العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ

فوضى إيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الفوضى التي هبَّت على إيران من الداخل تتحمل السلطة السياسية مسئوليتها. وكل المحاولات الجارية الآن لتوزيع مسئولية الفوضى واتهام الإعلام والصحافة والإنترنت بأنها ساهمت في تضخيم الحوادث لن تجدي نفعا في تغطية البهدلة التي تعرض لها النموذج الجمهوري الإسلامي.

النتيجة دائما لها صلة بالمقدمة. إذا كانت المقدمة صادقة وصحيحة وإيجابية تكون النتيجة صادقة وصحيحة وإيجابية. أما حين تبدأ المقدمة بالانحياز المطلق والفاضح لطرف ضد آخر تصبح النتيجة عرضة للشك حتى لو كان تعداد الأرقام في صناديق الاقتراع دقيقا وغير مزوّر.

أسلوب السلطة السياسية في التعامل مع المتنافسين أعطى ذريعة للقوى الأخرى أن ترفض النتيجة في اعتبار أن تزوير الإرادة الشعبية بدأ قبل توجه الناخبين للإدلاء بأصواتهم. السلطة السياسية أخطأت بالتدخل مباشرة بغض النظر عن الطرف الذي اختارته في المعركة الانتخابية. وحين تتخلى السلطة السياسية عن حيادها الإيجابي وتنتقل إلى موقع الحياد السلبي تطلق ضدها موجات ارتدادية لا تتردد في اتهامها بالتزوير.

لا يجوز للسلطة السياسية في أي بلد في العالم أن تعطي لطرف في معركة انتخابية حق إهدار المال العام واستخدامه علانية ومباشرة بوصفه هبات وعطاءات للشعب الفقير والمسكين. فهذا النوع من السماح يسمح للطرف المنافس أن يرد بعنف معتبرا الأمر رشوة وشراء للضمائر وسرقة للأصوات من خلال توظيف مال الدولة في مكان غير سليم. وحين تسمح السلطة لطرف واحد في استخدام الإعلام الرسمي (التلفزيون، الإذاعة، وكالة الأنباء وغيرها من وسائل) واستعماله وسيلة للتشهير والترويج ضد القوى المنافسة فإن الأمر سينتج ردة فعل تؤشر إلى وجود حملة تضليل للرأي العام لمصلحة فريق ضد آخر. كذلك حين تضع السلطة مؤسسات الدولة الأمنية (الحرس الثوري، وقوات الاحتياط والمتطوعين) في خدمة مترشح واحد ضد القوى المنافسة تكون فتحت الباب للكثير من الأقاويل والتأويلات. فمن حق الآخر أن يعترض على توزيع المال ويستنكر التدخل لأنه يعتبر أن المال العام ومؤسسات الدولة الإعلامية والمدنية والأمنية هي لكل الشعب وليست مخصصة لطرف لا وظيفة له سوى التأليب والتهديد والتحريض والتخوين.

أخطأت السلطة السياسية في انحيازها وخصوصا أن المعركة الانتخابية التي جرت لم تكن بين معارضة وموالاة وإنما بين موالاة وموالاة. والتدخل الفوقي في هذا السياق يعتبر أسوأ الحالات لأنه نقل المواجهة من الخارج إلى الداخل وأحرج كل القوى في اعتبار أن المنافسة تحصل بين أبناء الأسرة الواحدة.

من حق القوى المنافسة أن تعترض على النتيجة لأن السلطة السياسية تورطت في اعتماد مقدمة غير متساوية في التعامل مع مختلف المترشحين. فالمقدمة حين تكون غير صحيحة تصبح النتائج التي يعلن عنها غير مرغوبة وغير مجدية في إقناع الخصوم بصحتها.


وزير الداخلية

حتى وزير الداخلية (المتهم الرئيسي في عملية الإشراف على عملية التزوير) لا يحق له أن ينحاز لطرف ضد آخر في عملية فرز الأصوات ومنع القوى المتنافسة من حضور ممثليهم مشهد فتح الصناديق وتعداد المقترعين. فالمسألة ليست عدا للأصوات بقدر ما هي موضوع ثقة. وحين تكون صورة وزير الداخلية مشروخة ولا تمتلك تلك الصدقية يصبح من حق القوى المنافسة التشكيك بالنتيجة حتى لو كانت صحيحة عدديا. عدم الثقة يسقط كل الأرقام لأن البداية كانت غير سليمة وبالتالي تصبح النهاية غير سليمة.

