف المحلية تصريحا لمسئول في وزارة الداخلية، ونقلته وكالة انباء البحرين (بنا) حيث كشف مدير الإعلام الأمنى بوزارة الداخلية بمملكة البحرين الرائد محمد بن دينه أن دائرة الشكاوى وحقوق الانسان بالوزارة ستطلق برنامجها لعام 2008 قريبا.

وجاء في الخبر أن الرائد بن دينه قال: ان العمل جار حاليا لإعداد وإطلاق البرنامج ونحن مستمرون فى التواصل مع الجمعيات الحقوقية. وقد نفى ما تردده جهات حقوقية بأن دائرة الشكاوى وحقوق الانسان بالوزارة معطلة.

ومن الطبيعي ان يتساءل المواطن والمقيم (الانسان في البحرين)، عن دائرة مهمة، في وزارة مهمة، كدائرة شكاوى حقوق الانسان في وزارة الداخلية، حيث لم يجد لها حضورا في حياته اليومية، التي تتصل فيها وتتواصل الانتهاكات بأشكالها المتخيلة وغير المتخلية، المتوقعة وغير المتوقعة - لحقوقه التي كفلها الدستور وكفلتها مواثيق واتفاقات ومعاهدات وبروتوكولات حقوق الانسان والتي صدّقت على الكثير منها ممكلة البحرين.

ففي المؤسسات التجارية والمالية والخدماتية الرسمية وغير الرسمية والوزارات والادارات والهيئات في المملكة يجد المواطن صندوقا معلقا، او عنوان بريد الكتروني أو مكتبا أو دائرة يقدم من خلالها الشكوى.

فيما لا يجد في وزارة الداخلية، هذه الدائرة، وهي وزارة بقدر ما تعنى بحفظ الأمن وترعاه للمواطنين، بقدر ما هي متهمة بالتعدي على أمن أو خصوصية أو حقوق المواطنين أو القاطنين (حقوق الإنسان) من موقع عملها الذي من الصعب ان لا تقع في دائرة الاتهام بمثل هذه التجاوزات، وهو حال كل وزارة داخلية أو جهاز أمن أو تحقيق في العالم، ولكن ما الذي جعل من ذلك الخبر خبرا ولم يتحول إلى أثر وممارسة؟

يعتقد أن الجهاز الأمني في المملكة فيه شيء من التعقيد، ليس مقارنة بألأجهزة الامنية في الدول الاخرى في العالم والتي فيها أجهزة أمنية غاية في التعقيد، ولكن مقارنة بالحاجة الموضوعية التي عليها حال البحرين. ففيها جهاز الحرس وطني، وجهاز الأمن وطني، وجهاز الأمن العام وهي أجهزة لا تتداخل في صلاحياتها أو مهامها، ولكنها تتحالف في أدوارها بحكم رسميتها.

ففيما يعتقد أن واحدا من أسباب عدم مواصلة وزارة الداخلية في الاستمرار في الانطلاق نحو تفعيل هذه الدائرة، هو أنها ستصطدم بأجهزة أخرى لا تستطيع أن تقوم بدورها في متابعة الشكاوى المتعلقة بتلك الدوائر.

كما أن وزارة الداخلية، لم تنضج بعد لأن تقبل أن يرفع أحد صوته بأنه تعرض لانتهاك ممارسة التعذيب الجسدي أو النفسي (المعنوي)، وهي لا زالت تعتمد أسلوب المسارعة لنفي هذه الدعاوى حتى قبل التحقق منها.

أمر آخر، يمكن اعتباره من الامور التي اضطرت الوزارة إلى تجميد أو تعليق أو تناسي أو التغافل عن الوعد منذ 29 ديسمبر 2007 بانطلاق دائرة حقوق الانسان في الوزارة، هي أنها لم تفرغ بعد من وضع تصور لكيفية التعاطي مع القضايا التي لا تستطيع أن تفندها أو تبررها، وسيكون ذلك أمرا في غاية التعقيد والاحراج، أن تثبت صحة شكوى في هذه الدائرة وهي الدائرة المندرجة تحت الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية؛ فتدين الوزارة نفسها بنفسها، وهذا ما لا يعرف له أصل في المنطقة العربية، وهي مسألة قد تحاسب عليها مملكة البحرين من قبل جيرانها، أو أصدقائها إقليميا أو سياسيا. وهي التي تناقش في كل لقاء في مجلس حقوق الانسان في برامج الاستعراض الدوري، تعهداتها في قضايا حقوق الانسان والالتزامات الطوعية التي قطعتها على نفسها.

ولكن ونحن نعيش في بلد له سيادته، وفيه شعب له كرامته، وعلى مواطنيه ومقيميه واجبات ولهم حقوق، كما لكل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية حقوق وعليها واجبات، فإن أنات وآهات أي إنسان تحت آلام سوط التعذيب، أو لسعة كهربائية، أو شتائم نابية، أو إهانات ماسّة بالكرامة، أو التعرض للمذهب أو العرض بسوء، أو التهديد بالفعل الشائن مع المحتجز أو أحد أقربائه أو اتهام الفرد بعدم الوطنية، أو مناداته بأصله العرقي أو انتمائه الطائفي، أليست كلها انتهاكات، لو كانت دائرة شكاوى حقوق الانسان في وزارة الداخلية موجودة لكانت محل توجه المجاميع التي تعاني من الانتهاكات وتنتهك بالمعاناة.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:59 ص

      محمد

      هل الكهربه الزياده من اسباب الخروج من الجيش واعطاك غير لاق طبين

اقرأ ايضاً