كل هذا الكم من الأخطاء أنتج هذا الكم من ردود الفعل. وبسبب السلوك المضطرب للسلطة السياسية وانحيازها لفريق ضد آخر جاءت الفوضى لتشكل الرد المنطقي على مقدمة خاطئة. حتى لو أقدمت السلطة الآن وبعد فوات الأوان على محاسبة وزير الداخلية ومحاكمته وتجريده من صلاحياته وأمواله فإن الأزمة أصبحت مفتوحة ولم تعد قابلة للتصحيح، وبالتالي تُصبح مضطرة إلى اللجوء إلى العنف ولغة التخوين والتشطيب والحرق والاقتلاع وغيرها من «تصريحات طاووسية». وأيضا حتى لو وافقت السلطة السياسية على إعادة فرز بعض صناديق الاقتراع لتصحيح المعادلة وبقصد إعادة الثقة فإن المسألة لن تعطي مفعولها الإيجابي. فالجسور التي كانت تربط الأطراف ببعضها انكسرت أو انشطرت وتحديدا بعد صدور مواقف عنيفة من وزير الداخلية المتهم بالتزوير والرشوة.

الأخطاء لم تتوقف على مرحلة ما قبل الانتخابات (المقدمة الخاطئة) وإنما تكررت بعد مرحلة الانتهاء من الانتخابات (النتيجة الخاطئة). فالوزير المذكور تعمد الانحياز الفاضح في التعامل مع أجنحة الثورة والدولة. فهو أعطى الفائز رخصة رسمية بحق التظاهر ابتهاجا ورفض إعطاء الطرف الفاشل رخصة حق التظاهر احتجاجا على التزوير والتدخل. وهذا الانجرار الرسمي نحو الساحات أطلق شرارة الاعتراض ودفع الشارع إلى الغضب والانفجار.

إطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتل الأبرياء واقتحام الأحياء والجامعات ومصادرة آلات التصوير وتعطيل أجهزة الهاتف وإقفال المواقع الإلكترونية واعتقال كبار رجال الدولة وتهديد قادة الثورة وترهيب الهيئات الأهلية وتخويف المؤسسات المدنية والاتحادات الطلابية والنقابات والنساء وأبناء وأحفاد الجيل المؤسس... كلها مجموعة أخطاء تضخمت وتراكمت لأنها تأسست على قاعدة سلبية بدأت حين قررت السلطة السياسية الانحياز لفريق ضد آخر. الانحياز أورث الدولة مشكلة خطيرة والفوضى التي هبّت على إيران من الداخل تتحمل مسئولياتها السلطة السياسية وليس الإعلام والصحافة وغيرها من ترهات يحاول وزير الداخلية (المتهم بالتزوير والرشوة) توزيعها على الناس يمنة ويسرة.

كل هذه الفضيحة كان بالإمكان تجنب حصولها لو اختارت السلطة السياسية الموقع الإيجابي في توازن القوى. إلا أن السلطة كما يبدو قررت المغامرة معتمدة على «الرؤوس الحامية» التي تطلق الصواريخ الايديولوجية صعودا وهبوطا من دون انتباه إلى خطورة ارتداد هذه اللغة العشوائية على أهل البلاد.

الارتداد حصل للأسف وسمعة الجمهورية الإسلامية تعرضت للبهدلة وهيبتها أصبحت مدار شك بعد أن تضعضع حضورها الإقليمي. والارتداد كان بالإمكان تجاوزه لو اعتمدت السلطة السياسية لغة تجمع لا تفرق. وحين تقرر السلطة الانحياز عمدا لمترشح ضد ثلاثة تكون وضعت نفسها في موقع مضاد لنصف المجتمع قبل إجراء الانتخابات وبعدها.

الشرخ في الصورة وقع والتشوه أصبح ظاهرا للكاميرات مهما حاولت السلطة إجراء عمليات تجميل وشدّ للعيون والجفون والبشرة. وأصل الشرخ بدأ من المقدمة و«تكبير الرؤوس». وحين تكون الخطوة الأولى خاطئة تصبح كل الخطوات اللاحقة مجرد متتاليات تتجه بمجموعها نحو الفوضى العامة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً